نصنع الفرعون بأيدينا.. إن أسقطناه "نتمسح" فيه وبه.. ولو فشلنا فى ذلك نسعى إلى فرعون جديد حتى لو كان من بلاد بعيدة جاءنا فى زيارة من بلاده فنتعامل معه وكأنه الفارس المغوار والفاتح العظيم الذى سيحل لنا كل مشكلاتنا.. نجرى خلفه ونمسك فى تلابيبه سعياً وراء معجزاته التى لايراها غيرنا وأمامه نقف ونرجوه وندعوه وربما نتوسل إليه أن يتذكر أيام الخلافة الإسلامية وفى أقل تقدير ندعو الله أن يهدينا إلى طريق الرشد بأن نحاكى تجربة بلاده العلمانية الإسلامية العثمانية!! هكذا جاءت زيارة رئيس الوزراء التركى "أردوغان" إلى القاهرة الذى صورته الجموع الغفيرة التى كانت فى إنتظاره بمطار القاهرة وترفع له اللافتات وتشدو له بالهتافات وكأنه الناصر صلاح الدين الجديد وتأتى التغطية الإعلامية لزيارة الرجل لتؤكد من جديد أننا حتى الآن لم نستطع أن نخلع عن أنفسنا رداء إدمان "المبالغة" فى كل شئ وهى المبالغة التي أوصلت بعض حكامنا الى درجة التقديس فنسوا أنفسهم وعاشوا دور الفرعون الذى صنعناه بأيدينا والغريب أن نفس الشعور ربما يكون قد انسحب على أردوغان نفسه أيام زيارته الى القاهرة.. إن أحداً لايستطيع أن يقاوم إغراء تبجيل هذا الشعب له!! هل يتذكر أحد كم مرة إبتسم أردوغان فى زيارته للمصريين إليهم ؟! إنها مرات قليلة.. وكم مرة تحدث عنهم.. عن حضارتهم وقوتهم.. عن دورهم السابق والقادم فى المنطقة وقدرتهم على ذلك.. هى مرات كانت نادرة بين طيات أحاديثه أما أحاديثه عن تجربة بلاده وتكراره فحدث ولاحرج وكأن تركيا قد تحولت الى دولة عظمى وأن مصر لازالت تحبى فى عالم الدول وتحتاج الى الكثير والكثير من وجهة نظر المٌعلم أردوغان !! نعرف أن رئيس الوزراء التركى قدم نموذجا ً متميزا وبارزاً داخل دولته.. أخلص فى عمله فأيده الشعب الذى لم ُيقصر هو الآخر فى أداء واجباته إزاء بلده للحصول على تلك الحقوق فإستحق الأثنان الإشادة فى إطار منظومة الحقوق والواجبات دون "فرعنة" ولا إستبداد.. لكن أن ننظر الى أردوغان على أنه "الملاذ والخلاص والنموذج" المنتظر ليخلصنا وينتشلنا مما نحن فيه فالأمر يحتاج إلى تروى.. أن يقف أردوغان فى الجامعة العربية على رؤوس الأشهاد وكأنه الإمام الذى ُيلقى على مريديه أسس ونهج مستقبلهم ويذهب فى نصحه بالحديث عن ثورة مصر وطرح خارطة طريق لكى تستكمل نجاحها ونحن نبحلق إليه وكأنه لاينطق عن الهوى فهذا "عبث" و"استخفاف" بإرادتنا وفقدان لثقتنا فى أنفسنا التى عادت بعد تداعيات الشهور القليلة الماضية فى أقل درجاتها!! لقد قدم "أردوغان" نموذجاً طيباً لإحترام الذات له ولبلده التى يمثلها عندما رفض الإهانة الإسرائيلية بالإعتداء على سفينة تركية فى المياه الدولية ولكن الذى نعرفه أيضاً أنه وبلاده لطالما تعاونا مع إسرئيل تعاوناً تجاوزته كل الدول العربية مجتمعة, ووقتها لم تكن الدول العربية والإسلامية التى يتحدث عنها أردوغان الآن تقع عنده فى إعتبارات وحسابات الأواصر والهوية والدين ولكن مصالح بلاده كانت لها الأولوية القصوى والأولى. ..أما الآن ومع دخول تركيا فى "مناوشات" مع اسرائيل تقوم على أساس مفهوم الكرامة الوطنية وموازين الثقل فى المنطقة فإن زيارت أردوغان الى دولنا العربية الآن واهتمامه بها وتصريحاته العنترية ضد إسرائيل لا يمكن أن نبعد بها كثيراً عن مفهوم إضافة قوة سياسية عربية إلى تركيا البلد بعيداً عن نهج العواطف الذى نستسهله. إننا كثيراً لازلنا ننجرف فى إتجاه هذه العواطف حتى فى عالم السياسة الذى لا يرى فى العلاقات بين الدول إلا طريق المصالح والقوة والنفوذ.. أما حالة الضعف بعد ثورة.. والشعور بالدنو والإستكانة أمام بعض النماذج لدول أخرى لأننا غير قادرين حتى الآن على العودة الى ذاتنا وتحقيق الإصلاح بإستقامة تطبيق قاعدة الحقوق والواجبات بين الحاكم والمحكوم, فإن الأمر هنا لا يختلف كثيراً عن صمتنا أمام الفرعون الذى نصنعه بأيدينا.. وإن أسقطناه نتمسح به.. وإن فشلنا فى ذلك نسعى إلى فرعون جديد حتى لوجاء من بلاد بعيدة.. حتى نختار فرعوناُ جديداً لنا.. ! المزيد من مقالات حسين الزناتى