ارتأت صحيفة "أخبار الأدب" المهتمة بالشأن الثقافي في مختلف تجلياته أن تقدم للقارئ المصري والعربي ملفا عن الأدب المغربي الحديث الذي يكتبه الشباب، وهي مبادرة يجب تثمينها وتشجيعها لما لها من أهمية بالغة في التعريف بممارسة كتابية لها خصوصياتها المميزة، وكشف النقاب عن خصوصياتها لدي جيل الشباب الكتاب. وإذ تفعل "أخبار الأدب" ذلك فهي تسهم في فتح الباب مشرعا أمام النقد والبحث لتوجيه اهتمامهما معا صوب رصد أشكال المغايرة والاختلاف في هذه الكتابة بما يسمح بضبط أهم تحولاتها النوعية في علاقتها بتجارب الأجيال السابقة عليها. ولعل مهمة من هذا القبيل تتضمن في ثناياها القطع مع قناعات ترسخت حول كتابة الشباب تجعل منها مرتبة دوما في خانة دنيا بدعاوي غير مسوغة بما يكفي من المراعاة والتقدير. مما لا شك فيه أن الكتابة هي ممارسة ذات حساسية مشروطة بالزمن بما يعنيه من تحولات، والكتابة التي يمارسها الشباب لا تخرج عن هذا التوصيف، فهي تقام علي أساسين لا يمكن إغفالهما: الرغبة في التمرد بما يعنيه من تجاوز للأعراف الجمالية والأساليب المكرسة من قبلُ، والارتباط بأسئلة جديدة مبعثها تغير العصر والوسائط والأفكار. وإذا كانت كل كتابة محكوما عليها باستنفاد قدراتها في الاستجابة لما يطرأ من تحولات جديدة تتطلب تجديدا في الطرائق والرؤيات، فإن المعول علي إعادة الروح إليها يقع علي عاتق الشباب نظرا لقدرته علي المغامرة من دون وجود ما يكبله من تراكمات سابقة. وهذه المغامرة هي ما تسمح بالتجريب بحثا عنه أشكال جديدة تتوافر لها القدرة علي استرفاد الواقع المتحول، وإيجاد الأشكال الجمالية المناسبة له. يحتوي هذا الملف علي أضمومة تترجم حركية الكتابة لدي الشباب بالمغرب، وقد عملنا فيها علي اختيار مجموعة من الأسماء المبدعة التي تورطت بوعي أو من دونه في خطيئة الكتابة. وتعبر هذه الأسماء بذلك عن تجارب إبداعية تستند في ممارستها إلي توجهات معرفية وجمالية مختلفة، بيد أنها تكاد تلتقي جميعها- علي الرغم من هذا الاختلاف- في الهدف الجمالي العام الذي يحركها، والماثل في الرغبة في تحمل وزر الاختلاف غير المقيد مسبقا بأجندة كتابية ملزمة، مع ما يتطلبه ذلك من إعادة المراعاة إلي أسئلة الذات، والنظر إلي سؤال الحرية وجذريته من خلال متاحها لا غير. ولا تخطئ العين المدربة علي تبين هذا الأمر في مختلف أجناس التعبير من شعر وقصة ورواية ومسرح. كما أن هذه الكتابة صفت حسابها مع البطريركية اللغوية، فلم تعد تفحص جدارة أسلوبها في ضوء الصفاء النحوي، والمسكوك اللساني، أو في ضوء التعبير الذي تقام سيولته علي عضوية متلاحمة، هذا إلي جانب انفتاح اللغة علي ما يجاورها في اللسان العامي، وعلي الإصغاء إلي ما هو يومي. وما كان لهذا الجيل الجديد لينحت طرائقه الخاصة في الكتابة من دون التنبه إلي الأسئلة والإرغامات التي اصطحبتها ثورة الوسائط التكنولوجية، وما تفرضه هذه الثورة من تحولات جارفة علي مستويات التواصل و القراءة والنشر. يشهد الأدب المغربي اليوم طفرة نوعية وحراكا ثقافيا قويا تقودهما جمعيات المجتمع المدني، ومبادرات شخصية، ومؤسسات جامعية أغنت النقاش الفكري والمعرفي، وفتحت الكتابة علي آفاق كونية، وإمكانات متنوعة في التعبير؛ حيث لم يعد هناك نموذج ثابت أحادي النظرة أو مركز قائد يمنح صكوك الاعتراف، وكان نتيجة ذلك أنتفتح المبدع المغربي الشاب مشروعه الإبداعي علي الثقافات الإنسانية المختلفة بتنوع مشاربها، وفي قلب ذلك الانتصار للإنسان وحده، وللقيم النبيلة التي تضمن حريته من كل تصنيف قبلي متحجر. ولعل هذا الانفتاح العريض علي ما هو إنساني أصيل، وعلي ممكن الكينونة من حيث هي التقاء بأفق غير محدود بقوالب جاهزة هو ما جعل الكتابة تخلص من منطق التبعية والمركزية والهيمنة، هذا المنطق الذي عطل المشروع الثقافي المغربي والعربي وأجله لعقود عديدة. ولن نجانب الصواب إذا نحن ألححنا في هذا الملف علي ضرورة تجاوز النظرة الاختزالية إلي الثقافة المغربية، والتي تختزلها في مجالات محصورة هي النقد والفلسفة والترجمة، وبخاصة حين نلمس تألق أسماء مغربية كثيرة في مجال الإبداع علي الصعيد العربي شعرا وقصة ورواية ومسرحا. حتي أننا نستطيع القول بأن تجديد الأدب العربي هو قادم من المغرب. إن نشر هذا الملف حول مستقبل الأدب المغربي يدخل بكل تأكيد في إطار الحوار الثقافي المنشود بين المشرق والمغرب، وهو حوار بمد الجسور، ويربط الصلات بما يخدم الأدب العربي، ويفتح الآفاق أمام تبادل الخبرات والتجارب. وفعل من هذا القبيل من شأنه أن يقوي حركة الأدب داخل الوطن العربي، ويزيدها اغتناء. وبخاصة في هذا الزمن الذي تسود فيه الفرقة، ويتواري صوت الجمال والمحبة والتسامح.