في واحدة من أخطر لحظات التوتر في الشرق الأوسط خلال العقد الأخير، شهد العالم، يوم الجمعة، ارتدادات عنيفة للهجوم الإسرائيلي على منشآت داخل إيران، ليس فقط على المستويين العسكري والدبلوماسي، بل على صعيد أسواق الطاقة التي تلقت الصدمة بكل عنف. ففي دقائق، قفزت أسعار النفط والغاز، وتحوّلت شاشات التداول إلى ساحة استنفار عالمية، في مشهد يعكس هشاشة المنظومة الطاقوية أمام أي اضطراب في المنطقة الأكثر حساسية جيواستراتيجياً. لإدراك عمق الأزمة، يجب العودة إلى الجغرافيا أولاً. فإيران لا تملك فقط رابع أكبر احتياطي نفطي في العالم، بل تتحكم فعليًا في مضيق هرمز، الممر البحري الأضيق والأخطر في العالم، والذي يعبر منه أكثر من 17 مليون برميل نفط يوميًا، أي ما يعادل خُمس صادرات الخام العالمية. ويُعد المضيق بمثابة "حنجرة الطاقة"، يربط الخليج العربي بالمحيط الهندي، ويبلغ عرضه في أضيق نقطة 21 ميلاً فقط، ويكفي أن تُهدد إيران بإغلاقه حتى تتأهب الأسواق لأسوأ السيناريوهات، حتى وإن لم تُطلق رصاصة واحدة على ناقلات النفط. المفارقة أن الأسواق المالية لم تنتظر تطوراً عسكريًا كبيرًا، بل اكتفت بخبر الهجوم لتقفز بأسعار خام برنت فوق 4%، وسط حالة من الهلع الوقائي الذي يدفع المتداولين نحو الشراء السريع لعقود النفط تحسباً لندرة مفاجئة. ففي سوق يسودها المضاربون، يكفي الخوف وحده لصناعة الموجة. وتوضح التقارير أن رد فعل الأسواق يعكس تغيرًا في نمط سلوكها: لم تعد تتعامل فقط مع الحقائق، بل مع الاحتمالات. فالخطر هنا لا يكمن في الانفجار فقط، بل في قابلية الانفجار. الإجابة الأقرب للواقع تشير إلى أننا أمام تحول تدريجي في طريقة تقييم المخاطر الجيوسياسية داخل سوق الطاقة، خاصة بعد تراكم أزمات متتالية – من حرب أوكرانيا إلى ضربات الحوثيين، ثم الآن مواجهة مباشرة بين قوتين إقليميتين كإسرائيل وإيران. ويرى محللون أن مثل هذا التصعيد قد يُسرّع إعادة تشكيل خريطة التوريد العالمية، سواء عبر التوسع في شحنات النفط الأمريكي، أو تفعيل خطوط بديلة في إفريقيا وآسيا الوسطى، أو حتى تسريع الانتقال إلى مصادر طاقة بديلة أكثر استقرارًا سياسياً. ما حدث يوم الجمعة لا يمكن اختزاله في ارتفاع طارئ لأسعار النفط، بل هو جرس إنذار جديد بأن أمن الطاقة العالمي بات رهينة صراعات إقليمية قابلة للاشتعال في أي لحظة. ووسط هذا المشهد المتوتر، تبقى الأسواق في وضع "الانتظار على أعصابها"، حتى يتضح هل كانت الضربة مجرد رسالة... أم بداية مشهد جديد.