أيام قليلة تلك التي تفصل, بين ذكري وفاة الموسيقار الكبير بليغ حمدي حيث توفي في12 من سبتمبر1993 وذكري ميلاده تحل في ال7 من أكتوبر, بليغ ليس مجرد موسيقار مصري قدم أكثر من1500 لحن, بل هو واحد من عباقرة الموسيقي في مصر والعالم العربي, وأحد المجددين, ولا نبالغ أذا قلنا أنه يأتي في المرتبة الثانية بعد الموسيقار الكبير سيد درويش حيث كان مجددا, وألحانه. حملت الكثير من الروح المصرية. ومن الصعب أن تجد أن هناك اتهاما واحدا لبليغ حمدي بأنه مقلد, أو اقتبس لحنا من أحد, كما تنوعت ألحانه ما بين الشعبية والرومانسية والوطنية الحماسية, لكننا يمكننا اعتبار الإسهام الأساسي الذي قدمه بليغ في الموسيقي هو إيصال الموسيقي والإيقاعات الشعبية المصرية بطريقة تتناسب مع أصوات المغنين الكبار أمثال أم كلثوم, وعبد الحليم حافظ, وشادية, وغيرهم. ورغم الشعبية الكبيرة التي تتمتع بها ألحان بليغ حمدي, إلا أن هناك بعض النقاد الموسيقيين من ينتقد ألحانه علي أساس أنها ليست بمستوي ألحان بعض الملحنين الكبار مثل رياض السنباطي, و محمد القصبجي, وقد يكون هؤلاء النقاد يقييمون بشكل علمي وبحسابات دقيقة فخامة اللحن وتنوعه وتعقيده إلا علينا أن نتذكر أن هدف الموسيقي بالدرجة الأولي هو إسعاد الناس, وما دامت ألحان بليغ قد استطاعت إسعاد الناس بل وصلت إلي القلوب والروح ولا نبالغ إذا قلنا أن بليغ الموسيقار كان ينافس النجوم في شعبيتهم.. خصوصا أن ألحانه صنعت نجومية وتألق الكثيرين ليس ذلك فقط بل أن ألحان بليغ أعادت تشكيل وتقديم العديد من الفنانين بشكل جديد ومختلف عما اعتاده جمهوره مثلما فعل سيدة الغناء العربي أم كلثوم, والفنانة وردة والتي تألقت مع ألحان بليغ, ونفس الحال مع الفنان عبد الحليم حافظ والذي شكلت تجربته مع بليغ نقلة فنية في مشوار حليم.. ويبدو أن سر إبداعه الحقيقي وتألقه منذ بدايته وحتي وفاته كان يكمن في تعامله مع عالم الموسيقي كهاو وليس محترفا فأصبح صاحب جملة لحنية متفردة, وتغني بألحانه جميع المطربين والمطربات في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي ومنهم نجاة ووردة وفايزة أحمد وشادية وصباح ووديع الصافي ومحمد رشدي واحمد عدويه, ومرورا بميادة الحناوي وسميرة سعيد وعزيزة جلال وعلي الحجار, وتحمل وحده عبء التلحين لجميع الأصوات لمدة تزيد علي العشر سنوات, في حين اكتفي الملحنون الكبار وقتها بما سبق وقدموه دون محاولات لتطوير أنفسهم أو العمل علي إثراء الحياة الفنية. ويبدو أن تميز بليغ حمدي الفني لم يأت من فراغ حيث كان علي المستوي الإنساني شخصا شديد الحميمية والتواضع لا يعرف الحسابات ويتحامل علي نفسه إلي درجة تصل إلي حد ظلمها في الكثير من الأحيان حسبما يؤكد المقربون منه والذين عاصروه, وفنون الأهرام تحتفي بالموسيقار الكبير والذي يستحق الكثير منا خصوصا وانه لم يتم تكريمه بالشكل الذي يليق به, ويليق بحجم تجربته والثراء الفني الذي تركه للموسيقي العربية.