في الأسبوع الماضي اتصلت بصديقي الكبير علاء الديب لأقول له كل سنة وأنت طيب , علاء أتم الخامسة والسبعين وبدأ في السادسة والسبعين،متعه الله بالصحة والسعادة. وعلاء كعادته، يمضي خفيفا مثل نسمة، يكتب بانتظام مقاله الأسبوعي في المصري اليوم، والذي أصبح بالنسبة لي- ولكثيرين- نافذة نطل من خلالها علي أحدث وأهم الأعمال الأدبية والفكرية والسياسية، وهو المقال الذي بات واحدة من الحقائق الأساسية في حياتنا الثقافية، منذ بدأه في أواخر الستينيات في القرن الماضي في مجلة صباح الخير، وانتقل به إلي جريدة "القاهرة "، ثم استقر أخيرا في المصري اليوم، أي مضي عليه عدة عقود، واختار بعض مقالاته وصدرت في كتاب، كما أن الصديق بلال فضل استأذن من أجل عنوان المقال الثابت "عصير الكتب" ويستخدمه عنوانا لبرنامج تليفزيوني كان يقدمه. علاء ظل بالنسبة لي ولكثيرين أيضا ضميرا صاحيا، وظل بعيدا بإرادته عن مواطن الفساد والشبهات التي طالت ولحقت بمتنفذين ارتضوا أن يبيعوا ويشتروا .من الصعب أن يجد الواحد مثيلا لعلاء فهو حريص علي التواري، ولن تجد "مصلحة" لعلاء مع شبكة المصالح، وعندما يكون هناك ضجيج، فعليك أن تتأكد أن علاء ليس موجودا، وفي الوقت نفسه فإن علاء ليس حنجوريا بأي معني من المعاني، لا في أعماله القصصية أو الروائية أو متابعاته . أسعدني زماني وتعرفت علي علاء الديب قبل أن أراه بعدة سنوات ففي عام 1969 وقعت في يدي بالمصادفة مجموعة قصصية ساحرة، هي مجموعة "القاهرة " الصادرة عن الكتاب الذهبي.أيامها كنت في التاسعة عشرة، ولم أكن أقرأ إلا كل ماهو تقليدي، أي أعمال محمود تيمور وعبد الحليم عبد الله وأمين يوسف غراب ومن لف لفهم، أما القاهرة فقد عصفت بي وزلزلتني خصوصا أنني قرأت في الفترة نفسها مجموعتي أرخص ليالي ليوسف إدريس وحيطان عالية لإدوار الخراط, المهم أنني أدركت أن ما أقرأه هو مسألة أخري تماما عن الكتابة الحقيقية، حتي علي الرغم من أنني لم أفهم بعض ماقرأته، لكن كان هناك شيء ما ساحر وعاصف في مجموعة القاهرة الساحرة حقا. لعلاء أيضا خمس مجموعات قصصية وست روايات وكتابه الشهير" وقفة قبل المنحدر..أوراق مثقف مصري"،كما كتب حوار فيلم شادي عبد السلام "المومياء"، وترجم عددا من الأعمال الروائية والقصصية والمسرحية لصمويل بيكيت وهنري ميللر وهيمنجواي إلي جانب كتاب "الطاو". أدين لعلاء بالكثير، وأظن أن أجيالا عديدة تلتني تدين له بالكثير فعلا وليس من قبيل التأدب، فقد انتصر علاء للقيمة، وانحازللكتابة التي تسبح ضد التيار.ناهيك عن أنه "أسطي" كبير ،يعمل باستغراق وتأن كشأن كبار الاسطوات، يدقق ويتأمل ويضيف وليس لديه أي أوهام حول نفسه ،وعندما كانت ظروفه الصحية تسمح كنت أشاهده في أول صفوف الوقفات الاحتجاجية أو المسيرات. بالنسبة لي أيضا فإن ما ينشره صباح الأحد من كل أسبوع في المصري اليوم ضروري جدا ،وأسارع علي الفور الي قراءة ما يكتب عنه.علاء قيمة كبيرة في حياتنا. ليست سيرته المحترمة وحدها وليس تواريه وحرصه علي الابتعاد عن الصغائر، وليس استغناؤه الحقيقي عن كل شئ فقط، بل قبل هذا وبعده أعماله القصصية والروائية التي تشكل إضافة كبري للأدب العربي. عم علاء الديب المحترم :كل سنة وأنت طيب ياسيدي.