- صدر مؤخرًا كتابٌ في سياتل يحمل العنوان "تحرير الشعر سبعة شعراء مصريون معاصرون" وأنا أعرف أنه أول كتابٍ تصدره آليس بلو التي تقومين عليها كما أفهم- بهذا الصدد، تلك اللفتة، ومعناها، أريدُكِ أن تخبريني، لماذا؟ كيف؟ منذ أكثر من عقد، حضر شاعرٌ، هو ماجد زاهر (مهاجر إلي سياتل من القاهرة) فصلَ كتابةٍ في كلية إيفرغرين مع محمد متولي (زائرٌ من القاهرة)، والذي كان يروج لمجموعته الشعرية المترجمة من العربية إلي الإنجليزية: أصواتٌ غاضبة. عصفت بي الأعمال في تلك المجموعة. وأصبحنا أنا وماجد أصدقاء عبر السنين. وقد نشرتُ بعض أعماله في صحيفتي الإلكترونية alicebluereview.org) ) وعملنا علي بعض الترجمات معا. لم أكن أكيدةً من أنني سأنشر كتبا كاملةً لآليس بلو. أحببتُ نشر كتيبات بطبعات محدودة، أما الكتب فكانت التزاما أكبر وكنت أعرف أنها يجب أن تكون شيئا خاصا. وتحدثت أنا وماجد من آن لآخر حول عمل كتابٍ معا. وعندما أتاني هذا المخطوط عرفتُ أنه المخطوط المُنتظر. ماجد متحمس جدًا لهذا الكتاب. وأنا أيضا. كان شرفًا لي أن أصدره. - ما هو رأيك الشخصي في العمل نفسه؟ الترجمة، والمحتوي المترجم؟ بعد أن كنتِ قد قرأتِ ترجمة متولّي منذ عشر سنوات، هل لاحظت أي تغيرٍ، تطور، أو تحول في الكتابة الشعرية بمصر؟ وعلي أن أقر أن كلا العملين ليس إلا عيّنةً. حسنًا، لم أكن لأنشر العمل إن لم يعجبني، إن لم يحركني. لماذا إذن سأنفق الوقت والطاقة إن لم تكن تلك هي الحال؟ أعني، لا أستطيع أن أقول الكثير عن ماهية العمل الأصلي، أو جودة الترجمة، أنا فقط أثق بماجد. لأنه شاعرٌ رائعٌ بالإنجليزية، ومتحدثٌ طبيعيّ للعربية، ولأن تلك المجموعة من التراجم ولدت من صداقات حقيقية مع الكُتَاب، لذا أنا مؤمنة أن الترجمات جيدة جدًا. أظن أن القصائد في "التحرير" مختلفةٌ جدًا عن القصائد في "أصوات غاضبة." لكنني أظن أن بعض هذه الترجمات مهتمة بالمحتوي. وقد مر وقتٌ طويل منذ قراءتي لتلك المجموعة - هناك نقاشٌ دائر حاليا في الأوساط الشعرية العربية حول ماهية قصيدة النثر. أعني تلك الأزمة الأزلية. ماذا تعني قصيدة "النثر" لك؟ أري أن النقاش كله مملٌ بشكل حاد قصيدة النثر. القطعة الفنية هي القطعة الفنية. هي مجرد قصيدة مهتمةٌ بشكلٍ فريد بالجملة. أحب بعض قصائد النثر ولا أحب البعض الآخر، ولكن هذا لا علاقة له بالشكل. - من أين يأتي الشعر بشكل عام/خاص؟ ما هي علاقته باللغة، وأعني باللغة ذلك الجسم الممتد زمنيا من الماضي إلي الحاضر؟ الشعر آتٍ من اللغة وبهذا أقصد، قدرتنا علي الحديث، علي التوضيح باللغة، التفكير باللغة. بدون لغة لن يكون هناك شعر. أظن أن انفعال الكتابة آتٍ من انفعال محاولة صنع معنيً للعالم. أي عالم، أي صراع، وربما أيضا انفعال الإحساس. ونحن نفعل هذا بالمادة المخطئة، غير المحددة التي نملكها : الكلمات. نحاول أن نجعل الكلمات تعمل بشكل استثنائي. الفنانون الآخرون يستعملون مواد أخري، نحن نستعمل الكلمات. - عندما تقولين "مواد مخطئة، غير محددة". أريد أن أسألك: هل تصل الكلمة إلي شيء؟ هل تدل؟ هل هناك شيء ك"المعني"؟ لدينا تلك المقولة في الثقافة العربية: المعني في بطن الشاعر، هل هناك شيءٌ كهذا حقًا؟ الكلمة تدل هي إشارة للمخ، تستدعي. وأظن، أيضًا، أبعد من أن تعني، فالكلمة تُشعَر. بعض الكلمات تُشعر بشكل مختلف عن الكلمات الأخري، وأظن أن ذلك ليس متعلقا بشكل خالص بما تدلّ عليه الكلمة، ولكن بملمس الكلمة: كيف تُسمَع، كيف تبدو علي صفحة، كيف تُذاقُ علي لسان. ثم هناك أيضا ما تشير إليه الكلمات. أظن أحيانا أن مسألة مجاهدة الناس مع القصائد، عندما يحاولون أن يَحُلّوا القصائد مثل اللغز، فإنّ ما يبحثون عنه هو ذلك المعني ال "غير معلن، غير محدد" الطريقة التي تُشعر بها قصيدة. ربما يكون هذا الذي أصفه هو ما تقصده أنت ب "في بطن الشاعر." - هل العدمية ثيمة ثابتة في الشعر الأمريكي المعاصر؟ لو أن الإجابة بنعم، فلماذا تظنين أن تلك هي الحال؟ توجد العدمية في بعض الشعراء، بعض الشعر، وليس في البعض الآخر. العديد من الشعراء الأمريكيين المعاصرين يمكن رؤيتهم كعدميين بما أن العديد من الشعراء الأمريكيين المعاصرين هم ملحدون ليبراليون أو لا يؤمنون بالله بالضرورة. لكنني أظن أن هناك القليل جدا من العدميين هنا كلنا نكتب الشعر لأننا نظن أن القصائد مهمةٌ إلي درجة ما. لقد كانت مهمةً لنا. ليس كل شيءٍ بلا معني. نحن لسنا بالضرورة هنا كاختبار ما للسماء، ولكن لكي نجد معني ما في حيواتنا اليومية. ربما أكون مخطئة. - الغنائية/النثر. ماذا تعني لك تلك المقابلة؟ هل هي مقابلة؟ لستُ أكيدةً من كونها مقابلة علي الإطلاق. أظن أن بعض النثر غنائيٌ للغاية، وبعض القصائد الغنائية تكون نثرية جدا. ولكنني أميّز بين "القصيدة الغنائية" و "قصيدة النثر" كشيئين مختلفين. أفكر في القصيدة الغنائية علي أنها مهتمةٌ بشكل خاص بالسطرر غالبا ما يكون نحيلا ومقتصدا، بينما تهتم قصيدة النثر بالجملة. لقد قرأتُ أعمالا مثيرة للاهتمام في الأسلوبين. إنهما مجرد خيارين جماليين. أعرفُ أن ذلك ليس صحيحا بالضرورة في أمكنةٍ أخري بتواريخ أخري. ولقد كان، في وقت ما، شيئا خارقًا، أن تكتب قصيدة النثر. ولكن الآن هي مجردُ خيارٍ آخر، مثل السونيتّة أوالبنتوم (شكل للقصيدة يشبه الموشحات نوعا) ليس سياسيا بالأحري، فقط مثير للاهتمام إن كان يخدم القصيدة كأفضل خيار شكلي/بنائي. - هل يمكنُ لشكل من أشكال الكتابة الشعرية أن يكون سياسيا؟ ما هو ذلك الشكل؟ ما هي خياراتك السياسية في عملية الكتابة؟ أظن أن الشكل الشعري يمكنه أن يكون سياسيا، ولكن سيكون هذا أمرا شخصيا. لا يمكنني تسمية شكلٍ شعري، يمكن اعتباره سياسيا اليوم. ولكن لو وُجدت الظروف المناسبة، يمكن أن يكون. لو أن دولةً أو أمةً، لو أن مؤسسةً أو حزبا حاكما، خلق قواعد لما يجب أن تكون عليه القصيدة ( وهناك أماكن تفعل هذا)، وكانت بعض هذه القواعد بنائية ( مثل أنك لا يجب أن تكتب السونيتة أو يجب أن تتكون قصيدتك من عشرة أسطر)، سيكون الفعل السياسي أن تتمرد ضد الحزب الحاكم. كان لي أساتذة يقولون أن كل القصائد هي قصائد حب. وكان لدي أساتذةيقولون أن كل القصائد سياسية. بشكل ما أظن أن كليهما علي حق. - هل تكتبين بلغة منفصلة/منزاحة عن اللغة المستخدمة في الشارع؟ هل يجب علي الشاعر أن يفعل ذلك؟ ما هي لغة الشعر؟ أحيانا نعم و أحيانا لا. لقد اشتغلتُ علي عدة قطعٍ طويلة نوعا مكتوبة بصوت سردي يمكنني أن أٌقول أنه، وبشكل كبير، حواريٌّ يومي. ولكنني أيضا كتبت قصائد علي شكل تناصات واقتباساتٍ منزوعة السياق، علي شكل تورية، واستعملتُ رطاناتٍ علمية، لغة الفيزيائيين، وعلماء الأحياء، وعلماء الاجتماع. معظم الناس لا يستخدمون العديد من الكلام في حيواتهم اليومية. غالبا مراحب، ولو سمحت، وشكرا وأين الحمام وكم سعر هذه. معظم الناس لا يستخدمون الكلمات التي تظهر في القصائد، والسرد، والملفات الفلسفية، والنصوص العلمية. أظن أن علي الشعراء أن يعيشوا في كلماتِ كل عالم بطريقة أو بأخري. لغة الشعر نفسه ليست شيئا خاصا، بالنسبة للمفردات علي أي حال. ولكنها العلاقة بين الكلمات ما يجعل القصائد مثيرة للاهتمام كيف تمتلك الكلمات الفرصة لكي تغني فيما وراء مهنتها الوظيفية. - ماذا يمكن أن يشكل روافدَك الشعرية؟ مكانٌ، زمنٌ، أم أشخاص؟ سأقول أن هناك فترة زمنية بها العديد من المدارس الشعرية التي أثرت فيّ بشكل كبير: مدرسة نيويورك، شعراء الجبل الأسود، نهضة سان فرانسيسكو، البيتسر شعراء عاشوا وكتبوا في حوالي الخمسينيات و الستينيات. لماذا هذا الوقت؟ لا أعرف. ربما لأنهم مجموعة من الشعراء قبل مجموعة الشعراء التي كانت قبلي. وهي، كما أظن، الطريقة التي تحدث بها الأشياء. ولكنني أيضا تأثرت بفلوكسوس، دادا، أوليبو. وكوميديات المراهقين في الثمانينيات وأفلام الحركة في التسعينيات. أقرأ الخيال العلمي. ثقافة البوب الأمريكية تنزف في قصائدي. أي يومٍ عابرٍ سواء علي دراجتي أو في الباص أو السيارة. التسلق. كل شيء يجد طريقه إليها. - كيف يمكنك أن تقيّمي المشهد الشعري في ولايتك؟ وفي الولاياتالمتحدة؟ هناك شيء لكل واحد في الولاياتالمتحدة. لقد سبب الإنترنت ذلك فأصبح هناك مجتمعٌ شعريّ لكل من يريد واحدا. وهذا أيضا صحيح في ولاية واشنطن. لدينا مجتمعاتٌ لشعر الكاوبوي والشعر الطبيعي والشعر المحلي وشعر لمحبّي الجاز وشعر المناجزات(سْلام) وشعر طليعي وترجمة وغنائية و نثر وصخب وهدوء وجميل ومقرف وأكثر ما أحبه، علي الأقل في سياتل، هو الدرجة التي يجرب بها الجميع ويساند بها الجميع بعضهم. لست مهتمة بشعر المناجزات بشكل كبير ولكنني قمت بقراءات مع شعراء المناجزات وظننتُ أنها كانت عظيمة للغاية. وقمت أيضا بالعديد من المشاريع العابرة للنوع مؤخرا بالتعاون معا نحات، وأنا أشتغل علي قصيدة سيتم تأديتها من قبل ممثلين. لقد حضرت كافة أنواع القراءات بكافة أنواع الأداء: لقد قمت للتو بقراءة شعر علي طريقة الكاريوكي؛ قرأتُ في متنزهات وحارات وخزانات ومحطات باص؛ حضرت قراءات مع فناني الكوميكس ورسمٍ حيّ وموسيقي حيّة. لا شيء خارجٌ عن الحدود. الناس هنا فريسةٌ لتجربة أي شيء علي الأقل لمرة واحدة. - يقول الجميع إننا في زمان الخيال والسرد بامتياز بالرغم من أن صنعة الشعر لم تتحلل أو تختفي. ما هو تعليقك؟ اعذرني، لم أفهم سؤالك. - أعني هل هذا هو زمن الرواية؟ كما ترين، كناشرة أيضا ربما تعرفين أكثر عن هذا مما أفعل أنا، تجاريا بالتحديد. وكل ما يمكن أن تقوله "تجاري" عن الذوق، الأنموذج، الشائع، والثقافة البديلة، والأنواع المهمشة. إذن أنت تقصد جدل "الشعرُ ميتٌ" الشائع. أنا لا أظن أن هذا حقيقي. الحقيقة هي أن الشعر كان في الأصل سردار علي الأقل في التقليد الغربي. عندما تفكر في الإلياذة والأوديسة، وبيوولفر تلك كانت قصائد، وكلها أيضا كانت حكايات. الشعر الغنائي، الشعر الرومانسي، والشعر الماورائي هؤلاء أتوا فيما بعد. وأنا واثقة أنه في هذا الزمان، كانت الناس تقرأ الرواية أكثر. ثم لدينا زمن ظهور المطبعة، والنشر الإلكتروني، والكتب الإلكترونية وهناك ثمانية آلاف طريقة لنشر العمل. اليوم، هناك شعر يُنشر ويقرأُ أكثر من أي وقت مضي. وهذا صحيح بالنسبة للروايات، والمقالات، وكتب التاريخ. الكثير من كل شيء يتم نشره و قراءته. الشعراء فقط يحملون تلك الضغينة، لأننا لا نحظي بالطباعة التي يحظي بها الكتاب الآخرون، وعندما يتم الاهتمام بنا، فهو اهتمام بأقل الشعراء مغامرة بيننا. وأنا أتفهم ذلك. أحمل تلك الضغينة من آن لآخر. فكّر فقط في كم هو كبير وصغير العالم. لدرجة أنني لدي الفرصة أن أتحدث إليك. لدرجة أن أعمال مجموعة من الشعراء الشباب علي الحواف في القاهرة يتم ترجمتها إلي الإنجليزية، ويتم نشرها وتقرأ عبر أمريكا (وأستراليا وألمانيا إلي الآن). لدرجة أن الناس، في القاهرة، ستقرأ هذا الحوار والقصائد التي ترجمتها لي. أظن أن السرد سيظل مهما ثقافيا علي الدوام- إنها حكايات نقولها لأنفسنا لنشرح حيواتنا، ونشرح العالم من حولنا. ولكن دائما كانت وستكون هناك مساحة لكليهما، لأنه سيكون هناك علي الدوام أناس مثلنا، تبحث عن الشعر، و تصنعه، وتجعله متاحا. - في مصر وفي دول عربية أخري هناك نداءات من الطليعة للتبرؤ تماما من كل البلاغة التقليدية والبلاغة عموما بما هي عبء علي اللغة الشعرية. هل هذا صحيح؟ أعني هل هي عبء؟ بالتأكيد من الممكن أن تكون، ولكن أظن أنه من الاختزال أن نقول أن طريقة معينة لكتابة الشعر يجب أن تُحذف إلي الأبد. وأتوقع أن، بينما تثورون عليها، ثم تمر عشر أو عشرون سنة أو ما إلي ذلك، سيكون هناك شباب ينادون بعودتها. تلك الأشياء لها طريقة في الحدوث بشكل دائري. وعلي أي حال أظن أن طريقة كتابة الشعر المليء بالمعني أمر من اختصاص الشاعر الفرد. لا أظن أنه سيكون هناك أبدا غيابٌ للمؤسسة ( بالرغم من أن درجة ذلك تختلف بين الأمم السجن في دولة، إلي عدم النشر في دولة أخري)، ولكن سيكون هناك علي الدوام من يثور ضد المؤسسة. - هل تقرئين الشعر العربي، الحديث أو الكلاسيكي؟ ماذا تظنين يميز الشعر العربي كشعرٍ مختلف عن شعر أي لغةٍ أخري؟ لا أظن أن خبراتي بالشعر العربي كبيرة بما يكفي لتصنيفه بطريقة أو بأخري. لقد قرأت درويش، وجبران والشعراء في المجموعتين اللتين ناقشناهما. بالطبع هناك فارق كبير بين درويش وجبران من ناحية وما يحدث في "أصوات غاضبة"، و"التحرير" من ناحية أخري، فكلاهما أكثر حداثة بالطبع. بالرغم من أن درويش، علي الأقل مترجما لم يبد "كلاسيكيا" بالنسبة لي. القصائد جميلة جدا، ولكن ليس لدي متنٌ ثقافية لأضعها في سياقها. أظن أن الأعمال من ثقافات أخري، سواء كانت نتيجةً لحدوث الشعر من دون الكثير من التجريب، أو نتيجة لعدم وجود نقاط مرجعية ثقافية بما يكفي، كما ينتج في الترجمة ذاتها، أظن أن تلك الأعمال تبدو جافةً، منزاحة، وفي بعض الأحيان تبدو كليشيه بالنسبة للشاعر الأمريكي الحديث. ليس علي الدوام بالتأكيد. كل ترجمات "دون مي تشوي" للشاعر الكوري "كيم هييسون" كانت رائعة. هناك العديد من ترجمات "راؤول تسوريتا" الجميلة. تبدو حديثة. "تايبو"، الجريدة الإلكترونية الأمريكية، أصدرت عددا كاملا عن الشعراء التشيليين وكان عبقريا. ومجلة "المخبز" أصدرت عددا كاملا عن القصائد المترجمة من العبرية والييديشية، وهي أيضا كانت رائعة. ولكن غالبا، أو تاريخيا، كانت تلك هي الحال دائما.