أحمد موسى يفجر مفاج0ة عن ميناء السخنة    محمد الغباري: إسرائيل تستخدم وجود حماس لمنع قيام دولة فلسطين (فيديو)    ذا أثليتك: برونو يرحب بفكرة تجديد تعاقده مع يونايتد    على رأسهم تاليسكا.. النصر يتخلى عن ثنائي الفريق في الصيف    ردود الفعل على حادثة محاولة الخطف والاعتداء الجنسي في أوبر: صلاح عبد الله يدعم المقاطعة وعبير صبري تطالب بالرقابة والإغلاق    16 مايو.. الحكم على متهم بتزوير محررات رسمية    بعد تصدره مؤشر جوجل.. أعمال كريم قاسم الفنية    بالصور.. خطوبة مينا مسعود والممثلة الهندية إميلي شاه    "العبدلله حسن المنوفي".. أحمد الفيشاوي يكشف عن شخصيته في "بنقدر ظروفك"    قبل البيرة ولا بعدها؟..تعليق علاء مبارك على انسحاب يوسف زيدان من تكوين    رئيس جامعة الأقصر يفتتح مركز خدمة الطلاب ذوي الإعاقة    انعقاد برنامج البناء الثقافي للأئمة والواعظات بمديرية أوقاف المنيا    دمياط تتسلم 25 وحدة من وصلات القلب للانتهاء من قوائم الانتظار    طريقة عمل الفول النابت لأكلة مغذية واقتصادية    تنظيم 10 ندوات لمناقشة المشكلات المجتمعية المرتبطة بالقضية السكانية في شمال سيناء    جامعة حلوان تنظم ورشة عمل للتعريف باختصاصات عمل وحدة مناهضة العنف ضد المرأة    الأربعاء.. انطلاق فعاليات الدورة الثانية لمعرض زايد لكتب الأطفال    شكري ردا على «خارجية الاحتلال»: نرفض لي الحقائق.. وإسرائيل سبب الأزمة الانسانية بغزة    المشدد 3 سنوات ل6 أشخاص بتهمة حيازة أسلحة واستعراض قوة بشبرا الخيمة    5 معلومات عن السيارات الكهربائية في مصر |إنفوجراف    جامعة كفرالشيخ تتقدم 132 مركزا عالميا في التصنيف الأكاديمي CWUR    متاحف وزارة الثقافة مجانًا للجمهور احتفالا بيومها العالمي.. تعرف عليها    اليوم.. تامر حسنى يبدأ تصوير فيلمه الجديد "ريستارت"    محافظ أسوان يكلف نائبته بالمتابعة الميدانية لمعدلات تنفيذ الصروح التعليمية    دولة أوروبية تنوي مضاعفة مساعداتها للفلسطينيين 4 أضعاف    الجنائية الدولية: نسعى لتطبيق خارطة الطريق الليبية ونركز على تعقب الهاربين    شعبة الأدوية: الشركات تتبع قوعد لاكتشاف غش الدواء وملزمة بسحبها حال الاكتشاف    أشرف عطية يتفقد الأعمال الجارية بمشروع محور بديل خزان أسوان الحر    كورتوا على رادار الأندية السعودية    أخبار الأهلي : مروان عطية يثير القلق في الأهلي.. تعرف على التفاصيل    الشيبي يظهر في بلو كاست للرد على أزمة الشحات    «الزراعة»: مشروع مستقبل مصر تفكير خارج الصندوق لتحقيق التنمية    برلماني: مصر قادرة على الوصول ل50 مليون سائح سنويا بتوجيهات الرئيس    لماذا أصبح عادل إمام «نمبر 1» في الوطن العربي؟    وزير التعليم يفتتح الندوة الوطنية الأولى حول «مفاهيم تعليم الكبار»    "العيد فرحة".. موعد عيد الأضحى 2024 المبارك وعدد أيام الاجازات الرسمية وفقًا لمجلس الوزراء    مصرع شخص غرقاً فى مياه نهر النيل بأسوان    هيئة الأرصاد الجوية تحذر من اضطراب الملاحة وسرعة الرياح في 3 مناطق غدا    «على قد الإيد».. أبرز الفسح والخروجات لقضاء «إجازة الويك اند»    «صحة النواب» توصي بزيادت مخصصات «العلاج على نفقة الدولة» 2 مليار جنيه    بالصور.. وزير الصحة يبحث مع "استرازنيكا" دعم مهارات الفرق الطبية وبرامج التطعيمات    طالب يضرب معلمًا بسبب الغش بالغربية.. والتعليم: إلغاء امتحانه واعتباره عام رسوب    التشكيل الرسمي لمباراة الاتحاد السكندري وسموحة في الدوري    تصريحات كريم قاسم عن خوفه من الزواج تدفعه لصدارة التريند ..ما القصة؟    وزير الدفاع البريطاني: لن نحاول إجبار أوكرانيا على قبول اتفاق سلام مع روسيا    «الداخلية»: ضبط 25 طن دقيق مدعم قبل بيعها في السوق السوداء    داعية إسلامي: يوضح ما يجب على الحاج فعله فور حصوله على التأشيرة    دعاء للميت في ذي القعدة.. تعرف على أفضل الصيغ له    أحمد الطاهرى: فلسطين هي قضية العرب الأولى وباتت تمس الأمن الإقليمي بأكمله    مصر تدين الهجوم الإرهابى بمحافظة صلاح الدين بالعراق    السيد عبد الباري: من يحج لأجل الوجاهة الاجتماعية نيته فاسدة.. فيديو    مفتي الجمهورية يتوجه إلى البرتغال للمشاركة في منتدى كايسيد للحوار العالمى..    نموذج RIBASIM لإدارة المياه.. سويلم: خطوة مهمة لتطوير منظومة توزيع المياه -تفاصيل    فى أول نزال احترافى.. وفاة الملاكم البريطانى شريف لوال    "مقصود والزمالك كان مشارك".. ميدو يوجه تحية للخطيب بعد تحركه لحماية الأهلي    رئيس جامعة القاهرة: زيادة قيمة العلاج الشهري لأعضاء هيئة التدريس والعاملين 25%    الإسكان: الأحد المقبل.. بدء تسليم الأراضي السكنية بمشروع 263 فدانا بمدينة حدائق أكتوبر    «الأونروا»: أكثر من 150 ألف إمرأة حامل فى غزة يواجهن ظروفا ومخاطر صحية رهيبة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شاحن بطارية المقاومة
نشر في أخبار الأدب يوم 25 - 04 - 2015

في مشوار حياتي ما أسميه شخصيات مفصلية شاحنة لبطارية المقاومة والصمود من أجل تجاوز الحواجز وعبور المستحيل، كان أحدهم عبدالرحمن الأبنودي، كان في منظوري- منذ تفتح إدراكي لدور المثقف في وطني ومجتمعي- هو القادر دائماً علي اختزال المسافات بينه وبين الناس من أعلاهم إلي أدناهم، وهو المؤثر فيهم بالفن وحده بدون وسيط اللغة والتعليم والثقافة، هو الكاشف عن جوهر الثقافة العميق في وعي وحكمة ووجدان الشعب، وذلك لإيمانه بأن هذا الشعب مالك لثقافة أكثر حكمة ونضجاً في كثير من الأحيان مما يمتلكه المثقفون المؤمنون بواجبهم في النهوض به، ومن ثم كان الأبنودي الأبعد بصيرة وبساطة في إعادة إنتاج وصياغة هذا الوعي الثقافي والفكري للبسطاء في إبداع جديد يتجاوز بدوره المسافات بين فن للنخبة وفن للجماهير، محملاً- عبر أدوات شعره العبقري- بالغ السلاسة والتركيب معاً بقيم دافعة للمقاومة وبشحنة إنسانية تفتح القلوب والعقول في التو واللحظة لاستقبال رسالته، التي لها فعل السحر في نفوس الجموع الغفيرة، وتفجر مكنونها التاريخي من الخبرة، وتعيد اكتشاف مفاتيح ذواتهم وتدفعهم نحو وعي جديد.
في أوائل الستينيات جمعتنا الغرف الصغيرة في إحدي شقق البدروم في حي العجوزة، التي أسميها مستعمرة العجوزة، إذ تحتضن الطلبة الفقراء النازحين من أقاصي البلاد مملوئين بالمواهب والرؤي والأحلام، مشحوذين كحد المشرط لخوض قضايا الوطن والحرية والتغيير واتخاذ الإبداع طريقاً وغاية: رسامون ونحاتون وشعراء ومفكرون، وفي حلمهم تحقيق مشروع ثورة يوليو بالعدالة الاجتماعية والتحرر الوطني، وفي وعيهم بقضايا الثورة في العالم الثالث آنذاك، وفي ذاكرتهم في ذات الوقت أسماء من امتلأت بهم سجون ثورة يوليو من نبلاء المثقفين اليساريين الذين آمنوا بعبدالناصر حتي وهم وراء أسوار سجونه ومعتقلاته في فيافي الصحراء.. هذا التناقض الذي كان يشكل مأزقاً تاريخياً للمثقفين الثوريين، ربما لايزال مستمراً حتي اليوم، لكن قصائد الأبنوي وسيد حجاب وأمل دنقل، وقصص محمد جاد وحافظ رجب والدسوقي فهمي، ورسوم نبيل تاج واللباد وجميل شفيق وبقشيش وعدلي رزق الله، وتماثيل مصطفي الحلاج والوشاحي، ومناظرات سيد خميس وخليل كلفت.. وغيرهم كانت تحل هذا التناقض باقتناعنا أن قدر الفنان والمبدع الثوري يكون دائماً علي يسار السلطة ومعارضاً مهما كان لهيب سوطه أو بريق ذهبه، حتي لو اتفق معه.. من بيننا كان صوت الأبنودي.. الصعيدي الخشن القادم بعبله من أقصي الجنوب بغزارة مخزونه المعرفي واللغوي وموهبته الشعرية الطاغية، وكان هو الأعلي والأقدر علي حل المعادلة الصعبة بين الواقع والحلم، وبين لغة النخبة ولغة الجماهير، بشحنة مغناطيسية لا تقاوم.
كان تأثير الأبنودي وشلة مستعمرة العجوزة علي شخصيتي في تلك الحقبة المبكرة من أسباب انغماسي في العمل بالثقافة الجماهيرية في الفترة من 1963 حتي 1968، خاصة في تأسيس وإدارة قصر الثقافة بكفرالشيخ عام 1966، وكان الأبنودي آنذاك في السجن مع مجموعة من المثقفين اليساريين، وأفرج عنهم قبل حرب 1967 بقليل، وكانت المجموعة تضم إلي جانب الشعراء والمثقفين، عدداً من النشطاء اليساريين في محافظة كفرالشيخ، الذين أصبحوا قوة دعم هائلة لتجربتي في القصر بعد ذلك، ولحق بهم الأبنودي وأصبح من الزوار الدائمين للقصر والمشاركين في فعالياته الجماهيرية، ليس دعماً لي فحسب، بل سعياً للوصول بشعره إلي جموع الفلاحين الذين اجتذبتهم قافلة الثقافة وملأوا الأجران في شتي قري المحافظة، لقد وجد الأبنودي في هذه الجموع الغفيرة ضالته التي عصمته من متاهة صراعات المثقفين مع السلطة ومع بعضهم البعض في القاهرة، بل عصمته من متاهة دهاليز الفن الغنائي التي كادت تبتلع موهبته، وكتب لي الأبنودي في صبيحة أحد الأيام بعد أن ألقي قصائده ليلة أمس وسط آلاف الفلاحين وتفاعله معهم كتب: إنك بتجربتك تخلق من الضعف قوة ومن الظلام نوراً.. يضيء لنا قبل أن يضيء لهؤلاء الفلاحين.
وعندما حاصرتني قوي الظلام بكفرالشيخ حتي استلبت طاقتي علي المقاومة عام 1968، كانت شقته القديمة قرب ميدان الفلكي ملاذي ومنقذي من الاستسلام، فكان مع أصحابنا من المناضلين الشرفاء ورفاق السجن شحاناً لبطاريتي للمقاومة والاستمرار بعد أن أوشكت علي النضوب.
حقاً لقد فرقت بيننا السنين والسجون والمشاغل والهموم، لكن ذلك كله لم يضعف شحنة بطاريتي الدافعة لمواصلة المشوار حتي الآن، وحينما كان يتم بيننا لقاء أو اتصال تليفوني كانت ذكريات كفرالشيخ حاضرة بيننا دائماً، وعابرة لمتغيرات المراحل وأنظمة الحكم وصراعات الديكة بين المثقفين، وظل دائماً حتي آخر مكالمة ملهماً لي وداعماً لصمودي.. فهل لمثله أن يموت.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.