الأتراك.. تجار الجنازات ليس من العيب الاعجاب والاستحسان بالنموذج التركي وتزكية قوة وزخم النجاحات والحضور والسبق في المنطقة حاليا, فهذا حق مشروع للدول وحكامها لكن كل العيب أن يتحول بلد مثل مصر إلي ممر ومعبر لتنفيذ المشروع التركي الجديد فنصير إحدي منصات الإنطلاق لتكريس هذا النجاح التركي ومنحه الشرعية والمرور مقابل فرم وتهميش ولادة الدور المصري الجديد والاصرار علي تقزيم هذا البلد وشعبه. وبالتالي تصبح كل مهمتنا في مصر كما كنا في السابق الاصطفاف طيلة الوقت في صفوف التبعية والسير في ركب القطيع دوما مرة تحت قيادة الامريكان وأخري الخنوع للتفوق والاملاء الاسرائيلي من أجل مشروع التوريث. وأخيرا عبر التبعية والانبطاح تحت قيادة محور الاعتدال العربي الذي كان محورا للاعتلال والموت السياسي والآن استمرار المسلسل بالتبعية والانضواء تحت مظلة المحور التركي الجديد. أقول هذا الكلام بمناسبة زيارة رجب اردوغان رئيس وزراء تركيا الحالية لمصر. نعم زيارة ارودغان مهمة ومفصلية لصالح علاقات البلدين وأتمني أن اكون أمام رجل حسن النوايا وحسن التصرف لإقامة علاقات متكافئة مع مصر, ولكن ذلك لن يكون إلا انطلاقا من عودة الحضور والتفوق المصري وليس عبر علاقات التخندق والمحاور التي تسعي تركيا لنسجها مع مصر وغيرها عبر تعظيم دورها وشعبيتها في المنطقة بعد معركة الفصام والطلاق الرجعي مع اسرائيل في الأيام الماضية. الاتراك لم يحضروا إلينا حبا في مصر وشعبها ومجلسها العسكري الحاكم وهم يعلمون وباليقين أن هذا البلد مازال مكسورا منهكا بل من أجل تصدير رسالة لدول الاقليم والعالم أن الدور والتفوق والنفوذ التركي أخذ في التنامي وأن الذين رفضوا وتصدوا بالأمس لمنع دخول أنقرة الاتحاد الاوروبي سيندمون يوما. لا شك أن الاتراك حاليا أصبحوا تجارا بارعين في ترويج بضاعتهم السياسية, تفوقوا علي أصحاب البازار الايراني وهددوا وازالوا عرش التفوق والنفوذ الاسرائيلي, والآن يتلاعبون بالمصريين والعرب بعد أن استغلوا وركبوا ثورات الربيع العربي وتسللوا إلي عواصمنا ونددوا بديكتاتورية حكامنا واذرفوا الدمع علي ضحايانا أمام العالم فتحولوا بحق إلي تجار الجنازات ودفن الموتي في بلادنا. ومن أسف أنه كان من المأمول منذ نجاح ثورتنا في مصر أن نسارع بالعودة إلي احتلال الدور وامتلاك الادوات ولكن يبدو أننا مازلنا مصممين علي الاستقالة من دورنا وموقعنا في العالم بسبب ضعف حكومتنا ومجموعة الهواة الذين يحكمون ويسيطرون علي القرار في هذا البلد الآن. فمازلنا نعاني الخواء السياسي وسياسات العجز والتراجع بدليل المعالجات الفاشلة لحالة الفلتان الأمني وضرب الاستقرار الذي عاشته البلاد من جديد اليومين الماضيين واستكملت حلقاته بحادث السفارة الاسرائيلية, وبدلا من ان نسعي ونكرس.ديمقراطية التغير وحرية التعبير والتحولات السياسية مازلنا نعيش ديمقراطية غابة الفوضي والبلطجة والفلتان.. ولكن إلي متي..؟ أعتقد أنه آن الأوان أن يكون لهذا البلد ملامح خريطة سياسية جديدة لتنفيذ الاستحقاقات التشريعية والرئاسية ليصبح لهذا البلد حاكم وشرعية ورأس حرب سياسية جديدة بدلا من التهافت وراء تركيا وغيرها والبحث عن منقذ فنهلل لزيارة اردوغان فليكن البديل ان نصنع نحن في هذا البلد اكثر من اردوغان مصري ولكن يبدو حتي هذه اللحظة أننا مازلنا متمسكين بتقديس وعبادة الزعيم الذي يأخذنا دوما إلي الانتحار كما فعل بنا مبارك ومن سبقوه. المزيد من أعمدة أشرف العشري