كانت قصة الحب التي قدمها إحسان عبدالقدوس في »الرصاصة لا تزال في جيبي« نموذجاً مغايراً الحب عند المخرج محمد راضي في فيلم "أبناء الصمت" يخرج من دائرة المصادفات التي تصنع حرباً أو حباً، أو الافتتان بالانتقام من الإدارة السياسية ويقدم صورا متعددة للإنسان من لحم ودم في حضرة الذكري، تحضرني الصورة التي كنت أظنها كاملة التكوين وفيها ما يكفيها من الكلمات والاستعارات، ترنو الصورة وتقترب أكثر بإلحاح، في صغرنا حين كانت تهل ذكري حرب أكتوبر، كنا "نتمسمر" أمام شاشة التليفزيون ونبدأ ماراثون مشاهدة الأفلام الستة لحرب 6 أكتوبر، مفتونون في كل مرة بمشهد العبور، المشهد الثابت في كل الأفلام، وبالنهاية السعيدة لتلك الفتاة التعيسة طوال الفيلم التي تنتظر عودة حبيبها المجند من الجبهة، إذن هو الحب والنصر ما كان يصنع لنا إيقاع الفرجة. ولما كبرنا صرنا مفتونين أكثر بسؤال الخذلان السنوي، وشاركنا فيه بالمناسبة:" لماذا لم تقدم السينما فيلماً حقيقياً عن أكتوبر؟" وساعتها فقط أدركت أن الأفلام الستة لم تنصف حرب الساعات الست، ولم تقدم سوي مشهد أرشيفي للعبور ملحق بالفيلم علي خلفية قصص حب هشة ومنقوصة، فلا هي قدمت الحب ولا هي قدمت الحرب، وبالتالي خرجت من جدلية "الحب والحرب" التي أرقت العلماء والفلاسفة وأهل الفن والإبداع، فيزهو الفيلسوف اليوناني هيراقليطس بالحرب ويمجدها في كتابه "جدل الحب والحرب"، حيث يقول: "الحرب ربة الأشياء"، ويضع سيجموند فرويد تطبيقاته عنها متجاوزاً التقنيات السيكولوجية إلي آفاق أرحب في كتابه "الحب والحرب والحضارة والموت"، بينما تتحرر السينما العالمية من ثقب الإبرة وتصنع أفلاماً عن تلك العلاقة الملتبسة بين الحب والحرب، الشيء وضده، انفجارات القذائف وتشظي الروح. الحرب هي الغواية إذن والتشبث بالحياة هو الاختيار، القتلي في الحرب منسيون، والعشاق في السينما عشب الحكايات. 2 السماء تنخفض وطائرات العدو كالطوفان تقترب والجنود يتساقطون واحداً تلو الآخر والناجون منهم يقاتلون حتي النفس الأخير، هكذا تفتتح الصورة فيلم " العمر لحظة" (آخر أفلام سداسية أكتوبر الشهيرة/1978) ب "آفان تيتر" لمجموعة من الجنود يتبادلون إطلاق النيران مع العدو، بينما قائد المجموعة يحاول أن يتصل بقاعدته الرئيسية ليبلغها بإشارات لاسلكية أن الوضع علي الجبهة يزداد اشتعالاً، فيحصل علي الأوامر بالانسحاب الفوري من الجزيرة لأنه سيتم قصفها بالكامل، لنعرف أن الجزيرة/ الجبهة ما هي إلا جزيرة شدوان. تتساقط القذائف علي الجزيرة وينزل تيتر البداية فيما تصعد الصحفية نعمت سيارتها وتتجه إلي المستشفي حيث يعالج الجنود العائدون من هذه الموقعة لكي تقوم بإعداد تحقيقها الصحفي عنهم وعن عائلاتهم، وتبدأ أحداث الفيلم الذي يحاول أن يقنعنا أن تفاصيل الصورة المائعة التي تتكون علي مدار الأحداث هي تفاصيل جبهة وجنود وحرب، يمكن أن تثبت في الذاكرة الوطنية أو الوجدانية لتكون مسارا متجددا وليس مجرد نقط (ماضاوية) لايمكن استرجاعها، أو ما يمكن أن نطلق عليه تعبير أن السينما ليست مجرد ذاكرة إستاتيكية ولكنها نوع من أنواع الذاكرة الخصبة حسب عنوان أحد الأفلام الوثائقية عن القضية الفلسطينية. علي باب المستشفي تهرول سيدة تجاه الصحفية نعمت وتنادي عليها: يا ست هانم .. يا ست هانم عايزين حاجة!! ما نستغناش.. اللي أنا عايزاه فوق.. انصاب في الجزيرة اسمه عبدالعزيز، والنبي ما تكسري بخاطري زي الاتنين اللي وصيتهم قبلك. طيب تعالي معايا وأنا أخليهم يدخلوك لا.. ما اقدرش. أصل أمه جوه طيب.. أيه الخدمة اللي ممكن أعملها لك؟ بس يطل من البلكونة مش معقول.. تعالي معايا ينتهي هذا المشهد ليكون هو المفتتح لمنحي آخر في الفيلم، لقصة حب تم تطويعها ككل القصص الأخري التي احتواها الفيلم لتكون خلفية للحدث المفروض أنه الأبرز وهو حرب أكتوبر، وتم تدشينها حسب قناعات منتجة الفيلم وبطلته ماجدة الصباحي في النجومية التي تعتبر ظهرها وسندها القوي في الاختيار والعمل.. سعدية التي تقابلها علي باب المستشفي هي مجرد فتاة ريفية تعيش علاقة سرية وقصة حب في الخفاء مع عبدالعزيز أحد الجنود يكون نتيجتها الحمل، وهو ما لا يعلم به أهل الحارة التي يسكنونها ولا والدة عبدالعزيز، ومن هذه القصة شديدة الخصوصية نكتشف جرأة شخصية لهذه الريفية التي صنعت عالمها الاستثنائي بقوانينها هي بعيداً عن نظرة المجتمع إليها، فترفض أن تجهض نفسها رغم إصرار عبدالعزيز متجاوزة حبها الشديد له الذي يجعلها لا تكسر له كلمة، وتتمسك بأن تحتفظ في أحشائها بجزء منه، وعبدالعزيز ابن البلد الشهم الذي يصر علي الثأر لبلده بعد مرارة النكسة، ثم يقرر مواصلة شجاعته بالزواج من حبيبته سعدية لأنه لا يرد أن يكون شجاعاً في مواجهة العدو وجباناً في مواجهة نفسه والمجتمع، وحين يموت علي الجبهة يعترف ببنوة طفله المجهول من سعدية، تلويحة من الفيلم علي ما ردده المؤرخون كثيراً حول القيم الإنسانية التي علت أثناء الحرب وترفع البشر عن الحماقات التقليدية لتثبت فقط قيمة الدفاع عن الوطن، وهي علي كل حال نقطة علي حرف في إطار تنويعة الفيلم الميلودرامية وتيمته الرئيسية والمكشوفة منذ البداية حين نتابع أزمة نعمت النفسية بسبب خيانة زوجها لها وللمباديء عموماً في مجتمع يعاني هو الآخر من ذعر اسمه نكسة 1967، وحين يتعلق قلبها بمحمود ضابط الجيش وتنفصل عن زوجها، لتبدأ حياتها تتلون بالأمل والتفاؤل يستشهد محمود بين يديها في المستشفي، عناق أكبر مع جسد الميلودراما العملاق تنفرط خلاله سلسلة المصادفات في الفيلم عن آخرها. يخدعنا عنوان الفيلم فيبدو كأنه يحمل عمقاً فلسفياً مترامي الأطراف، لكن الفيلم لم يحقق هذا الفتح الفلسفي وجاء بتوليفة مفتعلة علي كل المستويات، وحتي قصص الحب هنا مبتورة وفق طريقة يوسف السباعي صاحب الرواية المأخوذ عنها الفيلم الذي كتب له السيناريو وجيه نجيب والحوار عطية محمد وأخرجه محمد راضي، الطريقة التي تختلط فيها المآسي بالحب، فلا هي قدمت قراءة في الحرب وتناقضاتها، ولا قدمت شهادة إنسانية عن الجبهة أو حتي كانت عيناً علي المجتمع وتحولاته لتجد ما تصيغه سينمائياً ليليق بالعنوان والتجربة. نفس السياق اتخذه يوسف السباعي في فيلم ثان هو "حتي آخر العمر"، أخرجه أشرف فهمي في العام 1975، مستخدماً القدر حجة لما تترتب عليه الأحداث سواء في الحب أو الحرب، نزعة وحيلة فنية لمواجهة الواقع والخضوع لحكم القدر، فكما جاءت الحرب علي خلفية قصة الحب المشحونة بالميلودراما والدموع كمصادفة عابرة تحاول أن تتقمص فكرة أنها أساسية ومحورية، فإن قصة الحب نفسها لم تنج من وهم أنها حقيقية، وإمعاناً في اللعبة أكثر يكون البطل طيارا في الجيش يحب فتاة لا تبادله الحب ولكنها توافق علي الزواج منه بعد أن أحبطت قصة حبها، ولأنه بالطبع طيار نجده يشارك في إحدي المعارك ويصاب ثم يصبح قعيداً وعاجزاً، فينتهي دور الحرب عند هذا الحد وكذلك تنتهي قصة الحب لتبدأ قصة الدموع والشك، وتوغلاً في المنحي الدرامي أكثر تتعرض الزوجة لمحاولة اعتداء من صديق الزوج لكنها تفلت منها ثم تظهر بوادر أمل في علاج الزوج تتزامن مع انتصار أكتوبر، صدف متتالية ترتبها الأقدار حسب نهج السباعي الميلودرامي الصارخ الذي يحتكم أكثر لرؤيته الرومانسية متجاوزاً عقيدته كضابط جيش حتي وإن جاءت رواياته متمحورة حول الحرب أو أحداث أخري تخص الجيش وضباطه. بينما كانت قصة الحب التي قدمها إحسان عبدالقدوس في "الرصاصة لا تزال في جيبي" نموذجاً مغايراً، فالفيلم الذي كتب له السيناريو والحوار رأفت الميهي ورمسيس نجيب وأخرجه حسام الدين مصطفي، بدا التشويه فيه متعمداً للمرحلة الناصرية وكان ذلك هو شغله الشاغل الذي جعل من (فاطمة) هي الصورة الرمزية المقصودة لمصر المنكسرة بعد 67 والتي تقع في الطين فينتشلها ابن عمها محمد (رمزاً للشعب) فيما جعل من عباس مغتصب فاطمة رمزاً لعبدالناصر مغتصب مصر كما أراد الفيلم أن يوصل رسالته وكما فسر النقاد هذه التركيبة المباشرة لفيلم كرس تفاصيله للهجوم علي المرحلة السياسية لحرب أكتوبر واشتغل علي قصة الحب بين فاطمة ومحمد المجند الشاب الذي لجأ إلي غزة عند أحد الفلسطينيين من الذين يساعدون المقاتلين علي الاختفاء حتي تتاح لهم سبل الفرار والعودة إلي أوطانهم. ويعود إلي قريته محطماً يائساً بعد أن رأي مقتل رفاقه جميعا أمام ناظريه. ومع ذلك يقف بجوار حبيبته في أزمتها مع غريمه عباس ويصمم علي الانتقام منه، ويشارك في حرب الاستنزاف ثم العبور ويعود ليتزوج فاطمة ولكنه يحتفظ بالرصاصة في جيبه. أما الحب عند المخرج محمد راضي في فيلم "أبناء الصمت" فيخرج من دائرة المصادفات التي تصنع حرباً أو حباً، أو الافتتان بالانتقام من الإدارة السياسية ويقدم صورا متعددة للإنسان من لحم ودم، ما يجعلنا ننسي ضعف فيلمه "العمر لحظة"، وربما يكون هذا فارق التعاون بين كاتب وآخر، لكن علي أي حال فإن المخرج محمد راضي قدم قصة حب من نوع استثنائي في هذا الفيلم المأخوذ عن رواية مجيد طوبيا، يعيشها هؤلاء الأبناء المدفوعون بثأر 67 والذين يكتبون تاريخاً آخر علي رمال سيناء في حرب الاستنزاف، وكل واحد منهم لديه حبيبة أو خطيبة أو زوجة أو عائلة تعتمد عليه، وهم يصنعون ملحمتهم الخاصة في المقاومة حتي يوم العبور، فيلم غير مفتون بصورة المعركة التي تحمست لها أفلام أخري فتعاملت مع فكرة الحرب كغيمة عابرة في فضاء سينمائي، لكنه احتوي علي تفاصيل إنسانية ومعاناة بشرية عاشها أفراد في لحظات بؤس وواقع مأزوم. وهذا الفيلم ينسينا أيضاً الفيلمين الآخرين في سداسية أكتوبر والذي وضح فيهما دون مراوغة أنهما مجرد قصتين ألحقت عليهما حرب أكتوبر ليدخلا ماراثونا سينمائيا مهووسا باللحاق بقطار أكتوبر دون هدف حقيقي سوي ألا يفوته القطار، فيلم "الوفاء العظيم" تأليف فيصل ندا وإخراج حلمي رفلة و"بدور" تأليف وإخراج نادر جلال وبطلهما محمود ياسين سوبر أبطال أفلام أكتوبر عموماً، وكلا الفيلمين اشتغلا علي قصة ركيكة ينحسر عنها السحر السينمائي، فلا هي تليق بأكتوبر كحدث عظيم ولا بقصص الحب كحدث المفروض أنه لافت علي خلفية مجتمع يعاني وطأة الحرب. هذا الهراء السينمائي الذي أحاط بتلك الأفلام، باستثناء أبناء الصمت، لم يكن هو العنوان الوحيد المقتبس من أجواء الحرب وحكاياتها الإنسانية، فسبقها ما قدمته السينما المصرية من قائمة طويلة لأفلام قدمت تنويعات علي حكايات المقاومة والحب ودارت كلها في محور الصراع العربي الصهيوني، واتخذت من الحرب سيرة تنسج أحداثها ربما خوفاً من النسيان أو التأقلم، كما أعادت صياغة الخيط الرفيع بين الحب والحرب منذ فيلم "فتاة من فلسطين إخراج محمود ذو الفقار، أول فيلم مصري عن حرب فلسطين وأنتج عام 1948، علي خلفية من قصة حب بين طيار في الجيش المصري وفتاة فلسطينية تساعده في عمليته الفدائية، و"الله معنا" 1955 إخراج أحمد بدرخان الذي يحارب في فلسطين ويقع بطله الضابط المصري في أزمته الضميرية بين حبه لبلده وحبه لخطيبته الذي يتورط والدها في صفقة الأسلحة الفاسدة والتي أصابته هو شخصياً بقطع ذراعه. وحتي فيلم رد قلبي" 1957 إخراج عز الدين ذو الفقار، الذي أبرز قصة الحب الشهيرة بين إنجي (الأميرة) وعلي (ضابط الجيش ابن الشعب الفقير) والتي نسجت هذه القصة علي مساحة كبيرة من الرومانسية الميلودرامية كما كتبها يوسف السباعي مشتغلاً علي الصراع الطبقي ومتطرقاً إلي مأساة حرب 1948 ثم ثورة يوليو التي كسرت الحواجز بين الحبيبين. إلي فيلم "نهر الحب" 1960 التي أنهت الحرب قصة حب نوال وخالد الذي استشهد دفاعاً عن فلسطين، وهي القصة المقتبسة عن الرواية الشهيرة "آنا كارنينا" للكاتب الروسي الأشهر ليو تولستوي ولكن بنفس مصري. 3 " في الحب والحرب" 1996 إخراج ريتشارد أتنبورو، الفيلم المأخوذ عن رواية بنفس الاسم للأديب الأمريكي إرنست همينجواي. وقام بالتمثيل يرسم صورة لعوالم الحرب العالمية الأولي من خلال قصة واقعية هي تجربة همينجواي نفسه في الحرب. فقد جرح أثناء الحرب ونقل إلي المستشفي، حيث وقع في حب الممرضة أجنس فون كوروفسكي (ساندرا بولوك)، ولكن العلاقة بينهما لم تنجح. وفضلاً عن حكايات الحب التي قدمتها السينما العالمية فوق فوهة بركان الحرب، فإن النزعة إلي الرومانسية غالباً ما كانت تعلو فيما أتون الحروب تشتعل، ربما كرد بديهي تجاه العنف والقتل، فكما نشأت الوجودية كرد فعل علي كوابيس الحرب العالمية الثانية وعبثية عدم وجود معني للحياة في ظل القلق من الفناء الشامل نتيجة الحرب والذي يسمونه العدم، هيأت السينما نفسها لموجة من الأفلام الرومانسية، لذا لا نندهش حين نعرف أن أجمل الأفلام الرومانسية ظهرت إبان الحرب، ومن هذه النقطة قدمت السينما الأمريكية في فترة الحرب العالمية مثلاً مجموعة من أجمل الأفلام الرومانسية ويأتي "ذهب مع الريح" 1939، ليكون الأيقونة التاريخية للرومانسية والرواية الوحيدة للكاتبة الأمريكية مارجريت ميتشل والتي دشنت أسطورة كلارك جيبل كساحر للنساء، يردد الرجال مقولته الشهيرة " بصراحة يا عزيزتي، أنا لا أجلب اللعنة"، والمثير أن الفيلم كما الرواية بالطبع، يدور حول انعكاسات الحرب الأهلية الأمريكية علي المزارعين الجنوبيين، وصعود المجتمع الصناعي مع فرض قيم المنتصرين، تحرير العبيد، وانهيار المجتمع الإقطاعي وتأثير ذلك علي الأفراد عبر قصص حب متشابكة ليصبح أكثر الأفلام الشعبية جاذبية، حتي إنه عندما سألت الصحافة منتجه ديفيد سيلزنيك عن شعوره إزاء الفيلم، أجاب قائلاً: "في الظهيرة أعتقد أنه إلهي، وفي منتصف الليل أعتقد أنه تافه. أحياناً أعتقد أنه أعظم فيلم في التاريخ. لكن، إذا كان مجرد فيلم عظيم فقط، سأظل راضياً". وإذا كان فيلم "مرتفعات ويذرنج" 1939، الرواية الوحيدة أيضاً لإيميلي برونتي، ظل كثيراً يداعب المخيلة الرومانسية للجماهير، فإن فيلم "كازابلانكا" 1942 اختار إيقاعاً مختلفاً للرومانسية منحه مكانة أسطورية، فالفيلم الذي يقدم قصة حب ميلودرامية تبدأ أحداثها في ملهي ليلي بالمغرب خلال الحرب العالمية الثانية بين ثنائي جسد دورهما كل من ريك بلين (همفري بوجارت) وإيلسا لوند (إنجريد بيرجمان) أصبح المرجع الأقوي لصناع السينما ومحبيها حتي إن الناقد السينمائي الإسباني خابيير كورتيخو يتساءل: كيف يعقل أن فيلما كتب بطريقة عفوية ارتجالية، قد تحول إلي كتاب السينما المقدس؟.. يتدفق اللاجئون إلي الدار البيضاء بعد سقوط فرنسا في الحرب وريك بلين الشاب الأمريكي يمتلك هناك أشهر حانة في المدينة تعرف باسم مقهي ريك الأمريكي، تعتبر موطناً لجميع الشخصيات المغمورة التي تقوم بأعمال مغمورة ولكنه لا يورط نفسه في شيء. وحين تظهر إيلسا لوند ذات ليلة في المقهي نكتشف من خلال اللفتات المتبادلة اتضح أن الاثنين علاقتهما الغرامية عندما كانا في باريس في الوقت الذي كان الألمان يغزون البلاد، وكيف تركته في محطة القطار دون أن ترحل معه، وهاهي تعود مع زوجها، وتتشابك أحداث الحب والحرب في الفيلم، حني ترحل إيلسا مع زوجها ويغادر ريك الدار البيضاء... "كازابلانكا" قصيدة سينمائية عن الحب والحرب والجاسوسية، وبالرغم من مضمونه السياسي إلا أنه لا يتذكره أحد إلا علي وجهته الرومانسية وقصة حبه المشحونة بذكريات الهوي وبهائه، وهو ما حفز المعهد الامريكي للسينما ليضعه في قائمته كأعظم قصة حب في تاريخ السينما الأمريكية، كما ظلت عبارات وجمل كثيرة من حواره تتردد لتكون جزءاً من إيقاع الحياة الواقعية. بينما أرملة شابة تحمي حبيبها من الألمان في فيلم "روما مدينة مفتوحة" 1944 الذي أخرجه روبرتو روسليني مشاركاً فيلليني في كتابة السيناريو، وهو الفيلم الأشهر عن المعارك المستعرة في روما في الحرب الثانية، وكعادته لم يتخل روسلليني عن خطه الإنساني كما اعتدناه في أفلامه، فقدم صوراً للنازي في مدينته روما وشجاعة المقاومة الإيطالية مولفة بالمشاهد الاجتماعية اليومية وقصص متعددة للحب، وقد وصلت أحداث الفيلم إلي أوجها في المشهد الذي تقتل فيه بينا، وهي تركض فيما يطلق الجنود الألمان يطلقون عليها رصاصهم دون أدني إنسانية. قصة حب أخري تغير مجري حياة النقيب الإيطالي أنتونيو كوريللي (نيكولاس كيدج) في فيلم"كابتن كوريللي ماندولين" 2001 إخراج جورج مادن، حين يترأس حامية عسكرية تحتل جزيرة سيفالونيا إحدي الجزر اليونانية أثناء الحرب العالمية الثانية، أهل الجزيرة لا يرحبون بوجوده هو وجنوده، لكن بما يمتلك من حس إنساني وفني يحاول أن يصنع مساحة من العيش المشترك، فيحضر حفلاتهم وأنشطتهم ثم يقع في حب بيلاجيا (بينلوبي كروز) إحدي فتيات الجزيرة وتتحول مهمته العسكرية إلي التماهي مع الجزيرة وأهلها حتي يصبح واحداً منهم يدافع عنهم فيما بعد ضد الغزو الألماني، ولما تنتهي الحرب وترحل الكتيبة يعود كوريللي إلي بيلاجيا مرة أخري، لتكون النهاية السعيدة ملائمة لطبيعة الفيلم التفاؤلية وانحيازاً للحب والرغبة الرومانسية في التغيير.