اثر شفائي من مرض عضال ، صرت أري الحزن والفرح بعيني . الحزن يمرق من الأبواب والنوافذ والشرفات دخانا أسود . رائحته تشبه رائحة طعام فاسد ، أو قمامة مختمرة ! يصحب السكان في أعمالهم وتنقلاتهم ، ثم يعود فيتسلي بهم في الغرف والصالات والحمامات ! تنكشف لي توا أسبابه : صدمة ، فشل ، فاقة ، فقد ! أما الفرح فيخرج نسيما أزرق هادئا ، برائحة زهرالقرنفل! لكن أسبابه تحجب عني ! يتلكأ في العودة ، ويقف الناس علي الأبواب ينتظرونه ! منذ أسبوعين ، يحتلني ذلك الدخان الأسود الذي ينبع من جميع منافذ العمارات . يغزو مسالك جسدي بقذارته و عويله . سرت محاولا سد أنفي حتي الاختناق! في عيادة الطبيب ، اعترفت له بما أعاني : - أسبوعان يا سيدي أتنفس السخام ، وتمتلئ ذاكرتي بالكوارث ! - جرب منطقة أخري ! ولا تذكر ذلك للعامة ! غرقت بعيدا في قاع المدينة ، نكهة الطعام الفاسد والقمامة المختمرة في كل مكان . تتجمع فوق البيوت . تتداخل في دوائر كما يتداخل الجن وقت التلذذ ! أجلس في مدخل عمارة حديثة . أفرغ معدتي بعنف . من نافذة عالية مغلقة ، لمحت النسيم الهادئ ينسل أنيقا ، معطرا . وقفت أتنفس فأفقت قليلا . مضي بعيدا في جلال ، لكن عطره في حواسي . أتقيم في تلك الشقة العالية ، دون بقية المدينة الفسيحة؟ رفعت بصري . النوافذ مغلقة ، وكذلك الشرفات . لابد من رؤية سكانها ! سأصعد علي قدمي مسترشدا بالرائحة . أمام الشقة وقفت مبهورا . دقائق مرت ، حتي استجمعت شجاعتي وقرعت الجرس . يأتيني صوت الرنين في الداخل مجلجلا . اصبعي أصابه الخدر . أردت أن أنصرف ، لا أستطيع ! بدأت أضرب الباب بقبضتي ، ثم بقدمي حتي ارتعش . الصوت الأجش المكتوم ، يقترن بالصمت فيلدا انقباضا . أعصابي خيوط مشتعلة . أركله بكل قوتي : - يا من هنا !