كتبت في مقالة سابقة مؤكدا أن مثلث الخروج مما نحن فيه من ضيق ميدان التحرير الذي ضيقناه إلي سعة ميادين المجتمع الذي نسيناه وتغافلنا عنه وعن قضاياه وتركنا التحديات والأزمات ترعي فيه: ضلع المثلث الأول: في أسس التعاقد السياسي الجديد, الثورة المباركة في25 يناير أرست قواعد تعاقد سياسي جديد لمصر المستقبل يجب علي الجميع أن يضعه نصب عينه, هذا عهد الثورات لحظات فارقة وكاشفة تنتقل من نظام مضي بكل قواعد لعبته ونظام انقضي بكل فساد واستبداد بنيته. أما الضلع الثاني: فهو صناعة واستنهاض التيار الأساسي في الأمة المصرية وجماعتها الوطنية وطن يسع الجميع ويحرك طاقاته ويحفز كل فاعلياته ويؤصل معاني وحدته وجامعيته, ويستشرف قواعد تنميته ونهضته. أما الضلع الثالث: وأراه القاعدة التي يستند إليها الضلعان في عنوان الفاعلية وآلياتها: استراتيجية تمكين الشباب بطاقته الفياضة التي ضاق بها ميدان التحرير وضاقت به وسيلة المطالبات.. اتركوا الشباب يعمل وينتقل إلي ميادين المجتمع وقضاياه فهي أرحب لكي تجمعه وتستثمر طاقاته. الشباب في إطار هذه المبادرة( مبادرة التوافق الشعبي) يحاول أن يحافظ علي زخم الثورة المباركة ويرسخ مكاسبها ويحقق استمراريتها. لقد أراد الشباب أن يرسل بعض الرسائل الي كل من يهمه الأمر: رسالة الي النخبة السياسية التقليدية التي همشت الشباب أو استغلتهم, فكان فقدان الثقة في نخبة احترفت التراشق ولغة التنازع, إنهم الشباب قلقون علي الثورة وماآل إليه حالها ونجاح بعض المحاولات في فك ارتباط الشعب بالثوار, الشباب يؤكد أن هذه المحاولات مقضي عليها بالفشل المحقق, وأن شباب الثورة وشعب الثورة أهم رقم في معادلة حماية الثورة ومكتسباتها. ورسالة الي الشعب تتأكد فيها الصلة القوية التي تبنيها ثورة25 يناير بين المشروع السياسي وإعادة بناء الحياة السياسية الجديدة في مصر ومحو سائر سلبياتها, وبين المشروع التنموي والنهضوي المجتمعي الشامل الذي يمضي باتجاه كافة قطاعات المجتمع المصري الرسمية وغير الرسمية, المؤسسية والفردية, وتدفع إلي التغيير فيها من خلال منظومة القيم التي جسدتها ثورة مصر وشعبها وشبابها. فعلي صعيد إعادة بناء الحياة المجتمعية والسياسية في داخل مصر, يتأسس المجال السياسي المصري الجديد علي جملة من المعايير الأساسية التي تمثل امتدادا لروح الثورة المصرية, وتجسيدا لمنطلقاتها وقيمها وأهدافها في العدالة بحيث تقيم العدالة ميزانا حاكما لكل القوي والتفاعلات, ولا يسمح الإنسان بظلم أو اعتداء علي الحقوق. والمساواة الأصلية تفرض عدم التمييز بين أفراد الشعب وقواه وطوائفه وفئاته في الحقوق السياسية والإنسانية علي أي أساس غير موضوعي. الانطلاق من حق الاختلاف, وأولوية التعدد والتنوع في الرؤي والأفكار والمصالح والاتجاهات السياسية, والاعتراف بحق كل كيان سياسي, والأفراد, في التعبير عن رؤاهم والدعوة لها, وتمثيل مصالحهم عبر المجال السياسي والعام. 0اعتبار تفعيل الحقوق الإنسانية وصيانة الحريات الأساسية للإنسان المصري كاملة غير منقوصة, هو المعيار لفاعلية وسلامة الحياة السياسية المصرية. تكريس حقيقة أن المشاركة السياسية والعامة من قبل الأفراد والجماعات في تحديد منطلقات المجتمع وقيمه وأهدافه, واجب قبل أن تكون حقا للجميع بغض النظر عن أية انتماءات. حرص المد الثوري المصري الساعي إلي التجديد والبناء علي عدم الانجراف إلي معارك فكرية وسياسية جانبية, لطالما أهدرت طاقات المجتمع وجهوده, وضرورة تركيز التفاعلات السياسية علي ما يحقق النموذج الراقي للشعب المصري, وثورته, ويدفع للأمام المنجزات السياسية والتنموية. خروجا عن حالة الاستقطاب والتنافي والاستبعاد. الحرص علي تكاتف وتماسك القوي الصادقة التي أسهمت والتي تسهم- في التغيير السياسي والإصلاح العام, وضرورة الحذر من محاولات الالتفاف علي هذا المد أو صرف مساره عن غاياته الحقيقية. الشعب لن يستغني عن شبابه, والشباب لن يفارق حاضنته المجتمعية, ولن يفرط في رصيده الشعبي, ولن يبدد مكتسبات ثورته, ولن يتنازل عن تمكينه. في ظل مناخ التعتيم وعدم الشفافية, ومناخ التأزيم وصناعة الأزمات, ومناخ الاستقطاب والتنافي, وبين فجوات الآليات وأزمات الثقة, وأزمة النخب التقليدية,برزت مبادرة التوافق الشعبي تواجه كل هذه التحديات, وفي رؤية بنائية طورت جهازا يمثل فاعلية المجتمع وقواه, لايهادن في حماية مكتسبات الثورة ولا في ضمان استمراريتها حتي تبلغ أهدافها الأساسية كاملة غير منقوصة. فكانت مبادرة التوافق الشعبي التي قام عليها شباب واعد: أبناء أشداء وأخوة إخاء وأساتذة أجلاء وكيانات سياسية وعلمية وفكرية ومجتمعات نقابية ومدنية, تقوم برفع شعار الثورة التأسيسي: أمن, عيش, حرية, والتي تولد معني الكرامة للمواطن ومعني المكانة للوطن, الثورة لن تفقد زخمها, والشعب سيظل يحتضنها, والأمة كلها بتنوعاتها وتياراتها وتكويناتها هي رحمها. وكان هذا البيان لكل من يهمه الأمر: مبادرة التوافق الشعبي, أمن. عيش. حرية بعد نجاح الثورة المصرية المجيدة في الاطاحة برموز النظام السابق تبقي للثورة استحقاقات واجبة التنفيذ حتي تكتمل ويتم إسقاط النظام السابق بالكامل( أشخاص وسياسات وأجهزة قمعية وقوانين سيئة السمعة) وذلك لتشييد مؤسسات الدولة التي نطمح إليها علي أسس سليمة. وعلي ذلك توافقت القوي الوطنية والفصائل السياسية أن يتخطوا مرحلة الاستقطاب التي كانت معول الهدم الفاعل في جسم ثورتنا و يتوافقوا علي مطالب موحدة ويمارسوا وسائل ضغط موحدة بما يتلاءم مع مصلحة الوطن ومع أولويات المرحلة. وتتبني مبادرة التوافق الشعبي المطالب التالية والتي تعتبر مصيرية لإنجاح ثورتنا: أمن: قيام المجلس العسكري بواجبه في تحقيق أمن المواطنين وإلزام وزارة الداخلية بإعلان خطة أمنية واضحة للقضاء علي الفوضي الأمنية والبلطجة دون المساس بحرية وكرامة المواطنين. عيش: الإعلان عن إجراءات اقتصادية قصيرة المدي لإنعاش الاقتصاد ووضع آليات لضبط الأسعار ومراقبة الأسواق. - اعتماد الحد الأدني والحد الأقصي للأجور خلال أسبوعين. حرية: - التزام المجلس العسكري بجدول زمني فورا معلن للتسليم الكامل لإدارة البلاد لسلطة مدنية منتخبة- برلمان ورئيس جمهورية- في موعد أقصاه30 إبريل2012. - تعديل مواد قانون الغدر وتفعيلها. - تعديل قانون انتخابات مجلسي الشعب والشوري بشكل كامل وبما يتوافق مع مطالبات القوي السياسية. - الوقف الفوري للقوانين والمحاكمات الاستثنائية- وقف العمل بقانون الطوارئ وإلغاء المحاكمات العسكرية للمدنيين- واتخاذ كافة الضمانات لحرية الرأي والتعبير. - إعادة محاكمة المدنيين الذين صدرت ضدهم أحكام عسكرية أمام قاضيهم الطبيعي. وتطالب القوي السياسية الموقعة علي هذا التوافق المجلس العسكري بسرعة الاستجابة لإرادة الشعب وتنفيذ هذه المطالب استكمالا لثورة25 يناير والتي لن تتوقف- بإذن الله- حتي تتحقق جميع مطالبها المشروعة مع الأخذ في الاعتبار أن جميع خيارات التصعيد السلمي مفتوحة. هذا البيان لأهل مصر ومبادرة من أجل ثورة مصر. المزيد من مقالات د.سيف الدين عبد الفتاح