تحت عنوان "الثقافة والتجديد" دارت فعاليات الدورة ال46 لمعرض القاهرة الدولي للكتاب. الذي اختار الإمام المجدد محمد عبده ليكون شخصية هذا العام الذي شهد ظواهر إيجابيه عديدة، ربما كان أبرزها الطوابير التي اصطفت علي أبواب المعرض، والتي انعكست بدورها علي العديد من الأجنحة التي لا قت إقبالا واضحا. أطلق المعرض العديد من المبادرات الثقافية الجديدة، كحملة "الكتاب هديتك" لتغيّر وعي المواطن المصري ومفهومه تجاه الهدايا، ويصبح شراء الكتاب كهدية أول شيء يأتي إلي ذهن الشخص المقُدم للهدية.أيضا حملة "كتاب ديلفري مجانًا" بالتعاون مع مؤسسة "أخبار اليوم"، لتوفير خدمة توصيل الكتب لجميع محافظات الجمهورية فقط بسعر الكتاب الأصلي من دون تكاليف التوصيل، وذلك لتوسيع قاعدة القراء في مصر. أيضًا هناك خدمة "عم أمين" وهو تطبيق يمكن للزائر تحميله علي هاتفه الذكي، عبارة عن قاعدة بيانات مرشدة لجميع الكتب المشاركة في المعرض، حتي يَسُهل الحصول علي الكتاب الذي يبحث عنه، فقط علي الزائر كتابة اسم الكتاب أو المؤلف وسيوضح له التطبيق مكان دار النشر التي يوجد بها الكتاب. في الصفحات القادمة نحاول أن نقدم إطلالة علي أهم الأنشطة والمناقشات التي دارت في اسبوعه الاول. بدأت القاعة الرئيسية بمعرض القاهرة الدولي للكتاب فاعلياتها يوم الخميس 29 يناير، شهدت علي مدار الأيام الأولي منه عددا من المناقشات حول المحاور الأساسية لدورة هذا العام، ففي فترة الظهيرة وتحديدا من الساعة 1 إلي 3، كانت تقام ندوات الخطاب الديني، والتي لم يعتذر من ضيوفها سوي عدد قليل، في حين أن الحضور لم يكن كبيرا بسبب تعدد الندوات التي تقام في الوقت نفسه بجميع قاعات وأجنحة المعرض، ولكنه جيد بالنسبة للمهتمين. في محور تجديد الخطاب الدين شدد الدكتور عبدالله النجار خلال مشاركته في ندوة "الجهاد في الإسلام.. متي ولماذا؟"، والتي شاركه فيها الباحث ماهر فرغلي، علي أن الجهاد لا يعني قطع الأعناق وإزهاق الأرواح، فالإسلام سلوك وأخلاق حميدة، أما من يقتلون ويمارسون الإرهاب تحت مسمي نصرة الإسلام، فالشيطان نفسه برئ منهم، وأكد: "لقد قال الله في كتابه العزيز (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) فهل سينتقم الله ممن خيرهم؟!!". وأشار النجار كذلك إلي أن الجزية في زمن الرسول كانت بدلا عن الجهاد، لأن الإسلام لم يكن يريد أن يقحم غير المسلمين في حرب دفاعا عن دين لا يؤمنون به، فحافظ القرآن كان يتم إعفاؤه من الجهاد، وقد حُرّف معناها حتي صارت نوعا من الإذلال، ويرجع سبب ذلك إلي الكثير من الكتب المنشورة التي تحمل مغالطات دينية ولا ترقي إلي مستوي العقل. واستطرد ماهر فرغلي مؤكدا أن الجهاداً يمكن أن يكون جهااًد للنفس وجهاد للشيطان، ولكن مفهومه عند بعض الجماعات للأسف هو القتل، رغم أن الرسول كان له مواثيقا مع اليهود في المدينة، في الوقت الذي يمكنه أن يقتلهم فيه، فمشكلة الجماعات أن التنظيم عندها أهم من الدولة ويمتلكون مشروعا. أما الدكتور محمد حافظ دياب، فقد أكد خلال ندوة "ذهنية التفكير" أنه للقضاء علي تلك الأفكار لابد من تجديد العقل العربي، فالمسألة خرجت عن النطاق الديني إلي نطاق سياسي، فداعش الآن تكفر جبهة النصرة، والتي تكفر بدورها الجماعة الإسلامية، فهم يتخذون من الدين سبيلا لمشاريعهم السياسية من خلال إقصاء الآخر والتكفير. في حين يري الدكتور مراد وهبة، أن الإرهاب هو إحدي مراحل الأصوليات الدينية وأعلاها، ولذلك فمقاومته تتطلب منا تحليل الأصولية، لأننا لا نستطيع مواجهتها إلا بالعلمانية، لأنها علي النقيض تماما من الأصولية، فهي إخضاع النظريات للعقل والتحليل، وقد جاء ذلك خلال ندوة "زمن الأصولية"، والتي شاركه فيها الكاتب الصحفي حلمي النمنم، مؤكدا أن الأصولية ضد الحضارة والتفكير والثقافة، والمشكلة الكبري الآن أنها تحولت إلي سلوك سياسي، وأوضح: "الأصولية مهما كانت باسم الدين أو باسم السياسة، فهي تعني الإيمان بالحقيقة الواحدة المطلقة، وما غيرها فهو باطل، وهو ما يفعله الإرهابيين الآن في العديد من البلدان، لكنها برغم ذلك لن يكون لها مستقبل علي المستوي البعيد، علي الأقل في المجتمع المصري متعدد الثقافات". واستكمالا لهذه الحقائق وللتأكيد عليها، فقد استدعي المتحدثون خلال ندوة "المواطنة والدولة المدنية" أفكار الإمام محمد عبده وفتاويه، وطالبوا بالرجوع إليها، خاصة أن الوطن في أحوج ما يكون الآن لمثل هذه الكتابات التي تستطيع أن تنير له الطريق في وقت يظن الظلاميون أن باستطاعتهم العودة بالمجتمع إلي الوراء. وقد لفت الدكتور مصطفي لبيب الاتنباه إلي أمر هام جدا، وللأسف ينادي به الكثيرون الآن، وهو أنه لا يجب الخلط بين مفهوم الإسلام والمواطنة، والترويج أن المسلم لا وطن له، وأوضح: "لقد رسخ محمد عبده لمبدأ المواطنة، ويجب الرجوع إلي نصوصه وكتاباته، وفي مقدمتها تفسيره للقرآن ومحاولته التأكيد علي أن الإسلام يبلور الوطنية، أما مراعاة الإنسان لوطنه فهي قيمة أساسية كرس لها الإمام"، كما أكد علي أن الإسلام هدم السلطة، ولم يدع الإسلام لأحد بعد رسوله سلطانا علي أحد، فالرسول كان مبلغا ومذكرا وليس مسيطرا، ولم يجعل لأحد من أهله أن يحل مكانه. وفي النهاية خلص الدكتور عبد العاطي أحمد إلي أهمية الدعم السياسي لعملية تجديد الخطاب الديني، قائلا: "في غياب الرافعة السياسية لن يكون هناك خطاب تجديدي منجز، فمن أكبر عيوب محمد عبده أنه لم يكن لمدرسته ذراع سياسي، وهو ما لم يجعل فكره يتفعل علي أرض الواقع". وهذا ما أكد عليه أيضا أحمد العبادي، الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء بالمغرب، عند لقائه مع الجمهور في يوم آخر تحت عنوان "الخطاب الديني في عصر العولمة"، حيث أشار إلي أن أهم مشكلة تواجه تجديد الخطاب الديني هي كيفية قراءة النص وفهمه جيدا، منوها أن الرسول كانت لقاءاته مع الصحابة تفاعلية مبنية علي الحوار المتبادل وطرح الأسئلة بدون إحراج، فنحن يجب أن ننتبه للقراءة جيدا، واستطرد: "الأمة يجب عليها أن تشجع علي القراءة لتنوير بصيرة الشباب وتثقيفهم جيدا، فالسابقون أداو ماعليهم وجاء دور الشباب في عصرنا الحالي لأداء ماعليهم أيضا، وحماية التراث والدين الإسلامي". الثقافة والتجديد.. وصراع الأجيال بينما تناول المحور الثاني والذي جاءت ندواته من الساعة 3 إلي 5 عصرا، فكرة "التجديد" في جميع أنواع الثقافة، وكانت البداية مع الوسائط الثقافية، والتي تحدث فيها الدكتور رأفت رضوان بين الجمهور واقفا وبعيدا عن المنصة، وأخذ يشرح لهم عالم التجارة الإلكترونية، الثقافة الجديدة التي تخاطب عقلا جديدا في عصر جديد، والعالم الذي سقطت فيه الفروق الزمنية، ففي الماضي كان نصف العالم يستيقظ والآخر نائم أما الآن فكل الناس مستيقظة، مؤكداً أن الصراع الحالي أصبح ثقافيا في المقام الأول، لم يعد سياسيا أو اقتصاديا. أما الدكتور خالد الغمري فقد استنكر تعليق الكاتب محمد حسنين هيكل علي استخدام الإيرانيين لتويتر حينما قال إنها مؤامرة إسرائيلية وسماها مواقع انشئت من داخل الدولة العبرية لزيادة الاحتجاجات، فكيف لهيكل السبعيني أن يشرح للشباب تكنولوجيا شباب؟، فهناك أزمة بين جيلين، الأول تربي علي إعلام تقليدي، والآخر تربي علي إعلام تفاعلي بحت يصنع معلوماته بنفسه. وتلك الأزمة بين الجيلين، هي نفسها الإشكالية التي امتدت إلي ندوة "اتجاهات الفن التشكيلي الجديدة"، فقد انتقد الفنان التشكيلي ياسر منجي، انحسار الحراك التشكيلي حول قضية الأصالة والتجديد، وعادة ما يمثل تيار الأصالة من جيل الستينيات فيما يمثل التجديد شباب، والاثنان يقومان بتخوين بعضهما البعض، مؤكدا أن أوربا تقدمت علي العقل الخرافي في الوقت الذي اكتفي العالم الشرقي بالانكفاء علي نفسه وصنع نوع من أنواع الاستقطاب. واستطرد الفنان محمد عبلة موضحا أن التجديد ليس الاختراع أو "التقليعة"، ولكن أن تتحرك بحرية داخل الأطر، فالتجديد في العلم يختلف عن التجديد في الثقافة، لا يمكن أن نزرع نبتة جديدة في أرض غير قابلة لاستقبالها، وأضاف: "التجديد هو محصلة لمجهودات كبيرة جدا، ولكي نقدم جديدا نحتاج لتضافر جهود عديدة، الفن والثقافة غذاء حقيقي والمجتمع بحاجة لهما، ولكن لابد أن يكون لديه استعداد للتجديد بكل آلياته، حتي لايكون الحديث نظريا فقط". المغرب ومصر.. علاقة نسب وحضارة بينما جاءت "الجسور الثقافية بين مصر والمغرب" ضمن ندوات المحور الإفريقي، والتي غاب عنها الكاتب جمال الغيطاني لظروف صحية، وقد ناب عنه الكاتب يوسف القعيد، بحضور السفير المغربي في القاهرة سعد العلمي، والسفير المصري في المغرب أحمد إيهاب بهاء الدين، وقد أكدوا خلال حديثهم علي قوة الترابط بين الشعبين، فكل منهما لم يشعر في البلد الآخر أنه غريبا، وإنما بين أهله، وأرجع بهاء الدين ذلك إلي أن مصر والمغرب بينهما علاقات نسب تمتد إلي تاريخ طويل، والمصاهرة بين الشعبين المصري والمغربي، فكثير من الأسر المصرية لها أصول مغربية وأسر مغربية لها أواصر مصرية. في حين عاد العلمي إلي العصور القديمة، ذاكرا أن الملك المغربي يوبا الثاني قد تزوج الأميرة المصرية كليوباترا، وأن التاريخ يشهد عندما جاء الفتح الإسلامي لشمال أفريقيا أصبح البلدان مركزين مؤثرين من مراكز الحضارة الإسلامية وكل منهما يحتفظ بموقعه كنقطة إشعاع، ومن هنا نشأت علاقة خاصة بين المغرب ومصر من خلال العلماء والأفكار. آلان جريش يثير الجدل في المعرض أما أبرز اللقاءات الفكرية، والذي أثار جدلا واسعا بين الجمهور، ندوة الصحفي الفرنسي "آلان جريش"، حيث انتقد مستوي الحريات في مصر وعلاقة السلطة بالمعارضة، مشيرا إلي أن مصر لم ولن تشهد انتخابات حرة إلا عام 2011، وأن في انتظارها حرباً أهلية لو استمرت في لفظ جزء منها - يقصد الإخوان - بهذا الشكل، كما أنه لا توجد صحافة حرة في القاهرة من وجهة نظره، لذا لابد من بناء إطار مشترك في الدولة الواحدة، مضيفا أن من ينفذ العمليات الإرهابية داخل مصر هم جماعة بيت المقدس، وليس الإخوان. وقد رفض الدكتور عماد جاد، أستاذ العلوم السياسية هذه الآراء من آلان جريش، قائلا: "مصر تعترف بكل طوائفها، والدليل هو دخول حزب النور في الانتخابات البرلمانية المقبلة، كما أن انتخابات 2011 لم تكن ديمقراطية وإنما تم تزويرها عن طريق الإخوان، ولا أحد يستطيع أن القول بأن الانتخابات البرلمانية المقبلة ستكون بطريقة غير ديمقراطية، إلا إذا حدث ذلك علي أرض الواقع"، كما انتقد جاد، الكاتب الفرنسي آلان جريش، موضحا أن مصر لا يمكن أن تعيش داخل حرب أهلية، وما يفعله الإخوان الآن هو ممارسة للإرهاب بكل أنواعها، والشعب المصري بصدد لذلك، فمصر بعيدة كل البعد عن الحرب الأهلية. ومن جانبهم، فقد ثار الجمهور الموجود في القاعة ليؤكدوا له أن المصريين متفقون مع حكم الرئيس السيسي وأن ما يثار في أوربا من أقاويل غير صحيح، وقد هتف عدد منهم في وجهه أثناء خروجه من القاعة، قائلين: "بنحبك يا سيسي.