نظرة ثاقبة متأملة ووجه جاد تخفي ملامحه علامات التفكر، ومظهر أنيق ومرتب تكاد تظنه عسكري النشأة، علامات قد تخدعك عند النظر لأول وهلة لصاحبها "أحمد رجب" عميد الكتاب الساخرين، فهو من جسد بقلمه عبارات ساخرة امتزجت برؤية فيلسوف ، اخترقت آلاما كثيرة بضحكات نابعة من أعماق القلوب، فمثله كمثل العباقرة لم يكن لديه وقت للحديث إلا بكلمات مقتضبة تفي بالغرض المنشود من وراء كلامه. ورغم أنه لم يكن طبيبًا أو متخصصًا في العلاقات العاطفية، إلا أنه حاول أن يضع الدواء ل"مرض" يتحمل طرفاه مسئولية الشفاء منه، فناقش عددا من المشاكل العاطفية بأسلوبه المغاير، ووصف الدواء في عدد من كتبه، بصفته "العاشق الساخر"، ومنها: "الحب هو" و"الحب وسنينه" و"يخرب بيت الحب". ولسنوات طويلة ظل كاريكاتير " الحب هو " يحتل الصفحة الأخيرة من جريدة الأخبار ليقدم الحب بصورة ساخرة تعتمد علي المفارقة . كتب عددا من أشهر "الروشتات" لعلاج مرضي "الحب" كما وصفه في كتابه "الحب هو" بعد أن وصل لتعريف متفرد له ، حيث قال عنه : "الحب هو مرض وراثي، فيه أوجه شبه كثيرة من الأمراض التي تصيب الإنسان، ففيه من أمراض القلب سرعة النبض والخفقان، وفيه من أمراض العقل عجز المريض عن التكيف والتقدير السليم للواقع الخارجي، وفيه من الملانكوليا أو الاكتئاب أو الأرق وفقدان الشهية وفيه من السعال أن العاشق لا يستطيع كتمانه، وفيه من مرض فقدان الذاكرة أن الإنسان يصحو ذات صباح فلا يذكر ولا يدري كيف ومتي ولماذا تزوج؟". ورغم وصف "رجب" للحب بأنه "مرض" إلا أنه لم ينكر ما به من جمال، حيث شبهه ب"كيوبيد" ابن الإله فينو س صاحب الجمال: "الحب جميل لأنه ابن الجمال، ففي الأساطير اليونانية أن كيوبيد هو الابن الوحيد لفينوس من جوبيتر، ولأن الحب جميل فهو يجمل كل ما يتصل به، ويجمل وجه المحبوب مهما صدقت فيه نظرة دارون، ويجمل عيوب من نحب، ويزوق سخافاته، وتختلط فيه الأكاذيب بالأحلام، فلا يعرف الإنسان أين أكاذيبه من أحلامه". ويري عميد الكتاب الساخرين، بنظرة عاشق ساخر، أن الحب هو الرغبة في إسعاد إنسان آخر بالعطاء بلا مقابل، ولهذا وجد الحب من طرف واحد، ولهذا أيضا لايعرف الإنسان لماذا يحب إنسانا بالذات، فإن هو وجد لحبه سببا، فهو ليس حبا بل مصلحة، وفي ذلك يقول المثل الأوروبي: "المرأة ومالها سرعان مايجدان زوجا". ويؤكد أهمية الرجل في حياة المرأة و العكس وسلامة تواجدهم في حياة بعضهم البعض من الاضطراب النفسي فيقول: "لا غني للرجل عن نصفه الحلو، ولا غني للمرأة عن نصفها الوحش، وقد أثبتت الدراسات أن اختفاء كل من المرأة والرجل من حياة الآخر يسبب الاضطراب النفسي، كما أن ظهور كل منهما في حياة الآخر قد يسبب الجنون! والرجل أكثر حاجة للمرأة فهي ضرورة نفسية وضرورة عاطفية، فالرجل يعتمد علي المرأة في كل مراحل عمره"، موضحًا أن الإحصائيات تكشف أن معظم نزلاء المصحات النفسية والعقلية من غير المتزوجين، والأعزب يوجد بالمصحة لغير الأسباب التي يوجد من أجلها المتزوج : " فالأعزب هنا في المصحة بسبب بعده عن المرأة التي أحبها، والمتزوج هنا في المصحة بسبب قربه من المرأة التي أحبها وقد يوجد المتزوج في المصحة لأسباب غير جدية فهو، كالعادة ، قد يدعي الجنون بعد قتل زوجته". وعلي الرغم من أن أحمد رجب، نال عددًا لا بأس به من الألقاب بشأن هجومه علي المرأة مثل "عدو المرأة" إلا أنه تمكن من الهروب من زخم المشكلات السياسية والفساد والقضايا العامة إلي وصف تفصيلي ودقيق للعلاقة الت يجب أن تكون بين الرجل والمرأة، فلقد كان عاشقا ناصحًا للعشاق بشكل كبير، حيث وجه رسائل قصيرة التراكيب كبيرة المعاني في كلمات محددة للعشاق في كتابه "الحب هو" ومنها: "أن تحسب لها ألف حساب"، و" أن تحبي سماع كل ما يصدر منه"، و"أن تنتظري رسالته بلهفة شديدة"، و"أن تكون مستمعًا جيدًا لها"، و"أن تصارحا بعضكما باستمرار"، و"أن تقرأ أفكارها بسرعة"، و"أن تظهر فرحتك بلقائها"، و"هو اللهفة إلي معرفة أخباره"، و"أن تلهمك بأفكارها الجديدة"، و"هو شعور متبادل بينكما". العبارات السابقة معبرة في حد ذاتها لكنها كانت تكتسب معاني مضادة تمنحها القدرة علي تفجير السخرية عندما ترتبط برسوم الفنان مصطفي حسين التي تقلب المعني رأسا علي عقب ! فعبارات أحمد رجب في الحب لم تكن نصائح عامة للعشاق بقدر ما كانت محاكاة لواقع وحقيقة الحب المجرد من الأسباب وتبادل المنافع، واعتمد عميد الساخرين علي إرسال النصائح الغالية في كلمات مقتضبة تحمل الكثير من المعاني والبراهين، فثمن أهمية الحب وتداخله بجميع مناحي الحياة وعرفه للمرأة بأنه: "هو أن تحافظي علي صحته مهما كان الخلاف بينكما، وهو التضحية من أجلها، وهو أن تعرفي قدره، وأن تحتكمي في الخلافات للأهل وليس للغرباء، وأن ترتاحي لوجوده أمامك دائما، والحب هو أن تتأثر بطباعها وألا تملي من النظر إلي وجهه". وبالرغم من تقديس الساخر أحمد رجب للحب في ذاته، إلا أنه لم يتجاهل حقيقة الزواج، التي وضعها الله لإحكام مفاهيم الحب، قائلًا: "إن الحب ضرورة للزواج فهو الطريق إلي النهاية وخاتمة المغامرة المجنونة، وأجمل ما في الحب جنونه، وفي الأساطير الإغريقية أن شيطان الجنون أشفق علي كيوبيد عندما رآه أعمي معصوب العينين فتقدم نحوه يقوده من يده وهكذا أصبح الحب: أعمي يقوده مجنون! ". ولم يزعم كذلك أن الحب شيء دائم الحياة لا يموت أبدًا فقرأته للحب ومعانيه كانت أقرب للواقعية وهو ما أكسبها المصداقية والرواج بين عموم قرائه، حيث قال إن: "للحب دورة حياة فإذا اكتمل مات إذ لا يعمر الحب طويلا إلا في الكتب.. الحب يحتاج إلي شخصين، وإن الحب من طرف واحد أمر غير طبيعي، إلا إذا أراد العاشق أن يكون فاعل خير". ويري أحمد رجب، أن أهمية الحب تكمن وراء التصرفات البسيطة بين العشاق، وليس بالضرورة بكثير من الكلام أو الهدايا رغم أنه لم يغفل دورهما في التعبير عن الحب، حيث يُعرف "رجب" الحب بأنه: "هو أن تترك فيها أثرًا بعد كل لقاء، وهو الشعور بأنك ولدت من جديد، وهو التجاوب وأن تتهيأ للقائها، وهو الحرص علي ألا تفوتك كلمة من بين شفتيها، وأن تحفظ من أجلها النكت الجديدة قبل اللقاء"، ومما لاشك فيه أن من الحب هو ألا تفكري في أحد سواه، وأن تعرفي حقيقته، وأن تهربي من الذكريات المؤلمة معه، وأن تعتز بمواقفها أثناء المحن، وهو الشعور بالوحشة إليها فور فراقك عنها، وأن تعرفي صوته بين مئات الأصوات، وأن تكتشفي فيه نفسك، وأن تتتبعي أخباره، وذلك بحسب ما يقر أحمد رجب في كتابه "الحب هو". ويقدم الساخر العاشق، للمرأة مقياس ريختر الحب لدي عشيقها في كلمات فيقول: "هناك مقياسً لا يخطئ تستطيع المرأة أن تقيس به صدق الحب هذا المقياس هو حنان الرجل"، موضحًا أن الحنان غير الحب، قائلا: "فالحب الحقيقي يفجر عند الرجل ينبوعًا دافئًا من الحنان يتمثل في تصرفات عفوية لا يخطئها احساس المرأة وأن العاشق يستطيع أن يقدم الضمة والقبلة وهمسة الغزل، لكن الحنان شيء آخر". "الحنان" هو الحب عند أحمد رجب، حيث عرفه بأنه هو أن تحس المرأة أن الأب بداخله أو الأخ الأكبر هو الذي يقدم حبه ورعايته وخوفه عليها، وهي تصرفات عفوية غير قابلة للافتعال ولا تصدر إلا عن حب صادق وحقيقي، فالحنان هو العملة الحقيقية للحب الكبير، والحنان لا يقبل إلا تفسيرًا واحدًا، هو أنها تعني عنده الكثير، وهو أن تنفس عن غضبك بأسلوب لا يؤذيها، وهو اللهفة إلي رؤياها قبل اللقاء، وهو أن تكشف ذاتك وأن تساعدها لكي تعبر عن نفسها، وهو أن تبذلي مجهودًا مضاعفًا لإرضائه، وأن تغمرها بالأشياء التي تحبها، وأن تقفي بجواره حتي يعلو". عبارات أحمد رجب عن الحب ومعانيه، كالنيل المتدفقة مياهه الذي لا يجف أبدا ولم تتوقف منابع جريانه عن السريان، وهو ما يميز أسلوب عميد الكتاب الساخرين عن غيره في وصف معاني وتعريفات الحب، فالحب لديه دورة حياة فإذا اكتمل مات، إذ لا يعمر الحب طويلا إلا في الكتب، بحد قوله.