تعتبر جريمة قتل المتظاهرين جريمة ضد الانسانية وهي من الجرائم المنصوص عنها في القانون الجنائي الدولي وتضم جرائم الابادة وجرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية وجرائم الاعتداء عندما تكون السلطات الوطنية غير قادرة او غير راغبة في القيام بهذا الدور وتسعي المحكمة الي وضع حد للافلات من العقوبة, والدول الموقعة علي قانون انشاء المحكمة105 دول حتي عام2007 منها41 دولة لم تصادق علي القانون حتي الآن منها الصين والهند والولايات المتحدةالأمريكية وروسيا التي امتنعت عن التوقيع حتي الآن. والقانون الجنائي المصري لم يتناول هذا النوع من الجرائم بالتفصيل وقد يكون هناك صعوبة امام جهات التحقيق والنيابة والقضاء في مصر في معرفة الجناة الفعليين لرغبة الجهة التي ينتمي اليها الجناة وهي جهاز الشرطة في عدم التورط بمحاولة إخفاء الادلة او اسماء الجنود والضباط الذين نفذوا الجريمة, الا ان قتل الف شهيد واصابة عشرة آلاف بعاهات لايمكن تفسيره الا بمحاولات الشرطة تفريقهم بالسلاح, فقد امكن اثبات حدوث كثير من الوفيات عن طريق الطب الشرعي بنفس نوعية السلاح الذي كان مع الجنود والضباط من الشرطة, كما تم تصوير بعض وقائع اقتحام سيارات الشرطة للمتظاهرين وقتلهم بوحشية فوق كوبري قصر النيل وفي ميدان التحرير بواسطة بعض الفضائيات ومندوبي الصحف او هواة التصوير بالفيديو اوCD او التصوير العادي. وفضلا عن هذا فان مجرد تسليح الجنود والضباط بالسلاح القاتل وهم يتوجهون لفض المظاهرات امر لهم بالقتل, ومجرد اعتلاء بعض الضباط والجنود سطح الجامعة الأمريكية والمتحف المصري ومجمع التحرير ووزارة الداخلية ومعهم السلاح القاتل ومعروف عن بعضهم انهم قناصة هو امر لهم بالقتل وهو قتل مع سبق الاصرار والترصد وهو بدون التحام او عراك او دفاع عن النفس والقول بأن قتل بعض المتظاهرين امام وزارة الداخلية وفي اماكن اخري كان دفاعا عن النفس هو قول عار من الصحة وكان يمكن مناقشته لو اقتحم المتظاهرون الوزارة المحصنة وهاجموا من بها ولكنه لم يحدث. ولابد أن نأخذ في الاعتبار ان هؤلاء الجنود والضباط اعتادوا خلال ثلاثين عاما متصلة من الحكم بقانون الطوارئ اعتقال الناشطين السياسيين والمخالفين في الرأي وايداعهم السجون والمعتقلات بدون احكام قضائية واحيانا بعد صدور احكام بالبراءة وكانوا يعذبونهم, والبعض من هؤلاء المعتقلين يموت او يقتل او يختفي ولم يكن هناك من يسألهم او يحاسبهم, وكانوا يشعرون بأنهم محصنون ضد اي عقاب, وبمرور الوقت تحول الامن المركزي ومباحث امن الدولة من اجهزة تخدم الوطن والمواطنين الي اجهزة لحماية نظام الحكم. كان الوحيد الذي يستفيد من فض المظاهرات والقضاء علي المتظاهرين هو مبارك نفسه والامر بالقتل ضمني, فقد مضي عليه ثلاثون عاما متصلة يقمع حرية الرأي والتعبير ويفرض قانون الطوارئ واستمرار الوضع واستقراره كرئيس مسألة حياة او موت بالنسبة له فقد اعتاد ان يتصور نفسه صاحبا لمصر ومالكا لها لانه حكم بالمصادفة بعد موت انور السادات ونجا من عدد من محاولات الاغتيال وهو يشعر انه لا فضل للشعب في بقائه ومن حقه ان يورث ملك مصر لنجله. وخلال حكمه المديد كانت جميع الاوامر والتعليمات تصدر بتعليمات وتوجيهات منه فكيف يمكن ان يكون قتل المتظاهرين الذين كان هدفهم الاساسي اسقاطه هو ونظامه بعيدا عن توجيهاته وموافقته العلنية او الضمنية؟! وفي نفس الوقت كان هو الوحيد الذي يمكنه منع قتل المتظاهرين لو أصدر امرا علنيا بذلك خلال بياناته التليفزيونية الثلاثة قبل سقوطه, ولكنه ابدا لم يفعل والبحث عن امر بالقتل هو كالبحث عن علبة كبريت وسط حريق. وفي الواقع فان محاولات تمييع القضية وتبرئة مبارك ومعاونيه هي نوع من العبث القانوني لايمكن ان ينطلي علي احد فقتل الف مواطن واصابة آلاف بعاهات هو عمل اجرامي جسيم لا بد له من فاعل والفاعل الاصلي هو المستفيد من الجريمة وصاحب المصلحة في وقوعها هو مبارك نفسه. ولا يمكن القول ان نظام مبارك قد سقط تماما حتي الآن فأمواله لم تصادر بعد ولم يعرف مصيرها حتي الآن وهو قد انكر وجودها علنا مع انه يعتبر قارون العصر الحديث. كان خروج المواطنين المصريين بهذه الكثافة التي لم تشهدها البلاد من قبل نتيجة طبيعية لمجموعة من السياسات والقوانين التي اتبعها نظام مبارك من اجل احتكار السلطة والثروة في الدائرة الضيقة التي تشمله وعائلته وكبار اعوانه ورجال حزبه وبعض اصدقائه من رجال الاعمال. وفي نفس الحقبة تم تزوير جميع الانتخابات الرئاسية لصالحه والبرلمانية لرجال حزبه ليرأس الجمهورية ويسيطر علي البرلمان, ويستمر في الحكم بالجمهورية الرئاسية البرلمانية التي ابتدعها. وبعد ان استقر في الحكم تماما وقبض علي مقاليد الامور عمل علي جمع الثروة فغير السياسات وسن القوانين التي تفتح الباب لجني الاموال. هذه الجرائم أوقفت نمو مصر ونشرت فيها الجهل والفقر والمرض وتراجع نفوذها وقيمتها بين الدول ولايمكن ان نحاكم النظام السابق علي جريمة قتل المتظاهرين دون ان نحاكمه علي السياسات والقوانين التي أفرزت النتائج التي أدت الي ثورة الشعب وقتل المتظاهرين...تحية للثوار. المزيد من مقالات د.الصاوى محمود حبيب