بيتر هاندكه روائي وشاعر وسيناريست نمساوي مرموق، أثارت آراؤه السياسية جدلاً واسعاً، وحصدت أعماله الإبداعية العديد من الجوائز الدولية. ولد في 6 ديسمبر 1942 بمقاطعة بانكوف ببرلين، وقت أن كانت خاضعة للاحتلال السوفيتي، لينتقل مع أمه في عام 1948 للعيش في جريفين. وفي حياة هاندكه حدثان لهما أثر قوي علي حياته، فلقد انتحرت والدته عام 1971، وكان هذا الانتحار موضوعًا لكتابه زحزن وراء الأحلام، تأمل في حياتهاس أما الحدث الثاني فيتعلق بزوج والدته السكير الذي رباه في بيئة ثقافية فقيرة، ما جعله يكره أن يقع تحت سطوة العادة والاستحواذ. في عام 1954 تم إرساله لمدرسة داخلية كاثوليكية. وهناك، نشر أولي كتاباته في الصحيفة المدرسية. وفي 1959، انتقل إلي كلاجنفورت حيث التحق بالمدرسة الثانوية، وفي 1961 التحق بكلية الحقوق جامعة جراز. وخلال سنوات الدراسة، اهتم هاندكه بترسيخ أقدامه ككاتب، والتحق برابطة كتاب جراز، وهي رابطة للكتاب الشباب، قامت بنشر كتيب يضم أعمالا لهم. وجدير ذكر أن إلفريده يلنك وباربرا فريتشموث كانتا من بين أعضائها. ترك هاندكه الدراسة في 1965، بعدما قبلت دار نشر »سوركامب فيرلاجس نشر روايته » The Hornets«. ولفت الانتباه عند ظهوره في اجتماع مع الفنانين الطليعيين (جماعة 47) في برينستون، نيوجيرسي، بالولايات المتحدةالأمريكية، حيث قدم مسرحيته (إهانة الجماهير). وأصبح هاندكه مشاركا في تأسيس دار فيرلاج دير أوتورين في 1969، وكان عضوا في جماعة (Grazer Autorenversammlung) من 1973 إلي 1977. وقام بكتابة العديد من سيناريوهات الأفلام وكذلك أخرج فيلم االمرأة العسراء،» والذي تم عرضه 1978. وتم ترشيح الفيلم لجائزة االسعفة الذهبيةب في مهرجان كان 1978، وحصل علي الجائزة الذهبية من سينما الآرت هاوس الألمانية في 1980 وقبلها فاز هاندكه بجائزة مهرجان الفيلم الألماني عن كتابة سيناريو فيلم Falsche Bewegungومنذ 1975، انضم هاندكه للجنة تحكيم الجائزة الأدبية الأوربية Petrarca-Preis). وبعد مغادرة جامعة جراز، عاش في دوسلدورف بألمانيا، ثم باريسوأمريكا (1978- 1979) وانتقل ليعيش في سالسبورج (1979 ذ 1988). ومنذ 1991 يعيش في تشافيل بالقرب من باريس. مثير للجدل في عام 2006، نشر مقالا بعنوان ارحلة إلي الأنهار: العدالة لصربيا»، وأثار جدلا واسعًا، لأنه صوّر صربيا من بين ضحايا الحرب اليوغوسلافية. وفي نفس المقال، هاجم الإعلام الغربي لأنه أساء تناول أسباب وتبعات تلك الحرب. فيما طالب الرئيس اليوغوسلافي اسلوبودان ميلوسوفيتشب بأن يكون هاندكه من شهود الدفاع عنه أمام المحكمة الجنائية الدولية، لكن الكاتب رفض ذلك الطلب. لكنه زار المحكمة كمتابع، نشر لاحقا ما دونه من ملاحظات في صحيفة (The Tablas of Daimiel). وفي 1999، كتب »سلمان رشدي« أن »هاندكه« قد فاجأ حتي أكثر معجبيه بما قدمه من مبررات متعاطفة مع نظام سلوبودان رغم كل ما ارتكبه من جرائم إبادة جماعية. وأشار إلي أن هاندكه سلمه أحد الفرسان الصربيين أمر الرئيس اليوغوسلافي سلوبودان ميلوسوفيتش للقيام بحملة دعائية خلال زيارته لبلجراد، ما يفسر كل ما تفوه به من هراء حول أن مسلمي البوسنة هم من ارتكبوا تلك المذابح بحق بعضهم البعض، ثم لاموا الصرب علي ذلك، وكذلك حول إنكاره الدائم لأي إبادة جماعية قام به الصرب في سربرنيتشا. وفي 18 مارس 2006، وأمام ما يزيد علي عشرين ألف من مشيعي سلوبودان ميلوسوفيتش، ألقي هاندكه كلمة وداع بالصربية أثارت زوبعة من الجدل في الغرب حول مدي قربه من الرئيس الصربي. لكنه أنكر أن يكون عبر عن سعادته بقربه من ميلوسوفيتش الذي عاش مدافعا عن شعبه. وأرسل لإحدي الصحف الفرنسية (Nouvel Observateur) رسالة تحتوي ترجمته للكلمة التي ألقاها في الجنازة: العالم، أو ما يُدعي العالم، يعرف كل شيء عن يوغوسلافيا وصربيا. العالم، أو ما يُدعي العالم، يعرف كل شيء عن سلوبودان ميلوسوفيتش. ما يُدعي العالم يعرف الحقيقة. لكنني أشاهد وأنصت وأشعر وأتذكر. لهذا أنا هنا اليوم، بالقرب من يوغوسلافيا، بالقرب من صربيا، بالقرب من سلوبودان ميلوسوفيتش. وتصدي الكاتب السلوفيني »دراجو جانكار« لمواجهة آراء ومواقف هاندكه فيما يتعلق بالحرب اليوغوسلافية، ودارت بينهما مناظرة مثيرة لفترة طويلة. الجوائز في 2006، تم ترشيح هاندكه لجائزة هينريش هينه، لكن تم التراجع عن منحه القيمة المالية للجائزة (50 ألف يورو) لأن منح هذا المبلغ مرتبط بموافقة مجلس مدينة دوسلدورف، وأعلن أعضاء منتمون للأحزاب الكبري في المجلس أنهم سيصوتون ضد منح هاندكه الجائزة، وهكذا تم سحب الجائزة. لكن في 2014، تم منحه جائزة إبسن الدولية، وصاحب ذلك بعض المطالبات للجنة التحكيم بالاستقالة. وأدان نادي القلم النرويجي هذا القرار. وصرح بيرنت هاجتفيت، متخصص في الشمولية الاستبدادية، بأن منحه الجائزة عار غير مسبوق، فهو شبيه بمنح جائزة إيمانويل كانط لجوبلز. لكن علي الطرف الآخر، رحب بالقرار حاصل آخر علي الجائزة، جون فوسيهس مؤكدًا أن هاندكه جدير بالحصول علي جائزة نوبل في الآداب. وبالإضافة لهذه الجائزة، حصل هاندكه علي جوائز أخري: جائزة جورج بوتشنر 1973، جائزة أمريكا 2003، جائزة جروبر الأدبية 2008، وجائزة فرانز كافكا 2009. وأخيرًا فإن بيتر هاندكه كان من ضمن تكهنات نوبل لعام 2014، وتوقع كثيرون أن يحصل علي الجائزة لما تتميز به أعماله من ثراء وتنوع.