يميز محمد سالم عبادة بين ثلاث بدايات مختلفة للكتابة موزعة علي مراحل عمرية مختلفة .. في الطفولة كان يقلّد ما يقرؤه وما يشاهده في صورة مشروعات غير مكتملة لروايات بوليسية "وأظنها كانت مرحلة مهمة لأنها رسخت علي الأقل علاقة بفضاء الورقة" .. في المراهقة بدأ عددا من التجارب الشعرية بالفصحي وكانت غير مكتملة كذلك، كان متأثرا فيها بإيليا أبي ماضي ونزار قباني علي اختلاف طرائقهما، ثم اكتملت التجربة الشعرية الأولي في ربيع 2004 وقد جاوز العشرين بسنة ونصف، "ومنذ ذاك الحين والكتابة محور حياتي بالفعل". لذا لا يأخذ عبادة وقتا للإجابة عن سؤال لماذا تكتب؟ يقول فورا: أكتب لأني ينبغي أن أكتب! هو شيء يشبه دافعية شخصية (تشارلز ستريكلاند) في رواية (القمر وستة پنسات) لسومرست موم حين قال: "علي أن أرسم" .. أجدها الجملة الأكثر تعبيرًا عن واقع دافعيتي للكتابة! والكتابة هي وسيلة راقية للاشتباك مع العالم، كما أن الكتابة علي إطلاقها وليس فقط الكتابة الأدبية هي اقتراب من الخلود ومحاولة للاتصاف بصفة من صفات الله .. أنت تقاوم فناء ما تقول بكتابته .. كان هذا التأمل الأخير هو دافعه لكتابة مسرحية شعرية بالفصحي اسمها (نقوش الحصاد) في 2014، تتخيل حكاية اكتشاف الكتابة في مجتمع إنساني شبه بدائي، وهي المسرحية التي نوهت بها جائزة الشارقة في موسمها الماضي دون أن يكون لها حظ الفوز. صدر له حتي الان خمسة دواوين في شعر الفصحي هي بترتيب الصدور (هلوسات صحو - تعاط - سيرة ذاتية أو موضوعية .. لا أدري - طقوس التبرم - قداس أسود) وديوانان في شعر العامية (هنجراني - رقاصة) ورواية قصيرة هي (كلام) وهي آخر ما صدر عام 2013. يقرأ لكثيرين، مباشرة قبل مرحلة البداية الثالثة للكتابة، قرأ مسرح برنارد شو ومسرح هنريك إبسن ومسرح أوغست سترندبرغ، ويظن أن إحدي الجذوات التي أشعلت هذا الأمر العظيم كانت قراءته أو بالأصح (سماعه) للموسيقي الخالصة التي زرعها في العالم تشايكوفسكي وفرانز ليست وفردريك شوپان . يقول:"أظن هؤلاء الرومانتيكيين أثروا في أثرا لا يقل عن أثر أدباء عظماء .. أعشق فرانز كافكا ولا أحب أن يكتب أحد مثله! من الشعر أحب جاهلية العرب..استلبني الصعاليك في فترة بعينها..وقعت في غرام المعري المعجز..اقتحمني السياب مواكبا عكوفي علي الكتابة في بداياته .. قصيدة يوهيميتي Ma Boheme) ) لآرثر رامبو هي كل ما قرأته له، وكان هذا في المرة الأولي في بينالي القاهرة التشكيلي حين اصطدمت بالقصيدة في عمل فني غريب، لكني أظنها كانت جذوة لا تجحد أيضا. يعتبر عبادة أخبار الأدب من المدخلات التي شكلت وعيه بحاضر الثقافة العربية والعالمية منذ منتصف التسعينيات "مازلت أذكر نشر فصل من رواية (البطء) لميلان كونديرا علي صفحاتها في ذلك الزمان، ونعي (إيميل حبيبي) في نفس الفترة، وقرأت أعمال الفائزين في مسابقتها فيما أذكر، حتي ليحضرني اسم قصة (انفلاق البربرع) منذ أكثر من عشرين عاما. في 2012، انتقل لمستوي آخر: اتصل بي علي فيسبوك الصديق أحمد ناجي وعرض علي نشر قراءة لي في مجموعة قصصية للصديق (كريم الصياد) في أخبار الأدب، وكان دخولي عالم أخبار الأدب يستحق احتفالا خاصا لم أقمه إلي الآن! لكن أظن أن الوقت حان لإقامة الاحتفال المؤجل بهذا الفوز الأخير..حصلت علي جوائز في مسابقات أدبية مختلفة، وبقيت أخبار الأدب تحمل مكانة خاصة تتكئ علي كل تلك الذكريات. أخيرا يقول عبادة "مشروعي يصعب اختزاله في كلمات" وربما لهذا علاقة بنرجسية يعترف بها ويقول إنه "يصعب تقليمها"! لكنه يطمح إلي الكثير، ومن بينه علي صعيد الشعر ألا يكون هناك حاجز بين الشعر وأي سياق وبينه وأية مفردة .. كل ما نراه أو نسمعه أو نحدسه أو نشمه هو مشروع شعري بامتياز .. بلا استثاء. الثاني عامية