وليام كارلوس ويليامز (نيوجيرسي 1884-1963) هو واحد من القامات الكبيرة في الحركة الحداثية في الولاياتالمتحدةالأمريكية في مطلع القرن العشرين، والأب الروحي لعدة أجيال. تعد قصائده نماذج للنزعة التصويرية، بروح سريالية قوية. كان مريضاً بالقلب، وعاني من أزمات قلبية كثيرة، إلا أن مرضه لم يمنعه من الإنتاج الأدبي، والحركة الدؤوب من أجل تشكيل حركة إبداعية طليعية في الولاياتالمتحدة. ولم يتوقف يوماً عن الكتابة إلا من أجل الالتقاء بالأصدقاء من الأدباء والشعراء والفنانين التشكيليين، والإسهام في تكوين الجماعات الأدبية. ولد ويليامز لأب إنجليزي وأم من بويرتوريكو، وسافر إلي فرنسا ليدرس لمدة عامين في المرحلة الثانوية، ثم عاد إلي الولاياتالمتحدة ليدرس في كلية الطب بجامعة بنسلفانيا، وتخرج عام 1906. عمل طبيباً في بداية حياته العملية، إلا أنه تخلي عن مهنة الطب، وتفرغ للكتابة. كتب الشعر والقصة القصيرة والرواية والمسرحية والسيرة الذاتية والترجمة، وكان شديد الانتظام في الكتابة، فلا تمر ليلة دون أن يكتب فيها، عدا أيام العطلات. وربطت الصداقة بين وليامز وبين عدد من أبرز الكتاب والفنانين التشكيليين في الولاياتالمتحدة، ومثقفي أوربا الذين سافروا إلي الولاياتالمتحدة إبان الحرب العالمية الأولي. ومن بين أبرز أصدقاء وليامز عزرا باوند وجيمس جويس. في 1915، انضم إلي جماعة "الآخرون" في نيويورك، والتي ضمت العديد من الكتاب والفنانين الطليعيين، ما يُفسر تأثره بالسمات الأساسية للحركة الدادئية والسوريالية في قصائده الأولي. وأسهمت كتابات وليامز وصداقاته، وانغماسه في فعاليات جماعة "الآخرون" في الإشارة إليه باعتباره أحد رموز الحركة الحداثية في الولاياتالمتحدةالأمريكية. ورغم تأثره بأدب القارة الأوربية، إلا أنه سعي إلي تناول موضوعات وأفكار محلية في قصائده، ولم يشارك تي إس إليوت شغفه في الاقتباس من الأعمال الكلاسيكية. حاول وليامز أن يكتشف عالمه وشعبه وتاريخه، وصك شعاراً في أحدي قصائده: "لا أفكار بمعزل عن الأشياء"، ليوضح رأيه بشأن دور الشاعر في الحراك الاجتماعي. وبالطبع دافع عن الموقف الحداثي، ودعا الشعراء إلي التخلي عن الأنماط الشعرية العتيقة، والابتعاد عن البلاغة الجوفاء، والتعبير عن العالم كما هو. ولقد أشار أحد النقاد إلي لغة وليامز قائلاً: "لقد كتب بلغة أمريكية، واستخدم تعبيرات أمريكية، يفهمها الجمع". وكان ويليامز يرفض تأثير الشعراء الانجليز علي الشعر الأمريكي، ويسعي إلي كتابة شعر أمريكي خالص، ويتطابق موقفه هذا مع موقف الروائي الأمريكي مارك توين، الذي رفض تقاليد الرواية الأوربية في كتابة الرواية، وسخر منها في أعماله، ودعا إلي كتابة أدب أمريكي خالص، يُعبر عن سمات المجتمع والشعب الأمريكي. ومن الغريب أن دور النشر البريطانية تجاهلت كتبه، وكانت المرة الأولي التي تطلب فيها دار نشر بريطانية نشر أعمال وليامز قبل وفاته مباشرة. وكان ويليامز يعتبر مشروعه الشعري مشروعاً أمريكياً مُتمايزاً عن الشعر الأوربي، وتعبيراً عن الثقافة الأمريكية. لعب وليامز دوراً كبيراً في رعاية ودعم الشعراء الشباب، لذا يعتبره عدد كبير من الشعراء، ومن عدة أجيال، أستاذاً لهم، أو علي الأقل، صاحب تأثير قوي عليهم. كما كان تأثيره واضحاً علي الحركات والجماعات الأدبية الأمريكية، ولعب دوراً محورياً في صياغة المشهد الإبداعي الأمريكي. ومن الطريف أنه أعرب أكثر من مرة عن عدم سعادته بذلك التأثير، وأنه يُفضل التفاعل بين الأنماط الجمالية والتعبيرية المُختلفة. من أهم أعمال ويليامز الشعرية: "كورا في الجحيم" 1920، "الربيع وكل شيء" 1923، "صور من بروغل وقصائد أخري" 1963، و"باترسون" 1963، و"تخيلات" 1970، بعد وفاته بسنوات. وتعد قصيدته، "عربة اليد الحمراء"، نموذجاً كلاسيكياً للحركة التصويرية. لقد ثار ويليامز علي الرؤية التقليدية، والجماليات المُتوارثة للشعر، وسعي إلي الاستعانة بمفردات الحياة اليومية، وحياة البسطاء، واستحضر خبرته الأولي كطبيب في المستشفيات، بين المرضي والألم، كموضوعات لقصائده وصوره الشعرية. واعتمد علي تفعيلات متنوعة، وكسر الإيقاع التقليدي للشعر الانجليزي، كتب السطر الشعري الطويل؛ المُقسم إلي ثلاث وحدات. وفي بحثه عن هارموني جديد، استعان بإيقاع موسيقي الجاز الحي الحيوي الصاخب. ونزع إلي استخدام التعبيرات الدارجة؛ ابنة الواقع والعلاقات اليومية المباشرة. ويمكن القول إنه سعي إلي انتزاع الشعر من أحضان الطبيعة والتاريخ، وألقي به في خضم المجتمع، وأسقط عنه جمالياته وسمته الفردية، ليصبح الشعر حالة جماعية واجتماعية، بعد أن خلُص إلي إن المدنية الحديثة طورت وعي الناس، كما طورت لغة خطابهم، وطريقة تواصلهم. لقد اعتبر الشعر "أحد مستلزمات الحياة، ونبراساً يكشف طريقاً في العتمة". تشكلت الرؤية المضمونية والجمالية للشعر عند ويليامز من منطلق أيديولوجي، حيث كان اشتراكياً، مناهضاً شرساً للرأسمالية، ما اتضح في قصيدته "اليخوت"، المنشورة 1935؛ والتي يهاجم فيها البرجوازية ويصفها بالطفيلية، ويُبشر بثورة جماهيرية. وفي مقدمة ديوانه "الإسفين"1944، اعتبر الاشتراكية أمرا حتميا وضرورة تاريخية لتطور البشر والإبداع، ورأي أن الإبداع له دور في تنمية وعي الطبقة العاملة. وفي 1952، تم فصله من منصبه كمستشار لمكتبة الكونجرس، في إطار الحملة التي شنتها الولاياتالمتحدة علي المبدعين الاشتراكيين. أسفر عزل ويليامز من منصبه، عن تعرضه لأزمة صحية عنيفة، وخلل نفسي جعله يقضي بعض الوقت في إحدي المصحات. إلا أن ويليامز تجاوز الأزمة، وعاد شعلة من النشاط من جديد، واستأنف دوره في الكتابة والنضال ودعم المواهب الجديدة، واعتبر أن ما حدث ثمن لمواقفه عليه أن يدفعه بصدر رحب. لكن الثمن الذي دفعه وليامز لم يقتصر علي فصله من منصبه، بل امتد لتجاهله وحجب صوته عن الجماهير التي حاول أن يكون صوتها. ولم ينل ما يستحق من شهرة تتناسب مع مكانته، مُقارنة بغيره من رفاق دربه أو تلامذته. وبعد أن رحل عن الحياة في 4 مارس 1963، نال ويليامز بعض التكريم، حيث تم منح اسمه جائزة بولتزر في الشعر، عن ديوانه "صور من بروغل وقصائد أخري" في مايو 1963. كان قد حصل علي الميدالية الذهبية للشعر من المعهد الوطني الأمريكي للفنون والآداب، كما كرمته جمعية شعراء أمريكا بإطلاق جائزة تحمل اسمه لأفضل كتاب غير هادف للربح. وتم اعتبار منزله في نيوجيرسي معلماً أثرياً.