مرحبا بهذه المجلة الجديدة وبفريق التحرير الذي يشع شبابا وحيوية. وما أحوجنا إلي هذا التوهج. هذه مجلة يقرأها المرء علي مراحل تبدأ بعملية تصفح سريعة ليتكشف له المحتوي الكلي. أبرزت النظرة الكلية مدي تنوع وخصوبة مواد العدد، فعدت أدراجي وبدأت أقرأ في تأن، ووجدت أن كل مقال يستدعي التأمل والتفكير والبحث عما لم نكن عرفه. وهذه القراءة هي القراءة البحثية التي لاتتم في جلسة واحدة ولكن تتطلب عدداً من الجلسات، أقدم هنا قراءتي، علي مهل، لهذه المجلة التي تستأهل كل العناية. الاستهلال بقلم رئيس التحرير يستهل محمد شعير رئيس تحرير المجلة، قبل صفحة المحتويات، بافتتاحية ستظل المحورالرئيسي للعدد: وهو ما أطلق عليه الأفكار الجديدة«، ولاشك أننا بحاجة إلي أفكار جديدة« في كل دروب حياتنا، ولكن أني لنا بها؟ أبرز شعير ثلاثة أسباب تعرقل تولد أفكار جديدة في المجتمع المصري: الأول هو انغلاق المصريين الذين يسافرون إلي الخارج علي أنفسهم وعدم قدرتهم علي التفاعل مع المجتمعات التي يوفدون إليها: ثانيا شحة نشاط التأليف بصفة عامة. والترجمة بصفة خاصة: ثالثا التوجه إلي الماضي بدلا من استشراف المستقبل. وإذ اتفق معه فيما ذهب إليه، أود أن أضيف أن وراء هذه الأسباب الثلاثة بؤرة عميقة من العوز القيمي، حيث نفتقر إلي الإحساس الجاد بالمسئولية الفكرية، ونتميز بكسل فكري عملي، ومع اتفاقي علي أهمية الترجمة وهزال هذا النشاط في مجتمعاتنا، إلا أن الترجمة لا تغني عن معرفة اللغات الاجنبية معرفة وثيقة. فنحن نعاني من جهل فاضح باللغات الأجنبية. صحيح أن الإنترنت فتح أبواب العالم فسيحة أمام الشباب العربي وأصبحوا يعرفون كيف يقرأون بالإنجليزية، ولكن الإطار في الشبكة شيء، والقراءة المتعمقة المتأنية بلغة أجنبية والتي تمكن الشخص من الغور في المستوي الثقافي شيء آخر إن الأسباب التي ذكرها شعير مهمة ومقنعة ولكن كما يقول الجاحظ الأفكار مطروحة في الطريق يعرفها العجمي والعربي والبدوي والقروي فلماذا نحن نيام لا نري ولا نسمع ولانشعر لأن جني الأفكار واستثمارها يتطلب جهدا جهيدا والسلبية والخمول والإهمال من الأمراض المزمنة التي لابد أن نشفي منها. المحور الأول: تقارير العنوان الفرعي لهذا المحور هو أخبار وإصدارات« وتجمعت تحت هذا العنوان مجموعة من الأخبار تتميز بالجدة والطرافة (بالمعني الإيجابي). منها كتاب البريطاني الذي أودع في سجن طرة، ونقد لاذع لكتاب طارق البشري عن ثورة 25 يناير، ومقتطفات من حوار وليلبيك عن روايته الأخيرة خضوع. أعجبتني هذه اللقطات السريعة من حيث التنوع، ورغم إيجاز العرض فإنها مكتوبة بلغة بليغة، تتميز بالدقة والعمق. وإذا كان لي أن أعلق علي بعض هذه الأخبار: - النقد الموجه إلي المستشار طارق البشري يعبر عن رأي كثير منا. فقد تحول الرجل تحولا مؤسفا في مساره. ومن الشجاعة الأدبية أن نؤاخذه علي ما أقترف في حق مصر. - الخبر المنشور عن حصول ميا كوتو علي جائزة نوستادات أضاف إلي معلوماتي عن الأدب البررتوغالي فإنني لم أعرفه ولم أقرأ له رواية رغم أهميته، وقد أغفل محرر الخبر أن يوضح أن ميا كوتو يكتب بالبرتغالي، فهو ليس من المواطنين السود، بل من جالية المغتربين البورتغال الذين يعيشون في موزمبيق. - النص المترجم عن حوار ميشيل ويلبيك كان يستدعي بعض الإشارات إلي موقف ويلبيك من الإسلام، إذا سبق أن نشر سنة 2001 رواية بعنوان Plateforme منصة «، وأدلي بعد صدورها بأحاديث هاجم فيها الإسلام والقرآن بلهجة معادية بذيئة، استعدت بعض الجمعيات الإسلامية التي همت بمقاضاته بتهمة الحض علي الكراهية. ومن الغريب أن مجلة شارلي أبدو« نشرت علي غلافها في الأسبوع الذي تم الهجوم عليها، كاريكاتيرا لويلبيك تعليقا علي روايته الجديدة خضوع«. وخشي ويلبيك علي نفسه بعد الهجوم واختفي عن الانظار لفترة غير وجيزة، ومن هنا أري ألا نعول علي كلام الرجل عن الرواية ولكن لابد من النظر إليها من منظور أنها نص تهكمي هزلي يمكن الرجوع إلي مقال أيمن عبدالهادي في «المصري اليوم بتاريخ 7/1/2015. http:www.ahmasryoum.com/news/details/623323 أما مقال القراءة في السينما السخرية والغواية« فيخيل إلي أنه كتب علي عجل. إذ يقفز من فيلم إلي فيلم ومن مخرج إلي آخر دون إطار نظري يغلف الموضوع، وقد كان من الأجدي أن يركز علي مخرج واحد، أو نوعية واحدة من الأفلام (مثلا المأخوذة من روايات نجيب محفوظ أو غيره)، وأن يقدم بعض المقارنات بين السينما المصرية وغيرها في معالجة الفكرة. الملف الرئيسي: الأفكار الجديدة يتناول هذا المحور خمسة من المفكرين الإيطاليين: أنطونيو نيجري (1923-) Antonio Negri فرانكو (بيفو) بيررادي (-1948) Franco (Bifo) Berradi وجياني فاتيمو (1936-) Giannni Vattimo وسانيتاجو زابالا (1975-) Santiago Zabala. وجورجيو اجامين (1942-) Giorgio Agamben ثم يظل هذا الملف علي المدرسة الألمانية من خلال الفليسوف ماركوس جابرييل (1980-) Markus Gabriel هذا بالإضافة إلي بعض المقتطفات من كتاب للكاتب الأمريكي (وليس توروجيا، مولود في لوس انجليس) ديفيد شيلدس (1956-) David Shields وفي النهاية عرض موجز لكتاب العالم الاقتصادي الكوري الجنوبي هاجون تشانج (1963-) Ha- Joon Chang هي فعلا أفكار جديدة قدمت لنا أربعة مفكرين إيطاليين، ينتمون إلي النصف الثاني من القرن الماضي، ولم ينتشر فكرهم في العالم العربي - بل يمكن أن أقول خارج إيطاليا- رغم أهمية أعمالهم التي كتبت مما يقرب من نصف قرن. لقد عرفنا عن أنطونيو جرامشي (1891- 1937) Antonio Grumsi إذ دخل في إطار الفكر الماركسي الكلاسيكي، وذاع صيته من خلال نشر مذكرات السجن، أما المدرسة الفلسفية الإيطالية التي تنتمي إليها هذه الكوكبة فأنها لم تخرج من إطار المتخصصين، أحسنت مجلة عالم الكتاب تعريفنا بهؤلاء المفكرين المهمين، الذين مازالت أعمالهم مهمة ومؤثرة رغم أنهم في نهاية مسارهم العلمي. لاشك أن الفكر الإيطالي لم يأخذ حقه في مجال الثقافة العربية، وهو أمر مؤسف، فمثلا لم تقتصر المدرسة السيميوطيقية الايطالية علي أمبرتو ايكو الذي ذاع صيته بفضل روايته اسم الوردة ولكن هناك كوكبة كبيرة من السيميوطيقيين الإيطاليين لهم أعمال مهمة، مثل فيروتشتيو روسي - لاندي Ferrucio Rossi - Landi الذي- وإن لم تكن له شهرة إيكو - إلا أن أعماله تتميز بالعمق والأصالة، ولايقل قدرا عن إيكو. وكنت أود أن يلحق بالملف الإيطالي ببليوجرافيا ببعض عناوين كتب هؤلاء المفكرين الإيطاليين المهمين. جني الأفكار واستثمارها يتطلب جهدا جهيدا والسلبية والخمول والإهمال من الأمراض المزمنة التي لابد أن نشفي منها. مراجعة الكتب: كتابة علي كتابة هذا المحور هو العمود الفقري للمجلة ومن شأنه أن يوجه القاريء إلي أهم الإصدارات في المجالات المختلفة من فنون وآداب وعلوم اجتماعية وفلسفة واقتصاد وتاريخ وجغرافيا وعلم اجتماع وعلم الانثروبولوجي والعلوم المختلفة. ونأمل لهذه المجلة أن تفي بكل هذه المجالات - إن أمكن- ويحتل هذا المحور أربعين صفحة من المجلة يمزج فيها بين الكتب الأجنبية والكتب العربية في تخصصات مختلفة. والاختيارات جيدة. وقد تتبع هذا العدد كتب في مجالات: الفلسفي - الديني رسالة في اللاهوت والسياسة لسيبينوزا، ترجمة حسن حنفي « حيث قدم أنور مغيث عرضا واسعا عن المفكرين الغربيين الذين يتميز فكرهم ب التنوير«، وكنت أتوقع أن يقدم قراءة مفصلة لكتاب سبينوزا - موضوع مراجعته- وأن يقدم لنا فكر هذا الفليسوف الفذ الذي اقترب من نار الإلحاد حتي أن اليهود أنكروه جغرافيا ألبير كامو لميشيل أونفري« بقلم صلاح باديس، الجسد والسياسة« مراجعتان لعزت القمحاوي وشاكر عبدالحميد. فردوس المسلمين وجحيمهم« عن كتاب الفردوس والجحيم في المتخيل الإسلامي« للطيفة كرعاوي بقلم محمد الدخاخني. السياسي ملامح خط إنتاج الإرهابيين في أوربا« عن كتاب من الكائن البشري إلي القنبلة البشرية« لراسل رزاق بقلم د. هناء سليمان. داعش الألمانية« عن كتاب السلفية رعب ألماني« لأولريش كريستر بقلم طلال فيصل. الأدبي برلين 69.. المكان واللحظة« عن رواية صنع الله ابراهيم بقلم د. ايمان يحيي. الوعي الشقي عن المجموعة القصصية البهجة تحزم حقائبها لمكاوي سعيد بقلم رضا عطية. عندما تتحول التفاصيل إلي أسطورة« عن الديوان الثالث لخالد السنديوني بقلم وليد الخشاب. الاجتماعي ما وراء الأراضي المنخفضة عن كتاب العبقرية العصابية للكرة الهولندية«، لديفيد وينر بقلم خالد يوسف. ورغم تعدد المحاور، إلا أنها لم تصنف كلا علي حدة، بل تداخلت مراجعات المحاور المختلفة كل مع الآخر. ويحسن تجميع المراجعات ومحاورها الأساسية المختلفة، كما في المجلة العريقة ال )TLS Times Literary Supplement) مثلا. وربما تختار المجلة محورا معينا في عدد خاص إذا كثر المعروض في فرع من الفروع المعرفية. كما قد يكون من الأجدي فصل الكتب العربية عن الأجنبية، وأن تذكر العناوين الأجنبية بلغتها الأصلية ومكان وتاريخ النشر، إذ لايكفي وضع صورة غلاف الكتاب في بداية المراجعة. طبعة خاصة: هذا المحور هو عبارة عن ترجمة لبعض صفحات من كتاب إلياس كانيتي الجماهير والسلطة« الذي نشر بالالمانية سنة 1960 وترجم إلي الإنجليزية في سنة 1962 لأهمية كانيتي علي الساحة الثقافية العالمية. ولا نستطيع التحدث عن الجماهير« دون العودة إلي كانيتي، وبالرغم من مرور ما يزيد علي نصف قرن علي صدور الكتاب فلم تجبه أي كتابات لاحقة، ويوسس كل من يكتب عن هذا الموضوع علي تنظير كانيتي. ويعتبر كتابه من أكثر الأبحاث التي تعمقت في تعريف الجماهير (الحشود) لماذا تنضم إليها وكيف تشكل معني السلطة ومن زين تستمتد قوتها. وهذا الفصل المترجم هو فاتح شهية« لقراءة كتاب كانيتي، الذي لم يفقد وزنه ودلالته، وهو من صميم الفلسفة النفسية philosphical psychology. كما أقدر المربع الذي سجل الترجمات العربية لكتابات لكانيتي: ومنها يتضح أن كتابه :الجماهير والسلطة«، المؤسس لنظرية علم نفس الجماهير وتحركها لم يترجم وإن دل هذا علي شيء فإنه يدل علي العفوية التي يسير بها رسم الخطط لعملية الترجمة في عالمنا العربي. رفوف ثلاثة نصوص جميلة وملهمة: الأول في مكتبة يوسف إدريس«. قد أثار في النفس كثيرا من الشجن إذ ذكرنا أننا لانعرف كيف نحافظ علي تراثنا وكنوزنا. فمن الثروات التي تحتفظ بها الثقافات كتابات العباقرة الكبار. وأذكر هنا كتابا نشر عن مسودات فلوبير لقصته القصيرة الرائعة قلب ساذج« Ua Coeur simple التي لاتتجاوز عشر صفحات، وجاءت مسوداتها فيما يزيد علي ألف صفحة، نستطيع من خلالها أن نطل علي معمل فلوبير الذي كان مهووسا بالكتابة والتنميق، والتبديل والتغيير في أدق التفاصيل. وقد دفعني هذا المحور الملهم أن أنقب عما كتبه بعض الكتاب عن مكتباتهم منها ما كتبه وولتر بنيامين تفريغ مكتبتي« وأيضا The Testimony of my Grandfather s Bookcase شهادة مكتبة جدي لأميتاف جوش. والنص الثاني مكتوب بمنتهي العذوبة لايهدر عينيك، فلن يقرأه أحد«. هذه طرفة من الطرف التي نجدها كثيرا في الأدب العربي عن موضوعات مبتكرة تداعب القاريء وتناوشه، وهي رسالة من مصحح مجهول يتوجه إلي محرر إحدي دور النشر. هذه الصفحات مكتوبة بعفوية وانطلاق وأعترف إني عاشقة لمثل هذه المناقشات حول الكتابة والتمعن في اختيار العبارات والكلمات وقد أصاب المصحح المجهول في كثير مما يطرح حول كتاب سوزان سونتاغ ولادة ثانية: اليوميات 1947 - 1963«، ترجمة عباس المفرجي. والنص الثالث من إبداع شعبان يوسف وهو موسوعة الأدب الحديث المغرم بالتنقيب في الدفاتر القديمة. وما أغناها. وأعلن في هذا النص: اكتشاف رواية لم تنشر لفتحي غانم. ضمير المتكلم يفتح هذا الباب صفحاته للكتاب ليعبروا عن تجاربهم الخاصة بأقلام محمد بدوي وجرجس شكري ومحمد ربيع وخليل الرز. وأخيرا، والخاتمة مسك كما يقولون، فقد سعدت بالنص كنت شاعرا نفخت الفلسفة فيه الحياة «لفرناندو بيسوا. وهو يمثل ظاهرة متفردة في تاريخ الشعر: إذ كتب بعشرة أسماء مستعارة، وتقمص في كل منها شخصية لها أسلوبها وخلفيتها المغايرة. وقد عرفت العربية كتابه «اللاطمأنينة. وأود أن أعبر عن إعجابي بإخراج المجلة الفني، وأهنيء الفنان أحمد اللباد علي هذا الجهد الرائع في تصميم الغلاف واختيار الرسوم التي ترصع النصوص، والتنسيق العام للمجلة. ولايسعني أن أغفل قرار رئيس التحرير، منذ البداية، بإصدار عالم الكتاب« شهريا، بعد أن كانت فصلية منذ بداية صدورها عام 1984، ثم توقفت ثم عادت وأري أنه كان من الأجدر استئناف إصدارها فصليا، ثم يشرع بعد ذلك، إذا تراكمت المادة، وتوفر لها الكتاب المتخصصون الجادون الملتزمون (وما أقلهم)، إلي إصدارها شهريا. إذ أن توقفها ثم استئنافها فصلية، بإشراف من تعاقبوا علي رئاسة تحريرها. يستدعي التأني ومع ذلك نتمني لها النجاح، شهرية، أو فصلية. ولايسعني إلا أن أقدم لأسرة المجلة تهاني وإعجابي بهذا الجهد الكبير والنظرة الحديثة المبدعة التي أظهروها في إصدار هذه المجلة الجميلة الممتعة.