استيقظت متكاسلة ؛ فلا شئ يدعو إلي العجلة ؛ فقد أردت ليلة أسلم فيها رأسي للنوم دون إلحاح لقائمة طويلة من المهام تطل برأسي وتوخزني اليوم مهام مُحببة للنفس .. التسوق وإعداد العدة للرحلة التي دعوت إليها من قبل أختي وزوجها المرتحلين منذ تزوجا . وعلي ما أظن أنهما وجدا في تكلفة تذكرة فردية أكثر وفراً لهما من أربعة وهما يفضلان شرم الشيخ عن العاصمة الصاخبة التي يتأففان من غبارها وضجيجها. هما ما تبقي لي بعد رحيل أمي ؛ وعملي بتضميد الجراح ومواساة الغير من المتألمين ؛ وإيلام الآخر بالوخز طواعية .. في الصباح أجول في المشفي العام ولا أشعر بتروس الساعة التي تفترس وحدتي نهاراً.. ومساء بالعيادة التي تجاورني . علي مضض قبلت الدعوة ؛ فقط لأني أردت التعرف ؛ ورؤية وجوه أبناء أختي ؛ فضلاً عن رؤيتي لها وضمها لصدري فقد طال الأمد .. في تلفنتها لي لا تكف عن سؤالي : عاملة إيه ؟ لم تشأ الحياة أن تطوي صفحة أو تغير مجري نهر حياتي ؛ هكذا الحال .. ( أنا كويسه ) .. تهيأت أمام المصور وعدلت من هندامي ؛ وأخذت وضعية اللقطة .. تدخل برفق ليعدل منها ومن ارتفاع ذقني الحاني علي صدري ؛ فامتثلت ؛ أردف : بسمة حلوة ؛ ياللا بينا .. أومض فلاشه داخل عيني عدة مرات علي غير ما اعتدت سابقاً ؛ ثم أتي بكاميرته المحمولة ليريني عدة لقطات لأختار منها ... هالني ما رأيت ؛ وطفقت أتأمل فيهن جميعاً ؛ مَنْ تلك المرأة ؟ أبحث عني !! .. بادرني الشاب ؛ بقالك أد إيه ما اتصورتيش ؟ -كتير انتي مش عاجبك أي لقطة فيهم ؛ بُصي ؛ أنت م تقلقيش ؛ الصورة لسه هايتعمل لها مونتاج ؛ ديجتال يعني وهاتبقي زي القمر . ضحكت ساخرة من حالي : وايش تعمل التكنولوجيا في الوش العكر ؛ فبادرني بإجابته التي هزمت البقية الباقية فيَّ دون أن يدري . - إن دبلت الوردة ؛ ريحتها فيها . نزلت من الكرسي ومن علياء تموضعي ؛ أخبرته أن يختار هو ؛ ورحلت . في الطريق أسأل نفسي : من تلك .. أنا لم أر سوي امرأة منهزمة من الزمن تقارب الخمسين حصاداً ؛ ترتدي وشاحاً رمادياً ؛ وتضع مساحيق عفا عليها الزمن ؛ أقرب للون التربة ؛ ويشق وجهها أخدود بامتداد شارع زمني ؛ كلما حركت ثغرها ؛ ويفتق جبينها أحاديات الدهشة بين حاجبيها ؛ وشقوق دقيقة صغيرة تحيط العين علي استدارة إشعاع متسرب مني .. يحسب لي كم من المرات ضحكت ولمست وجنتيّ أهدابي .. حتي تلك الجفون خذلتني بتراخيها نحو الأسفل ؛ أطبقت فمي علي ابتسامة مُغتصبة من ماض قريب ؛ ورحلت عن الشاب ؛ أتلمس يساراً ويميناً ؛ تلك ملابسي ؛ وذاك وشاحي .. مشيت حتي محال وسط البلد أُمني نفسي بشراء ملابس الرحلة ؛ وأنا أقف أمام المحال ؛ أنظر برصانة ؛ أحادث حالي : هل أنا تلك ؟! نعم .. وكيف هذا ؟ .. إنه الزمن ؛ استدرجني .. لقد سُرقت .. كُفّي عن الهراء .. حتي وإن تزوجت . كنتُ خارج الزمن .. لا .. الزمن كمن بداخلي .. دعتني فتيات المحل بإلحاح ؛ فلبيت .. دلفت إلي الداخل ؛ انتقوا لي عباءة مطرزة بغطاء رأس كيف ترونني؟.. أريد بنطالاً قصيراً للبحر . نظرن إلي بعضهن بتعجب ؛ فاتسعت حدقتا عيني وكدت أفتك بهن قولاً : - إيه كبيرة عليا ؛ ولا هايبقي وحش عليا ؟ تداركن الموقف بجملة واحدة في فرح مصطنع : إن دبلت الوردة ريحتها فيها .. لأ ازاي . غادرت المحل ولم أبتع شيئاً ؛ وتوجهت في طريقي إلي منزلي بالكوافير ؛ وطلبت منه أن يقص شعري علي غرار تلك المطربة الغنجة ؛ وأن يجد لي حلاً كي يستدير حاجبي ؛ وأن يختار أفضل الأقنعة لتذهب ما أصاب وجهي من تجاعيد ؛.. امتثل الرجل لأوامري صاغراً : تحت أمرك يا افندم . وظل يعرض عليَّ بعضَ القصّا ت ربما أعدل عن قراري ؛ حتي لا أصاب بخيبة أمل لعدم تلائمها معي ؛ بادرته بالسؤال .. حين شعرت أن ما يدور هنا لا يختلف عمّا دار في محل الملابس أو الأستوديو . إمَّا أنا منفصلة زمنياً ؛ أم هم من يخطئون التقدير .. هي مش مناسبة لسني ؛ صح ؟ .. فأرداني بالجملة إياها : إن دبلت الوردة ريحتها فيها . ارتديت وشاحي وهممت من علي الكرسي ذي القرص الدوار المعدني ؛ وغادرت .. ظللت خلال الطريق واجمة أفكر وأتساءل : كيف ومتي ؛ ولم ؟ وجدت أمامي دون وعي محلاً لبيع الزهور زهور يانعة طازجة - .. عندكم فرع في شرم ؟ والغردقة يا افندم والعريش ؛ تحت أمرك .-بوكيه ورد بايت ودبلان .. - ( في تعجب ) أأمري يا افندم ؛ حاضر ؛ تحبي تكتبي كارت ؟ -من الوردة الذابلة .. لم يبق بي رحيق .!