لا تزال حكومة المستشارة الألمانية انجيلا ميركل تجاهد للخروج بأقل الخسائر الممكنة من مأزق ليبيا الذي وضعت نفسها فيه بإمتناعها عن المشاركة في عمليات حلف الناتو لدعم الثوار الليبيين وإسقاط نظام القذافي. وفي الوقت نفسه فإن ميركل التي عادت من مؤتمر اصدقاء ليبيا في باريس لتطمئن الجميع بان المانيا ستشارك ايضا في إعادة بناء ليبيا الجديدة رغم موقفها المحايد من العمليات الجوية, تواجه خلال الايام المقبلة إختبارا جديدا وصعبا لمصداقية المانيا في العالم العربي, عندما يتوجه الفلسطينيون للأمم المتحدة للمطالبة بالعضوية الكاملة لدولتهم في المنظمة الدولية. وحتي الأن يبدو أن برلين متمسكة بموقفها المعارض لهذه الخطوة الفلسطينية مؤكدة العلاقة الخاصة الي تربطها بإسرائيل وإلتزامها التاريخي بأمن الدولة العبرية. ويمكن القول ان المستشارة الألمانية وائتلافها الحاكم المكون من الإتحاد المسيحي المحافظ والحزب الليبرالي, في موقف صعب بالفعل, فالإنتقادات لا تزال تنهال علي ميركل وعلي وزير خارجيتها جيدو فيسترفيله من كل الأطياف السياسية في المانيا بسبب' الفشل الذريع' للسياسة الخارجية الألمانية في ليبيا. وتخشي الإتحادات الصناعية والتجارية الألمانية أن يدفع الإقتصاد الألماني فاتورة هذا الفشل بزيادة إستثمارات دول مثل فرنسا وبريطانيا وإيطاليا في ليبيا علي حساب الإستثمارات الألمانية. كما فوجئ الألمان بإثنين من أهم السياسيين في تاريخ المانيا الحديث وهما مستشار الوحدة الألمانية هيلموت كول ثم مستشار المانيا السابق هيلموت شميدت يوجهان نقدا لاذعا للسياسة الخارجية لحكومة ميركل, وهي سابقة تاريخية نظرا لإختلاف الإنتماء السياسي والإيديولوجي للزعيمين السابقين. وحذر كل من كول وشميدت من أن شركاء المانيا في اوروبا لم يعد بإمكانهم الإعتماد عليها واصبحت سياسة ميركل في مواجهة أزمة المديونية الأوروبية فزورة كبيرة لشركاء مثل فرنسا وبريطانيا, فالمستشارة تنتقد دول الجنوب الأوروبي كاليونان والبرتغال وتتهمها بأنها تنفق اكثر مما تنتج رافضة تقديم المساعدات لها في البداية ثم تتحرك متأخرة بعد فوات الأوان لتوسيع مظلة الإنقاذ الأوروبية والتي يمكن ان تبتلع ثلثي ميزانية المانيا في اسوأ الظروف! ويري الزعيمان المخضرمان أن الحكومة الألمانية لا تولي اهمية قصوي لعملية التكامل والإندماج الأوروبي وتحركها عوامل السياسة الداخلية في المانيا وفرص الأحزاب الحاكمة في الإنتخابات المحلية, وأنها بلا بوصلة حقيقية وان المانيا فقدت الكثير من تأثيرها الدولي. وامام هذه الإنتقادات خرج مراقبون ومحللون المان يحذرون الحكومة في برلين من تكرار خطأ ليبيا الذي تسبب في عزلة المانيا عن شركائها الأوروبيين واساء إلي صورتها كدولة دعمت الربيع العربي في تونس ومصر منذ البداية. ويطالب هؤلاء برلين بالتخلي عن موقفها الرافض للإعتراف بدولة فلسطينية في الاممالمتحدة ومجلس الأمن وهو موقف عبر عنه وزير الخارجية فسترفيله بوضوح في اكثر من مناسبة برفضه اي إجراءات أحادية الجانب من الطرف الفلسطيني واصفا التوجه للأمم المتحدة بانه لن يكون مثمرا. ومؤخرا طالب المعهد الألماني للسياسة الدولية والأمن في برلين وهو أهم مركز بحثي يقدم توصياته للحكومة الالمانية, بان تعدل برلين موقفها وأن تكثف من جهودها لتوحيد موقف أوروبي يؤيد الإعتراف بالدولة الفلسطينية ويصوت بنعم في الجمعية العامة للأمم المتحدة معتبرا تلك الخطوة بمثابة فرصة تاريخية لألمانيا لإحداث تحول جذري في السياسة الأوروبية في الشرق الأوسط. ووفقا لرؤية المعهد فإن الهدف الرئيسي للفلسطينيين وهو طلب العضوية الكاملة في الاممالمتحدة يصعب تحقيقه لأنه يتطلب ليس فقط الحصول علي موافقة ثلث اصوات أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة وإنما أولا توصية مجلس الأمن الدولي بعد موافقة تسع اعضاء من15 علي الأقل دون إعتراض أو فيتو من الدول دائمة العضوية. ونظرا لإعتراض واشنطن المتوقع فإن هذا الطريق سيبقي مسدودا امام الفلسطينيين. رغم ذلك تري دكتور مورييل اسيبورج كبيرة باحثي الشرق الأوسط في المعهد أن الفلسطينيين امامهم فرصة كبيرة في تحقيق تحسن ملحوظ في وضع فلسطين الحالي كمراقب بقرار من الجمعية العامة دون موافقة مجلس الامن, فإذا صوتت أغلبية اعضاء الجمعية العامة يمكن إعتبارها دولة غير عضو في المنظمة الدولية كالفاتيكان او كمراقب دائم مثل سويسرا حتي عام2002, وهو وضع يكفل لفلسطين الحق في ترشيح ممثلين لها في هيئات المنظمة الدولية والعضوية الكاملة في المنظمات التابعة للامم المتحدة. وفي المقابل تري اسيبورج ان الفلسطينيين إذا ما تمكنوا من الحصول علي ثلث اصوات اعضاء الجمعية العامة فسيحققون بذلك إنتصارا معنويا وسياسيا كبيرا حتي لو رفض مجلس الامن. فإحصائيا يضمن الفلسطينيون حتي الآن120 صوتا داخل الجمعية العامة في حين انهم بحاجة إلي129 صوت من إجمالي193 دولة. وتري الخبيرة الألمانية أن علي المانيا أن تدعم الفلسطينيين لتحقيق هذا الإنتصار السياسي مبررة ذلك بالتالي: أن المخاوف الألمانية والأوروبية من أن هذا التحرك الفلسطيني المنفرد يتعارض مع عملية السلام ويهدد أمن إسرائيل لأنه ينزع الشرعية عنها, هذه المخاوف غير مبررة لأن الفلسطينيين يهدفون فقط لتحسين وضعهم في المفاوضات التي سيعودون إليها حتما للتوصل إلي حل علي الأرض. كما أنهم يريدون الإعتراف بدولتهم داخل حدود4 يونيو67 بجوار إسرائيل نفسها. كذلك ترد الباحثة علي المخاوف الألمانية من أن مثل هذا الإعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية لن يغير من الأمر الواقع شيئا وإنما قد يشعل العنف من جديد بين الفلسطينيين والإسرائيليين, إذ أن المستوطنات ستبقي وسيستمر حصار غزة وربما تضم إسرائيل اراضي جديدة في الضفة الغربية إليها كرد فعل علي الخطوة الفلسطينية. هنا يري المعهد الألماني ان العنف يمكن ان يندلع بشكل واسع النطاق في صورة إنتفاضة ثالثة إذا رأي الفلسطينيون أن جميع الطرق السلمية والدبلوماسية باتت مغلقة في وجوههم حتي في الأممالمتحدة. وإذا حدث ذلك في ظل ثورات وإنتفاضات الشعوب العربية المجاورة لإسرائيل قد تنزلق المنطقة إلي حرب جديدة. وتتلخص توصية اهم معهد الماني للحكومة في برلين في أن علي المانيا التي إستثمرت اموالا طائلة في إطار الإتحاد الأوروبي منذ بدء عملية اوسلو في بناء مؤسسات الدولة الفلسطينية والبنية الاساسية أن تغير موقفها الرافض للإعتراف بدولة فلسطينية مستقلة الآن خاصة وأن المانيا حاليا عضو في مجلس الأمن. كما أن برلين التي يتعهد سياسيوها دوما بدعم حل الدولتين يجب الا تغامر الآن بفقد مصداقيتها في العالم العربي وخارجه, ويمكنها بالتوازي مع دعم الدولة الفلسطينية أن تدافع عن المصالح الإسرائيلية بتبني دور اوروبي فعال في المفاوضات التي ستستأنف بعد الإعتراف بالدولة الفلسطينية وفقا لمعطيات محددة وجدول زمني محدد لتؤسس علي أساس مقترحات إدارة الرئيس الأمريكي اوباما.