اسمح لي أن أعرض عليك مشكلة قد تبدو صغيرة بالنسبة للآخرين ولكنها كبيرة في حياتي لأنني أتعايش معها باستمرار, فقد تزوجت منذ ثلاث سنوات من قريب لوالدتي ونشأت بيننا قصة حب قوية بعد خطبتنا التقليدية انتهت بالزواج منذ سنتين. وانجبنا ابنتنا الوحيده, وزوجي خريج كلية الفنون الجميلة, التي التحق بها برغبته فهو فنان منذ صغره, ويعشق الرسم بشكل جنوني, وكان يري بداخله فنانا عظيما, ويمتلك زوجي مع شقيقه معرضا لتجارة الدراجات النارية ورثاه عن والدهما رحمه الله, وهو يدر دخلا لا بأس به شهريا حتي برغم احداث الثورة, ومشكلتي مع زوجي واختلافنا الدائم ينحصر في العمل الذي يمتهنه, فأنا كامرأه لا اقتنع بأن هناك رجلا لا يعمل حتي ولو كان هناك دخل شهري ثابت له. هكذا تربيت وهكذا أري الرجل من وجهة نظري التي قد تكون صائبة وقد تكون خاطئة, كما أري ايضا أن مهنة الرسم ليست مهنة مقنعة من وجهة نظري, فلذلك كنت أطلب من زوجي دائما أن يعمل كباقي الرجال, وكان يقول لي إنه يعمل فنانا, فهو يقضي يومه في الرسم ليشارك بلوحاته في المعارض دون وجود مردود مادي ملموس, ويؤكد أنها ستباع ذات يوم بأرقام خيالية, وعندما ألح عليه بأن يبحث عن عمل آخر يتهمني بأنني لا أفهم شيئا في الفن ولا استحق أن أكون زوجة لرجل مثله, واقترحت عليه أن يعمل مدرس رسم في مدرسة خاصة لكنه رفض, وعلل ذلك بأنه غير مضطر الي العمل في مهنة مجهدة ومتعبة مقابل حفنة من الجنيهات, وعندما احتدم الحديث بيني وبينه حول هذا الموضوع في فترة زواجنا التي لم تتعد سنتين, وافق علي أن يعمل بالطلب لدي أحد مكاتب المقاولات المشهورة لكي يزين الجدران برسوماته بناء علي طلب احد العملاء وظل في البيت منتظرا أن يتصل به المكتب فلم يتصل, ولم يقدم زوجي له سوي عمل واحد علي مدي ستة أشهر, وللحق فإن صاحب الشركة قال لزوجي في الهاتف أنه لم يكن يتوقع أنه فنان لهذه الدرجة. ودائما يقول لي إن العظماء بدأوا حياتهم مجهولين ومحبطين حتي جاءهم الفرج وعرف العالم قيمة فنهم, وكثيرا ما يتلو علي مسامعي سير الفنانين الذاتية وقصص نجاحهم, وعندما احفزه علي العمل حتي يزبد دخله من أجل ابنته يكون الرد الجاهز هو أن لديه ما يكفيه من عائد المحل, حتي عندما ناقشته في ان تكون له مهنة معروفة من أجل ابنته في المستقبل وانها ستكون في غاية الحرج عندما تكبر أمام زميلاتها في الدراسة ويسألونها عن مهنة والدها فيسخر مني ومن كلامي ولا أدري إن كنت علي حق أم أنه هو الذي علي حق أم كلانا ليس علي حق ولا ادري الي أين سينتهي الجدال اليومي بيننا!؟. بمقياسك ياسيدتي فإن معظم الرجال لا يعملون, فما ترينه تافها قد تكن له قيمة كبري لدي الكثيرين.. بل إن الفنان يحظي دائما بمنزلة ومكانة خاصة وينظر إليه الناس باعتباره شخصا مميزا وذكيا.. ولذلك فإن مخاوفك غير موضوعية ولا معني لها, ثم مالذي يشين عمل زوجك؟.. ومادام لديه مصدر داخل آخر, فمن الأفضل ان يكرس وقته لفنه.. وعلي ابنتك أن تفخر بأبيها لا ان تدعي أنه يمتهن عملا آخر حرجا من نظرة الناس.. المشكلة بسيطة. وأرجو ان تضعيها في حجمها الصحيح حتي لا تتحول إلي حالة مرضية لا يرجي شفاؤها.. أسال الله لك الهداية وراحة البال.