لعل القارئ الكريم الذي تابع الأعمدة السابقة التي كتبناها عن السينما المصرية يدرك أننا نضع عودة السينما المصرية الآن كإحدي الضرورات الملحة لعودة دور مصر الثقافي بهذه القوة الناعمة التي لا تعدلها قوة أخري ( ولا حتي الرواية التي هي عشقي ومصدر وجودي ) فالسينما ، وحتي الطليعي منها ، هي وسيلة جماهيرية ، بمعني أن الشعبي منها ، له جمهوره ، والطليعي له جمهوره الأكبر من أي جمهور لأي فن آخر ، كما أنها في النهاية صناعة ضخمة يمكن أن يعول عليها من ناحية العاملين فيها ، أي أعداد منتجيها ، الذين يصلون إلي الآلاف ، بل والملايين ، كما كانت في السابق ، ومن ناحية الاستثمار فإن الفيلم مشروع مربح إن لم يكن علي المدي القصير ، فعلي المدي الطويل لا يوجد فيلم خاسر ، علاوة علي ما أسلفنا من الدور الثقافي وتأثيره علي الجماهير. ولعل المتابع لتاريخ نشأة السينما المصرية يستطيع أن يذكرنا بأنه حين أراد الرائد العظيم طلعت حرب إنشاء صناعة سينما مصرية فإنه (لأنه أراد بعث نهضة حضارية ) قام بتأليف شركة مساهمة تدعي كما يقول المؤرخ السينمائي محمد حافظ شركة مصر للتياترو والسينما الغرض منها أن تباشر لحسابها أو لحساب غيرها إنشاء التياترات والسينما واستغلالها . وكان إنشاء هذه الشركة في التاسع والعشرين من يوليو عام 1925 م وحدد رأس مالها بمبلغ 15 ألف جنيه قسم إلي 3750 سهما قيمة كل منها 4 جنيهات واشتري بنك مصر منها 2500 سهم " المهم انه اذا كانت صناعة السينما المصرية قد قامت بهذه الطريقة لم لا تعود هذه الصناعة المربحة بنفس الطريقة ؟ هل نحن أقل وعيا بقيام نهضتنا من طلعت حرب ؟ لقد أنشأ طلعت حرب صناعة السينما من العدم ، وإذا عرفنا بأنه لا تزال هناك أصول تمتلكها الدولة تقدر بالملايين ، فلم لا تؤسس عليها شركة مساهمة جديدة تدخل الدولة فيها بهذه الأصول؟ في العام 1980 أحيلت ملكية أصول مؤسسة السينما بما تضمه من دور عرض واستوديوهات ( وعلي رأسها أستوديو مصر العريق ) ومعامل إلي المجلس الأعلي للثقافة ، ثم أحيلت إلي الشركة القابضة للإسكان والسياحة والسينما احدي شركات وزارة الأعمال ثم أحيلت إلي شركة الصوت والضوء والسينما احدي شركات الشركة القابضة للسياحة والفنادق والسينما التابعة لوزارة الاستثمار حاليا. ومهما يكن وعلي الرغم من أن الإحالات المتكررة لأصول السينما من مكان إلي آخر ( ربما بقصد تذويب هذه الأصول في أمعاء أحد الحيتان من ناهبي المال العام ) إلا انه من الممكن اليوم اللحاق بما تبقي كنصيب للدولة في شركة جديدة ؛ شركة مساهمة تقوم بنفس الدور القديم التي كانت تقوم به الشركة المساهمة التي أنشأها الرائد العظيم طلعت حرب الذي كان يهدف إلي إقامة نهضة حضارية تبني بالاقتصاد المصري الوطني فهل هناك من يريد أن يحذو حذوه أم أن هذا ليس في أجندة السادة المسئولين اليوم ؟.