في ميادين المدن الكبري تعتبر التماثيل إحد المفردات الأساسية ، ومع أن مساحة قواعدها تعد محدودة إلا أنها كانت فرصة ليتباري الخطاطون في استعراض مهاراتهم ، وعلي عكس المساجد والأبنية الضخمة ، وحتي شواهد القبور ، كان عدد الكلمات التي تستوعبها قواعد التماثيل محدودا ، لهذا كان الخطاط يكتفي بالإشارة إلي اسم صاحب التمثال وبعض التواريخ المهمة المرتبطة به ، وقد أورد الكتاب عدة نماذج لهذه النوعية من الكتابات ، منها ما كتبه الخطاط محمد جعفر علي قواعد تماثيل إبراهيم باشا ، سليمان باشا ، و لازاوغلي " لاظوغلي". كما كتب محمد مرتضي قاعدة تمثال مصطفي كامل. لم تكتف مصر بمبدعيها بل حرصت في عصور مختلفة علي الاستعانة بعدد من فناني الخط العربي من بلدان مختلفة ، ففتحت أبوابها للإيرانيين والشوام وغيرهم ليخلد التاريخ المصري خطوطهم التي تألقت علي جدران المساجد والأسبلة وصفحات الكتب . والقائمة طويلة تضم عشرات الأسماء لكننا اخترنا نماذج منها ، ذاع صيت أصحابها ، وجاورت إبداعاتهم تلك الخاصة بنظرائهم من المصريين . واستمر توافدهم علي مصر مستمرا لعقود طويلة ، دون أن يتوقف الأمر علي مجيئهم بطلب من الحاكم ، فقد أصبحت القاهرة في مرحلة ما منطقة جذب للخطاطين ، وهو ما يؤكده خطاب الخطاط حامد الآمدي لقنصل المملكة المصرية في تركيا يطلب منه العمل في مصر . ميرزا سنجلاخ الخراساني: يعتبر واحدا من أعظم خطاطي العصر القاجاري بإيران . اسمه الحقيقي محمد علي البجنوردي ، لكنه لقب نفسه بسنجلاخ التي تعني الصخرة باللغة الفارسية ، أما لقب الخراساني فيعود لانتمائه إلي إحدي قري خراسان . طلب محمد علي من شاه إيران أن يستعين به في زخرفة عمائره المختلفة . وكان سنجلاخ معتدا بنفسه مؤمنا بفنه . بمجرد وصوله إلي مصر قابل الباشا الذي احتفي به وخصص له منزلا وطلب منه نموذجا ليطلع علي حسن خطه . بعدها بأيام أعد الرجل ما طلب منه وقدم الرقعة لخادمه مع وصية خاصة . حيث قال له : اذهب إلي الباشا وقدم له هذه القطعة فإن قام احتراما لها فسلمها له ، وإن لم يقم ويحترم القطعة فارجع بها ، وقل له عني إنني أودعه وأذهب من حيث أتيت . فلما دخل الخادم علي محمد علي رأي القطعة لكنه لم يقف . هنا تراجع الخادم إلي الخلف مما جعل الباشا يتعجب ، وأخبره الخادم بوصية الخراساني ، فما كان من الوالي إلا أن طلب منه أن يخرج ويدخل عليه من جديد ، فلما أقبل عليه قام محمد علي وأخذ القطعة باحترام . وطلب منه ان يقول للميرزا إنه احترم القطعة ويحترمه هو أيضا. وقد قام سنجلاخ بأعمال كثيرة في مصر ، كان من أولها كتابة حروف مطبعة بولاق عقب افتتاحها عام 1822 ، وقد طبع بها ديوان محيي الدين بن عربي ، كما كتب قبة الوضوء بصحن مسجد محمد علي ، و شاهد قبر ابنه إبراهيم باشا ، وتركيبة وضع القبر أيضا .ومن خلال مراجعة كتابات سنجلاخ يتبين أنه اتبع أسلوبا فنيا واحدا لم يتغير في كل أعماله ، يعتمد علي تقسيم المساحة التي يكتب النص عليها إلي ثلاث مناطق أفقية أكبرها الوسطي المخصصة لكتابة الآيات القرآنية . لم يتم تحديد الفترة التي قضاها الميرزا في مصر بشكل دقيق ، لكن آخر ما وصلنا من كتاباته يرجع إلي عام 1854 ، مما يعني أنه عاش بها فترة تزيد علي 32 عاما ، وكانت وفاته في تبريز عام 1877 ، عن عمر يقارب المائة والعشرين عاما لم يتزوج خلالها . عبد الغفار بيضا خاوري : ينتمي إلي بلدة البيضاء التي تعتبر قاعدة إقليم طكام فيروز ، وقد عين في الحكومة المصرية مقابل ثلاثة آلاف قرش شهريا ، كتب نصوص البردة أعلي الشبابيك السفلية في بيت الصلاة بجامع محمد علي بالقلعة ، كما كتب نقوش الواجهات وقبة الوضوء ونصوص بردة المديح في مسجد البوصيري بالإسكندرية ، وكانت الحكومة تعهد إليه بكتابة نصوص النياشين وتذهيبها ، حيث مارس مهنة التذهيب بجانب الخط في مصر لمدة تزيد علي 43 سنة . عبد الله زهدي أفندي : يرجع أصله لمدينة نابلس التي هاجر أجداده منها إلي الشام ، في عام 1835 هاجر مع والده إلي مدينة كوتاهية التركية ، ثم رحل في العام نفسه إلي عاصمة الخلافة العثمانية ، كانت بداية شهرته عندما تفوق علي كبار فناني الخط العربي في مسابقة أجراها السلطان عبد المجيد لاختيار خطاط يتولي مهمة الكتابة علي جدران المسجد النبوي ، وأشرف السلطان بنفسه علي عملية الاختيار ، واستوقفه ما كتبه الشاب زهدي الذي لم يكن وقتها قد حظي بالشهرة ، ودعا له بالتوفيق ومنحه معاشا شهريا مدي الحياة قدره 7500 قرش .ثم أمره بالتوجه إلي المدينةالمنورة حيث ظل يعمل بها لمدة سبع سنوات . وفي عام 1858 أنعم عليه السلطان بالنيشان المجيدي من الدرجة الثالثة ، وهو ما يعني تقدير السلطان له لأن هذا النيشان يبدأ من الدرجة الخامسة .وفي عام 1861 توفي السلطان عبد المجيد وجاء الأمر لزهدي ومن معه بالتوقف عن العمل ، مما جعله ينتقل إلي اسطنبول لمحاولة إقناع المسئولين بالعدول عن قرارهم ، لكنه أخفق، بل وتم إبلاغه بإلغاء معاشه ، فعاد إلي المدينة وجمع المال من أهل الخير واستكمل عمله . وخطوطه بالمسجد النبوي لا تزال موجودة حتي اليوم لتضرب رقما قياسيا ، إذ يزيد طول الشريط الذي كتبه بخط الثلث علي 2000 متر . بعد انتهاء مهمته عاد إلي اسطنبول ليحاول استرداد معاشه لكنه أخفق من جديد ، فاتجه إلي مصر وكانت شهرته قد ذاعت ، واستقبله الخديوي إسماعيل ، وأطلق عليه لقب " خطاط مصر الأول " ، ومنحه رتبة من الدرجة الثانية ، وأوكل إليه مهمة كتابة خطوط المساجد ، كما كلفته الحكومة بكتابة الآيات القرآنية علي كسوة الكعبة ، وقد زينت خطوطه سبيل أم عباس بالصليبة ، وجامع الرفاعي ، كما كتب لوح تأسيس مدرسة خليل أغا . الشيخ محمد عبد العزيز الرفاعي : ولد عام 1871 علي الساحل الشرقي للبحر الأسود ، ورحل مع والده وهو في الخامسة من عمره إلي اسطنبول ، وظهر ميله للخط العربي في الكتاب ، فتم إرساله ليتعلم الخط علي يد كبار مبدعيه ، وفي عام 1921 جاء إلي القاهرة بدعوة من الملك فؤاد ليكتب له مصحفا أتمه خلال ستة شهور ، وذهبه ونقشه في ثمانية شهور أخري . وعندما حل موعد عودته علم بإلغاء عمله في اسطنبول بعد حل إدارة مشيخة الإسلام التي قضي شطرا كبيرا من حياته بها . فبقي في مصر وعمل مدرسا للخط في مدرستي خليل أغا و الشيخ صالح لفترة أحد عشر عاما ، ساهم خلالها في إنشاء مدرسة لتحسين الخطوط العربية . كان الرفاعي بارعا في كل الخطوط ، وعلي رأسها الثلث والنسخ والثلث الجلي ، كما كان يتقن خطوط الديواني والريحاني والمحقق والتوقيعي والرقعة . وكان يوقع علي أعماله باسم " عزيز " ، خصوصا علي أغلفة الكتب التي تصدرها دار الكتب المصرية . وقد كتب اثني عشر مصحفا ، وعددا لا يحصي من القطع الخطية ، بالإضافة إلي كتابات تعليمية لا تزال تستخدم حتي اليوم ، ومنها " القصيدة النونية " التي كتبها لتعليم طلاب الأزهر الكتابة بخطي الثلث والنسخ . وقد ترك العديد من الآثار المحفوظة بأماكن عديدة ، فمن بين المصاحف التي خطها مصحف موجود بأفغانستان ، وآخر بدار الكتب المصرية ، التي اشترت منه عام 1932 لوحة خطية ، كما كانت له كتابات تجارية كلافتات الأطباء . وعقب عودته إلي اسطنبول لم يعمر كثيرا حيث توفي عام 1934 عن عمر يناهز 63 عاما ، وأمر الملك فؤاد بصرف معاش شهري لعائلته ما دام أفرادها علي قيد الحياة . وكان يرسله إليهم بالأستانة . محمد أمين أزميري : خطاط تركي كتب عدة آيات قرآنية بمداخل مسجد محمد علي ، وخط أسماء الخلفاء الراشدين بداخله ، وتميز بلوحاته التي تشهد علي مقدرته المتفردة في الكتابة ، من بينها لوحة كتب فيها سورة الإخلاص علي شكل دائرة ، ثم كون من حروفها نجمة ثمانية تتوسط التكوين ، وله لوحة أخري لسورة الإخلاص أيضا تحمل الكثير من الأبعاد التكوينية ، وضع فيها الآية في أربعة اتجاهات أفقية ورأسية تشترك فيما بينها بالحروف القائمة الموجودة بها ، وهي كتابة أشبه بفكرة الكتابة المتعاكسة ببعد تشكيلي جديد . ( كنا نرغب في نشر صورة لها ، لكن الكتاب خلا منها رغم أنه يشير إلي وجودها برقم 47-2 ). حسين حسني : في عام 1914جاء الخطاط التركي إلي مصر ، عند وصوله نشر إعلانا كتب فيه : " أتشرف بإعلان العموم أني أتيت من الأستانة العلية إلي مصر المحروسة لأنشر الخطوط المتنوعة ، التي رسمت أمثلتها بهذا ، وأحب أن أخدم بهذه الصناعة الجليلة أهل مصر ، مستلفتا أنظار الفضلاء الراغبين ، وأني مستعد لكتابة ألواح جليلة و كليشات متعددة الأنواع أختام وامضاآت مختلفة بخطوط متنوعة ، وتعليم الخطوط لمن يريد تعلم هذه الصناعة النفيسة مقابل أجر زهيد ، وأنا خادم الإخوان نزيل خير الأوطان بشارع محمد علي " . وقد تميز حسني بكتابة جميع أنواع الخطوط بدرجة واحدة ، غير أنه كان الأستاذ الأول للخط الديواني في مصر ، وقد عين خطاطا بقلم التوقيع بديوان الملك ، ثم غادر مصر عام 1923 بعد اختيار مصطفي غزلان رئيسا للقسم . معمار زادة محمد علي بك : فنان تركي بارع ، في طفولته تفوق علي مدرسيه في الخط والرسم بالألوان والماء، عين بعد الحرب العالمية الأولي مديرا لمتحف الآثار الإسلامية ومدرسة الخطوط التركية، ثم عصفت به تقلبات السياسة فرحل إلي الحجاز ومنها إلي مصر، ويعتبر أول من مزج الخط العربي بالرسم وجعل له ظلالا ونقوشا أظهرت جمالياته ، عمل خطاطا لمطبعة مصر ثم دار الهلال ، وعين أستاذا للخط والتذهيب بمدرسة تحسين الخطوط الملكية ، وتوفي بحادث في يناير 1938 . لم تكتف مصر بمبدعيها بل حرصت في عصور مختلفة علي الاستعانة بعدد من فناني الخط العربي من بلدان مختلفة ، ففتحت أبوابها للإيرانيين والشوام وغيرهم ليخلد التاريخ المصري خطوطهم التي تألقت علي جدران المساجد والأسبلة وصفحات الكتب . والقائمة طويلة تضم عشرات الأسماء لكننا اخترنا نماذج منها ، ذاع صيت أصحابها ، وجاورت إبداعاتهم تلك الخاصة بنظرائهم من المصريين . واستمر توافدهم علي مصر مستمرا لعقود طويلة ، دون أن يتوقف الأمر علي مجيئهم بطلب من الحاكم ، فقد أصبحت القاهرة في مرحلة ما منطقة جذب للخطاطين ، وهو ما يؤكده خطاب الخطاط حامد الآمدي لقنصل المملكة المصرية في تركيا يطلب منه العمل في مصر . ميرزا سنجلاخ الخراساني: يعتبر واحدا من أعظم خطاطي العصر القاجاري بإيران . اسمه الحقيقي محمد علي البجنوردي ، لكنه لقب نفسه بسنجلاخ التي تعني الصخرة باللغة الفارسية ، أما لقب الخراساني فيعود لانتمائه إلي إحدي قري خراسان . طلب محمد علي من شاه إيران أن يستعين به في زخرفة عمائره المختلفة . وكان سنجلاخ معتدا بنفسه مؤمنا بفنه . بمجرد وصوله إلي مصر قابل الباشا الذي احتفي به وخصص له منزلا وطلب منه نموذجا ليطلع علي حسن خطه . بعدها بأيام أعد الرجل ما طلب منه وقدم الرقعة لخادمه مع وصية خاصة . حيث قال له : اذهب إلي الباشا وقدم له هذه القطعة فإن قام احتراما لها فسلمها له ، وإن لم يقم ويحترم القطعة فارجع بها ، وقل له عني إنني أودعه وأذهب من حيث أتيت . فلما دخل الخادم علي محمد علي رأي القطعة لكنه لم يقف . هنا تراجع الخادم إلي الخلف مما جعل الباشا يتعجب ، وأخبره الخادم بوصية الخراساني ، فما كان من الوالي إلا أن طلب منه أن يخرج ويدخل عليه من جديد ، فلما أقبل عليه قام محمد علي وأخذ القطعة باحترام . وطلب منه ان يقول للميرزا إنه احترم القطعة ويحترمه هو أيضا. وقد قام سنجلاخ بأعمال كثيرة في مصر ، كان من أولها كتابة حروف مطبعة بولاق عقب افتتاحها عام 1822 ، وقد طبع بها ديوان محيي الدين بن عربي ، كما كتب قبة الوضوء بصحن مسجد محمد علي ، و شاهد قبر ابنه إبراهيم باشا ، وتركيبة وضع القبر أيضا .ومن خلال مراجعة كتابات سنجلاخ يتبين أنه اتبع أسلوبا فنيا واحدا لم يتغير في كل أعماله ، يعتمد علي تقسيم المساحة التي يكتب النص عليها إلي ثلاث مناطق أفقية أكبرها الوسطي المخصصة لكتابة الآيات القرآنية . لم يتم تحديد الفترة التي قضاها الميرزا في مصر بشكل دقيق ، لكن آخر ما وصلنا من كتاباته يرجع إلي عام 1854 ، مما يعني أنه عاش بها فترة تزيد علي 32 عاما ، وكانت وفاته في تبريز عام 1877 ، عن عمر يقارب المائة والعشرين عاما لم يتزوج خلالها . عبد الغفار بيضا خاوري : ينتمي إلي بلدة البيضاء التي تعتبر قاعدة إقليم طكام فيروز ، وقد عين في الحكومة المصرية مقابل ثلاثة آلاف قرش شهريا ، كتب نصوص البردة أعلي الشبابيك السفلية في بيت الصلاة بجامع محمد علي بالقلعة ، كما كتب نقوش الواجهات وقبة الوضوء ونصوص بردة المديح في مسجد البوصيري بالإسكندرية ، وكانت الحكومة تعهد إليه بكتابة نصوص النياشين وتذهيبها ، حيث مارس مهنة التذهيب بجانب الخط في مصر لمدة تزيد علي 43 سنة . عبد الله زهدي أفندي : يرجع أصله لمدينة نابلس التي هاجر أجداده منها إلي الشام ، في عام 1835 هاجر مع والده إلي مدينة كوتاهية التركية ، ثم رحل في العام نفسه إلي عاصمة الخلافة العثمانية ، كانت بداية شهرته عندما تفوق علي كبار فناني الخط العربي في مسابقة أجراها السلطان عبد المجيد لاختيار خطاط يتولي مهمة الكتابة علي جدران المسجد النبوي ، وأشرف السلطان بنفسه علي عملية الاختيار ، واستوقفه ما كتبه الشاب زهدي الذي لم يكن وقتها قد حظي بالشهرة ، ودعا له بالتوفيق ومنحه معاشا شهريا مدي الحياة قدره 7500 قرش .ثم أمره بالتوجه إلي المدينةالمنورة حيث ظل يعمل بها لمدة سبع سنوات . وفي عام 1858 أنعم عليه السلطان بالنيشان المجيدي من الدرجة الثالثة ، وهو ما يعني تقدير السلطان له لأن هذا النيشان يبدأ من الدرجة الخامسة .وفي عام 1861 توفي السلطان عبد المجيد وجاء الأمر لزهدي ومن معه بالتوقف عن العمل ، مما جعله ينتقل إلي اسطنبول لمحاولة إقناع المسئولين بالعدول عن قرارهم ، لكنه أخفق، بل وتم إبلاغه بإلغاء معاشه ، فعاد إلي المدينة وجمع المال من أهل الخير واستكمل عمله . وخطوطه بالمسجد النبوي لا تزال موجودة حتي اليوم لتضرب رقما قياسيا ، إذ يزيد طول الشريط الذي كتبه بخط الثلث علي 2000 متر . بعد انتهاء مهمته عاد إلي اسطنبول ليحاول استرداد معاشه لكنه أخفق من جديد ، فاتجه إلي مصر وكانت شهرته قد ذاعت ، واستقبله الخديوي إسماعيل ، وأطلق عليه لقب " خطاط مصر الأول " ، ومنحه رتبة من الدرجة الثانية ، وأوكل إليه مهمة كتابة خطوط المساجد ، كما كلفته الحكومة بكتابة الآيات القرآنية علي كسوة الكعبة ، وقد زينت خطوطه سبيل أم عباس بالصليبة ، وجامع الرفاعي ، كما كتب لوح تأسيس مدرسة خليل أغا . الشيخ محمد عبد العزيز الرفاعي : ولد عام 1871 علي الساحل الشرقي للبحر الأسود ، ورحل مع والده وهو في الخامسة من عمره إلي اسطنبول ، وظهر ميله للخط العربي في الكتاب ، فتم إرساله ليتعلم الخط علي يد كبار مبدعيه ، وفي عام 1921 جاء إلي القاهرة بدعوة من الملك فؤاد ليكتب له مصحفا أتمه خلال ستة شهور ، وذهبه ونقشه في ثمانية شهور أخري . وعندما حل موعد عودته علم بإلغاء عمله في اسطنبول بعد حل إدارة مشيخة الإسلام التي قضي شطرا كبيرا من حياته بها . فبقي في مصر وعمل مدرسا للخط في مدرستي خليل أغا و الشيخ صالح لفترة أحد عشر عاما ، ساهم خلالها في إنشاء مدرسة لتحسين الخطوط العربية . كان الرفاعي بارعا في كل الخطوط ، وعلي رأسها الثلث والنسخ والثلث الجلي ، كما كان يتقن خطوط الديواني والريحاني والمحقق والتوقيعي والرقعة . وكان يوقع علي أعماله باسم " عزيز " ، خصوصا علي أغلفة الكتب التي تصدرها دار الكتب المصرية . وقد كتب اثني عشر مصحفا ، وعددا لا يحصي من القطع الخطية ، بالإضافة إلي كتابات تعليمية لا تزال تستخدم حتي اليوم ، ومنها " القصيدة النونية " التي كتبها لتعليم طلاب الأزهر الكتابة بخطي الثلث والنسخ . وقد ترك العديد من الآثار المحفوظة بأماكن عديدة ، فمن بين المصاحف التي خطها مصحف موجود بأفغانستان ، وآخر بدار الكتب المصرية ، التي اشترت منه عام 1932 لوحة خطية ، كما كانت له كتابات تجارية كلافتات الأطباء . وعقب عودته إلي اسطنبول لم يعمر كثيرا حيث توفي عام 1934 عن عمر يناهز 63 عاما ، وأمر الملك فؤاد بصرف معاش شهري لعائلته ما دام أفرادها علي قيد الحياة . وكان يرسله إليهم بالأستانة . محمد أمين أزميري : خطاط تركي كتب عدة آيات قرآنية بمداخل مسجد محمد علي ، وخط أسماء الخلفاء الراشدين بداخله ، وتميز بلوحاته التي تشهد علي مقدرته المتفردة في الكتابة ، من بينها لوحة كتب فيها سورة الإخلاص علي شكل دائرة ، ثم كون من حروفها نجمة ثمانية تتوسط التكوين ، وله لوحة أخري لسورة الإخلاص أيضا تحمل الكثير من الأبعاد التكوينية ، وضع فيها الآية في أربعة اتجاهات أفقية ورأسية تشترك فيما بينها بالحروف القائمة الموجودة بها ، وهي كتابة أشبه بفكرة الكتابة المتعاكسة ببعد تشكيلي جديد . ( كنا نرغب في نشر صورة لها ، لكن الكتاب خلا منها رغم أنه يشير إلي وجودها برقم 47-2 ). حسين حسني : في عام 1914جاء الخطاط التركي إلي مصر ، عند وصوله نشر إعلانا كتب فيه : " أتشرف بإعلان العموم أني أتيت من الأستانة العلية إلي مصر المحروسة لأنشر الخطوط المتنوعة ، التي رسمت أمثلتها بهذا ، وأحب أن أخدم بهذه الصناعة الجليلة أهل مصر ، مستلفتا أنظار الفضلاء الراغبين ، وأني مستعد لكتابة ألواح جليلة و كليشات متعددة الأنواع أختام وامضاآت مختلفة بخطوط متنوعة ، وتعليم الخطوط لمن يريد تعلم هذه الصناعة النفيسة مقابل أجر زهيد ، وأنا خادم الإخوان نزيل خير الأوطان بشارع محمد علي " . وقد تميز حسني بكتابة جميع أنواع الخطوط بدرجة واحدة ، غير أنه كان الأستاذ الأول للخط الديواني في مصر ، وقد عين خطاطا بقلم التوقيع بديوان الملك ، ثم غادر مصر عام 1923 بعد اختيار مصطفي غزلان رئيسا للقسم . معمار زادة محمد علي بك : فنان تركي بارع ، في طفولته تفوق علي مدرسيه في الخط والرسم بالألوان والماء، عين بعد الحرب العالمية الأولي مديرا لمتحف الآثار الإسلامية ومدرسة الخطوط التركية، ثم عصفت به تقلبات السياسة فرحل إلي الحجاز ومنها إلي مصر، ويعتبر أول من مزج الخط العربي بالرسم وجعل له ظلالا ونقوشا أظهرت جمالياته ، عمل خطاطا لمطبعة مصر ثم دار الهلال ، وعين أستاذا للخط والتذهيب بمدرسة تحسين الخطوط الملكية ، وتوفي بحادث في يناير 1938 . عندما جاءت الحملة الفرنسية حمل نابليون بونابرت معه ثلاث مطابع مجهزة بحروف عربية ولاتينية ، كان الهدف الأساسي من وجودها هو طباعة المنشورات والأوامر ، وبدأت عملها فعليا خلال وجود السفن في البحر ، ولأول مرة يشاهد المصريون ورقة تكتبها آلة . لكن المطبعة لم تشغل علماء الحملة عن دراسة الخط العربي ، حيث نقل كتاب "وصف مصر" تفاصيل دقيقة للكتابات الموجودة علي مساجد القاهرة وبعض الجبانات ، وكتب مارسيل المدير السابق للمطبعة الوطنية مقالا به حمل عنوان " حول الكتابات الكوفية المجموعة من مصر ، وحول الخطوط الأخري المستخدمة في العمائر العربية " . بعدها بسنوات قرر محمد علي إدخال المطبعة إلي مصر ، وفي عام 1816 أرسل بعثة رسمية برئاسة نيقولا المسابكي إلي ميلانو ، وبحلول عام 1920 تم إنشاء أول مطبعة رسمية في مصر وهي مطبعة بولاق . وعلي الرغم من أن الانطباع الأول قد يرجح إضرار المطبعة بالخط العربي وتقليص استخدامه ، إلا أن العكس هو الذي حدث ، فقد نشر عدد من المطبوعات التي تعلقت بهذا الفن وآدابه مما جعل عملية تعلمه أكثر سهولة ، غير أن هناك أمرا آخر بالغ الأهمية ، فقد حرص محمد علي علي اختيار أفضل خطاط وقتها وهو سنجلاخ ليكتب القاعدة الخطية الخاصة بها ، وكتب نوعين من الحروف : الأول هو القاعدة النسخية التي تستعمل في الكتب العادية ، والثاني القاعدة الفارسية التي تعتبر أثمن ما أهداه هذا الخطاط للمطبعة ، إذ انفردت بها مطبعة بولاق وحازت بها شهرة واسعة ، وكانت الحروف النسخية تستخدم في كتابة المتن ، والفارسية لعناوين الفصول . وقد شاركت المطبعة في معرض فيينا عام 1873 بعد أن زاد عدد قواعدها التي ضمت : القاعدة العربية النسخية المعتادة ، القاعدة العربية النسخية الدقيقة التي استحدثها حسني الخطاط وخيرت الحكاك ، قاعدة عربية فارسية كبيرة الحجم ، قاعدة عربية فارسية متوسطة الحجم ، وثالثة صغيرة الحجم ، قاعدة عربية علي قواعد أهل المغرب ، وقاعدة غربية تم استحداثها في عهد الدائرة السنية . بعدها وضع الخطاط محمد جعفر قاعدة نسخية تعتبر أبدع قاعدة من نوعها شهدها الوطن العربي ، وهي نفس القاعدة التي كتب بها مصحف مصلحة المساحة المصرية . أي أن ظهور المطبعة لم يؤثر بالسلب علي مكانة الخط العربي بدليل استمرار الاعتماد عليه عبر أجيال متعاقبة ، لكن الخط هو الذي منحها خصوصية وجعل الآلة تبدع فنا !