لاقي تعيين الدكتور شاكر عبد الحميد قبل شهر أمينا عاما للمجلس الأعلي للثقافة ارتياحا واسعا في الوسط الثقافي المصري. ليس فقط لأنه ناقد جاد, اعتمد علي ساعده ودأبه وقراءاته الواسعة, وأعانه تخصصه في علم نفس الجمال علي وضع 20 كتابا من تأليفه, متنوعة الطرح والرؤي والتناول, وترجم ثمانية كتب مهمة, فكرس إسمه في خانة العصاميين المخلصين للإبداع. فهو أكاديمي واع وحنون, يفيد كل من يأخذ عنه, ويقرب منه, في الجامعة والحياة, ويكتسب مودتهم ببساطة فيصبح قريبا للقلوب والأفهام, وعادة ما يتحول من أستاذ مرحلي إلي صديق دائم. وظل طوال عمره معنيا بالشأن العام, لكن في هدوء, وبدلا من رفع صوته سياسيا, آثر الرصد النقدي للإبداع, والتحليل الجمالي للأدب والفن باعتبارهما من تجليات الواقع, مساهمة منه في رفع الوعي, وترقية الذائقة العامة, والتشجيع علي مواجهة القبح والظلم بكتابات كاشفة بلا صدام, موحية بلا فضح. وأدرك منذ بداياته قيمة الثقافة, وعمق تأثيرها, وحفظ علي المبدعين قدرهم بمحبة صافية, وساند كتاباتهم بفهم, فحجز لنفسه مكانة حميمة في القلوب, ومساحة مضيئة في العقول, فقالوا فيما يشبه الصوت الجمعي: وصل الرجل إلي مكانه المناسب في توقيت ملائم. * متي ستبدأ عملية تحويل اختيار أعضاء لجان المجلس الأعلي للثقافة إلي الانتخاب, وكيف ستكون الآلية؟ بدأنا نتلقي الترشيحات من الأفراد والجمعيات الثقافية والفنية والكليات الجامعية حول الوجوه المقترحة التي ستشكل لجان المجلس الجديدة في آخر سبتمبر الجاري, ومن سيتم ترشيحه من جهات وشخصيات أكثر سيكون له الحظ الأوفر في دخول اللجان.. من الجمهور الذي سيصوت لاختيار أعضاء اللجان ومقرريها ؟ إجمالي الشخصيات المرشحة من كافة الجهات سيقترعون علي اختيار أعضاء ومقرري لجان المجلس, وهو نوع من الديمقراطية والشفافية كثيرا ما طالب به المثقفون, وهو سيعطي فرصة لإحداث تغيير جوهري في أداء وأعمال لجان المجلس الأعلي للثقافة التي نعول عليها كثيرا في الفترة المقبلة في خدمة الثقافة المصرية والعربية, والديمقراطية ستقضي بطبيعتها علي فكرة الأبدية التي عانينا منها جميعا, وللحق فإن العمل بهذا النظام الجديد يعود مباشرة لجهد الدكتور عماد أبو غازي وزير الثقافة والدكتور عز الدين شكري أمين المجلس الأعلي للثقافة السابق, وانا أكمل ما قدماه, واسجل هذا هنا لنحفظ الحق لأصحابه هل ستظل هناك نسبة لوزير الثقافة ولك في اختيار بعض اعضاء اللجان كما في السابق أم سيحال الأمر كله إلي الانتخاب الحر المباشر من دون تدخلكما, للقضاء علي المجاملات التي وصمت أنشطة اللجان في بعض الأشياء سابقا ؟ الوحيدون الذين سيظل اختيارهم خارج آلية الانتخاب هم الأعضاء الذين يتم ضمهم إلي اللجان بحكم مناصبهم لا أشخاصهم مثل رئيس اتحاد الكتاب, ورئيس نادي القصة وغيرهم ممن نصت علي وجودهم لائحة المجلس. لأي مدي تظن أن الانتخابات ستفعل دور لجان المجلس أكثر من ذي قبل ؟ ستكون أكثر فعالية لسببين, اولهما انها جاءت بعد ثورة يناير, وستستلهم روحها, ونعرف جميعا أن الإبداع بشكل ما شارك في التمهيد للثورة, أي أن المبدعين هم أقرب الناس للروح الثورية, والأولي بنهجها في التطبيق, وهذا يضمن حيوية كبري في عمل اللجان لأن أغلب أعضائها من المبدعين في تخصصاتهم, أضف إلي هذا جمال وأهمية فعل الاقتراع الحر, وإحساس عضو اللجنة بانه أتي باختيار الناس, ويمثلهم, هذا سيجعله أمينا عليهم في تحركاته وقراراته, واتمني ان يمثل شباب الثورة في اللجان كلها بنسبة جيدة, تزيد الحماس والحيوية في الأفكار والأنشطة, واعتقد ان مصر كلها مفعمة بروح جديدة ملؤها التفاؤل والأمل تكفي لاستيعاب كافة الجهود, علي الرغم من مسحة الخوف والتردد والقلق والشك التي تحوم حولنا ومصر تحتاج لاستنفار الحس الجمالي لدي الأفراد والمجتمع بكافة فصائله وشرائحه, وهو دور مؤسسات الدولة وفي الصدارة منها هيئات وزارة الثقافة, والتعليم, والإعلام, وكل من له علاقة بترقية الحس الجمالي والإنساني, وهذا ليس مستحيلا, ولا ينبغي ان نستسلم لحالة الإلتباس أو الحيرة التي يمكن أن نشعر بها في ظل ظروفنا المتغيرة المتلاحقة والتي قد يعجز العقل أحيانا عن فهمها. دعني أطرح سؤالا بديهيا يحق للقارئ الجديد بعد ثورة25 يناير أن يعرف إجابته.. ما دور 26 لجنة يتشكل منها المجلس الأعلي للصحافة, ما المستهدف من عملها لصالح الشعب والبلد؟ دور هذه اللجان إذا تم علي الوجه المنشود يكون عظيما وجليلا, فهي منوط بها دراسة الواقع المصري في كافة التفاصيل المرتبطة بالفنون والآداب والعلوم الاجتماعية والثقافة العلمية, وكل ما يشكل روح الأمة, ووجدانها, وحركة عقلها وخيالها, إقامة المؤتمرات والندوات والحلقات البحثية, لتصل إلي أعمق وأشمل النتائج المرجوة في السياقات المستهدفة, ليستعين بها متخذ القرار, وكذلك المساهمة في إضاءة الوجدان الجمعي المصري, وتنمية العقول المهتمة والمعنية, بالإضافة لدور اللجان في اكتشاف المواهب, وتبنيها ودعمها, وتكريم القامات الإبداعية, وعندنا أمثلة جيدة لأشياء مفيدة جدا إذا طبقت بمعايير موضوعية نزيهة, بعيدا عن الشبهات والمجاملات الشخصية, مثل التفرغ الذي يجب ان يكون تشجيعا للمبدعين الجادين علي تقديم اعمال متميزة من دون الانشغال بأعباء الحياة المادية, وهو ما نأمل أن نحققه بالفعل في الفترة المقبلة, ونعيد لفكرة التفرغ النصاعة والنزاهة التي تليق بالإبداع الحقيقي, وأيضا عندنا لجنة الكتاب الأول وهي تابعة للأمين العام, وتهتم بالكتاب الذين لم يسبق لهم النشر, وهي إذا طبقت كما ينبغي ستكون سبيلا لتقديم مواهب جيدة, كما قدمت سابقا منتصر القفاش, وأمينة زيدان, ونجلاء علام. وهل سيتم تداول رئاسة اللجان بما يضمن حيويتها, وتفادي الترهل في أدائها؟ رئيس اللجنة لاينبغي أن يبقي أكثر من دورتين, ويمكن ان يعود بعد دورة إذا رأي الناس انه كان يتمتع بفعالية وخبرة مفيدة, لكن يجب علي الجميع ان يعودوا إلي قانون الحياة والكون وهو التغير, والتنوع أيضا, فالثبات هو الذي قاد مصر إلي الكوارث التي عانيناها جميعا في السنوات الماضية. هناك أيضا إشكالية جوائز الدولة التي أحاطت بها شكوك كثيرة قللت من مصداقيتها, فما السبيل بتقديرك لتنقية سمعتها, وترميم ثقة الناس فيها ؟ أعتقد بشكل كبير أن الجوائز ستذهب إلي مستحقيها بعيدا عن شبهات المجاملة نتيجة لتشكيل اللجان بالانتخاب, وضبط آليات التصويت وفق المستجدات, وسيصبح الفوز بها دقيقا وموضوعيا, خاصة حين يتولي المتخصصون عملية التصويت, المعنيون بالأدب يصوتون في لجان الأدب لاختيار الفائز بجوائز الأدب, وكذا كل اللجان الأخري يتولاها أبناء التخصص, وهذا سيستوجب إجراء بعض التعديلات في قانون المجلس, والدكتور عماد أبو غازي يدعم هذا التوجه ويعززه ويشجع عليه بشدة.. هل نعتبر هذه ضمانة منك ومن وزير الثقافة لنزاهة الجوائز المقبلة ؟ ربما لا أكون موجودا في المجلس أثناء ترشيحات الجوائز المقبلة, لكن ضبط اللجان بالانتخابات, ووجود آلية صحيحة للتصويت, وتعديلات القانون ستجعل الجوائز أكثر موضوعية. ما أهم المشاريع التي تتمني إنجازها خلال تواجدك علي رأس المجلس الأعلي للثقافة؟ أولا تكوين لجنة الشباب, ويكون معظم أعضائها من شباب الثورة, ويمكن أن تضم بعض المتخصصين من الكبار أصحاب الخبرة في دراسات الشباب, وثانيا تطوير مشروع النشر بشكل مختلف نفكر فيه الآن, وأتمني أن يكون مؤتمر الرواية المقبل عن أدب أمريكا اللاتينية, وان ندعو ماركيز وكبار مبدعي تلك القارة الغنية بالمبدعين والإبداع المرتبط بشكل ما بالثقافة العربية, مثل ألف ليلة وليلة وأدب نجيب محفوظ, وأيضا أن نخصص دورة للأدب الإفريقي يحضرها أدباء من كافة الدول الإفريقية, لتعود مصر إلي عمقها الحضاري والاستراتيجي, ونعيد الأفارقة إلي قلب مصر, وأنا معني جدا بتفعيل البعد الثقافي العربي المشترك خلال المرحلة المقبلة. وماذا عن الاحتفال بمرور عام علي ثورة يناير والمؤتمر الذي تحضرون وتحشدون له منذ الآن؟ نعم نجهز لمؤتمر كبير علي مستويات مصرية وعربية وعالمية حول ثورة يناير البهية حسب تعبيركم في الأهرام في ذكراها الأولي الذي يوافق يناير المقبل وسيدور حول الثورة والثقافة, والثورة والفن, والأدب, والدين, والسياسة, وحالات ما قبل الثورات, والثورات ذاتها, وما بعد الثورات, فالثورات في جوهرها تجسد الثقافة في أنصع تجلياتها, والثقافة تحاول الإحاطة بالثورات لتفهمها, وتستلهم روحها, وهذا ما نسعي لرصده وبلورته في المؤتمر, وقمنا بالفعل بتشكيل لجنة تحضيرية علي مستوي علمي رفيع تضم ثقاة من المثقفين والمفكرين, ونأمل خلال هذا المؤتمر أن نصل لمفاهيم واضحة وجيدة بخصوص المرحلة التي نعيشها الآن, لنتمكن من تبديد الحيرة وتحديد حاجاتنا بدقة, عبر التواصل مع الأفكار الجديدة حول العالم التي تحاول تفسير الحركات الثورية, ومحاولات الإنسان الخروج من الركود والتخلف والارتباك. إضافة إلي هذا هناك لجنة ذات مهمة خاصة تهتم بالتواصل مع ثقافة سيناء, وابتكار رؤي جديدة للتعامل بإيجابية وعملية مع هذا الجزء العزيز من الوطن, وسنهتم بمبدعي سيناء وموهوبيها ومثقفيها, بكافة الوسائل المتاحة, ونعقد لقاءات دورية معهم في القاهرةوسيناء, وندوات حول تاريخ سيناء وجغرافيتها وثرواتها الطبيعية والبشرية, وإصدار كتب حولها, وتراثها الشعبي, ودورها الوطني الباهر. فمن الطبيعي أن تكون مصر حديقة مثمرة وممتعة للجميع.