الجمعة العظيمة: محاكمة وصلب المسيح وختام أسبوع الآلام    محافظ المنوفية: 47 مليون جنيه جملة الاستثمارات بمركز بركة السبع    شعبة المستوردين: الدولة نجحت منذ توافر الدولار وإعادة استقرار الأسواق وتوفير السلع    إدخال 237 شاحنة مساعدات من معبري رفح وكرم سالم لقطاع غزة    سموتريتش: "حماس" تبحث عن اتفاق دفاعي مع أمريكا    موعد مباراة الاتفاق والفيحاء اليوم في الدوري السعودي والقنوات الناقلة    بمشاركة متسابقين من 13 جنسية.. وزير الشباب والرياضة يطلق إشارة بدء فعاليات ماراثون دهب الرياضي للجري    الشارقة القرائي للطفل.. تجربة واقعية لقصة ذات الرداء الأحمر    نائب وزيرة التخطيط يفتتح أعمال الدورة الثالثة للجنة تمويل التنمية في الدول الأعضاء بالإسكوا    تطور جديد بشأن حماية المسنين والقومي لحقوق الإنسان يعلق    خطيب الجمعة الأخيرة من شوال: يكفي الأمين شرفًا أن شهد له الرسول بكمال الإيمان    تركيا: تعليق التجارة مع الاحتلال حتى وقف إطلاق نار دائم في غزة    نائب نقيب الصحفيين الفلسطينيين: 140 صحفيا فلسطينيا استشهدوا منذ 7 أكتوبر    تراجع ملحوظ في أسعار السلع الغذائية بالأسواق اليوم    وزير التنمية المحلية: بدء تلقي طلبات التصالح على مخالفات البناء 7 مايو    علام يكشف الخطوة المقبلة في أزمة الشحات والشيبي.. موقف شرط فيتوريا الجزائي وهل يترشح للانتخابات مجددا؟    ضبط سيدة في بني سويف بتهمة النصب على مواطنين    تحرير 2582 محضراً في حملات تفتيشية ورقابية على الأنشطة التجارية بالشرقية    توريد 107 آلاف و849 طن قمح لصوامع وشون كفر الشيخ    اليوم.. الإعلامي جابر القرموطي يقدم حلقة خاصة من معرض أبوظبي للكتاب على cbc    نقيب المهندسين: الاحتلال الإسرائيلي يستهدف طمس الهوية والذاكرة الفلسطينية في    أحمد السقا: التاريخ والدين مينفعش نهزر فيهم    التضامن تكرم إياد نصار عن مسلسل صلة رحم    «الإفتاء» تحذر من التحدث في أمور الطب بغير علم: إفساد في الأرض    هيئة الدواء تكشف طرق علاج قصور القلب، وهذه أهم أسبابه    خطوات التقديم على 3408 فرص عمل جديدة في 55 شركة    برشلونة يستهدف التعاقد مع الجوهرة الإفريقية    صحف إيطاليا تبرز قتل ذئاب روما على يد ليفركوزن    المطران شامي يترأس خدمة الآلام الخلاصية ورتبة الصلب وقراءة الأناجيل الاثنى عشر بالإسكندرية    الوزراء: 2679 شكوى من التلاعب في وزن الخبز وتفعيل 3129 كارت تكافل وكرامة    "مضوني وسرقوا العربية".. تفاصيل اختطاف شاب في القاهرة    ضبط 101 مخالفة تموينية في حملة على المخابز ببني سويف    إصابة 6 أشخاص في مشاجرة بسوهاج    انقلاب سيارة ربع نقل بالمنيا وإصابة 6 أشخاص    مصر أكتوبر: اتحاد القبائل العربية يعمل على تعزيز أمن واستقرار سيناء    رئيس البرلمان العربي: الصحافة لعبت دورا مهما في كشف جرائم الاحتلال الإسرائيلي    الفلسطينيون في الضفة الغربية يتعرضون لحملة مداهمات شرسة وهجوم المستوطنين    البنتاجون: نراقب الروس الموجودين في قاعدة يتواجد فيها الجيش الأمريكي في النيجر    أيمن سلامة ل«الشاهد»: مرافعة مصر أمام العدل الدولية دحضت كافة الأكاذيب الإسرائيلية    مدير مكتبة الإسكندرية: العالم يعيش أزمة أخلاق والدليل أحداث غزة (صور)    الليلة.. تامر حسني يحيي حفلا غنائيا بالعين السخنة    قصور الثقافة: إقبال كبير على فيلم السرب في سينما الشعب.. ونشكر «المتحدة»    زيادة جديدة ب عيار 21 الآن.. ارتفاع سعر الذهب اليوم الجمعة 3-5-2024 في مصر    «اللهم احفظنا من عذاب القبر وحلول الفقر وتقلُّب الدهر».. دعاء يوم الجمعة لطلب الرزق وفك الكرب    «أمانة العامل والصانع وإتقانهما».. تعرف على نص خطبة الجمعة اليوم    أسعار الأسماك اليوم الجمعة 3-5-2024 في الدقهلية    لإنقاذ حياة المرضى والمصابين.. أمن بورسعيد ينظم حملة للتبرع بالدم    عبد المنصف: "نجاح خالد بيبو جزء منه بسبب مباراة ال6-1"    محظورات امتحانات نهاية العام لطلاب الأول والثاني الثانوي    رئيس اتحاد الكرة: عامر حسين «معذور»    هل مسموح للأطفال تناول الرنجة والفسيخ؟ استشاري تغذية علاجية تجيب    حكم لبس النقاب للمرأة المحرمة.. دار الإفتاء تجيب    كيفية إتمام الطواف لمن شك في عدد المرات.. اعرف التصرف الشرعي    تشكيل الهلال المتوقع أمام التعاون| ميتروفيتش يقود الهجوم    الناس لا تجتمع على أحد.. أول تعليق من حسام موافي بعد واقعة تقبيل يد محمد أبو العينين    «تحويشة عمري».. زوج عروس كفر الشيخ ضحية انقلاب سيارة الزفاف في ترعة ينعيها بكلمات مؤثرة (صورة)    رسالة جديدة من هاني الناظر إلى ابنه في المنام.. ما هي؟    أحكام بالسجن المشدد .. «الجنايات» تضع النهاية لتجار الأعضاء البشرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فؤاد حجازي في "صهيل المحارم"
واقعية نقدية .. مبشرة ومحرضة

تكمن ملامح المبدع الحقيقي في قدرته علي التجاوز والعبور من مساحات الظل إلي فضاء الإبداع المبهر، من خلال ما يشتغل عليه من صياغات إبداعية جديدة، علي المستويين الشكلاني والمضموني، وهي تتوغل في مساحات الواقع الأكثر ظلاماً، فيغوص في مداخلها الضيقة كاشفاً عما يفسدها ويطفئ نور الحياة في جوانبها، وقد غرق مفسدوها في مستنقعات مصالحهم الخاصة، غير عابئين بما يدور حولهم، ولا يلتفتون إلي من يشاركهم تعب الحياة ونصب العمل والمتضررين جوعاً ومرضاً .
من هذا المنطلق، لا أكون مغالياً في شيء، إن قلت: إن المبدع، المثقف التقدمي (فؤاد حجازي) الذي انتصر بقلمه علي الفاسدين والمفسدين، وتفوق بإصراره علي تجاعيد الزمن، مصراً علي البقاء في المنصورة قلب الدلتا التي أنجبته واحداً من أهم مبدعيها، وأكثرهم اهتماماً بقضايا الوطن والإنسان، استطاع برؤيته النافذة، وقدرته الإبداعية المتقدة، أن يتصدر مبدعي زمنه: فأرسل قلمه حزمة ضوء تنير فاتنازيا الحياة، وهو يرجف الذاكرة ويفتح تلافيف العقل، يبث روح الأمل بأن مخاض الحياة.. الحلم.. وإن توقف، أو تأخر، فإنه قادم لا محالة، وهذا ما حاول أن يرصده في روايته ( صهيل المحارم) التي شكلت إحدي بشارات المستقبل، الذي أخرج القمقم من محبسه، ثائراً تقدمياً اشتغل بروح إيمانه، وثقة إبداعه علي تطهير الواقع من فساده ومفسديه.
والمبدع الفنان في روايته، يمارس لعبته الفنية المعروفة التي أصبحت علامة مميزة لشغله الإبداعي بصورة عامة، وهي الغوص في القاع الإجتماعي، حيث ينفض الغبار عن سلبياته ومتناقضاته، مشتغلاً علي أسلوب الواقعية النقدية لواقع معاش ينكأ مواجع الإنسان، ويرده هزيلاً، مريضاً، مستضعفاً .
ولعل وقفة صغيرة عند العنوان المراوغ (صهيل المحارم) تكشف كثيراً عن مفاتيح شغله علي الرواية.
يضعنا العنوان أمام معادلتين :
في المعادلة الاولي (صهيل) ودلالته واضحة ومعروفة، فالصهيل صوت الفرس، فما علاقته بالمعادلة الثانية (المحارم) جمع محرم والمحرم الذي حرمه الله علي المرأة من أخ أو عم أو خال، فهل يقصد المؤلف المحرم البشري الذي يصطحب أمه أو أخته في سفر ما أم نوعاً أخر من المحارم ؟
المؤلف لا يدعنا نغيب كثيراً في منحنيات الأسئلة والأجوبة فالقضية أبسط من ذلك، حيث أبدي بعض أعضاء مجلس المدينة أسفهم عن فضائح الحمير في الشوارع وهي تمارس الجنس جهاراً (حيث يتجمهر الناس، والنساء يدارين وجوهن خجلاً وبعضهن ينصرفن، والأولاد يضحكون ويتغامزون، والحوذي المنكوب عاجز عن فك الاشتباك بين حمارته وحمار حوذي آخر، وهذا التجمهر يعطل الناس عن الذهاب إلي أعمالهم، مما يتسبب في انخفاض الناتج المحلي، وفي عدم قضاء حاجات الناس، فضلاً عن تأثير هذه الفضائح علي الأخلاق العامة ص:48
ويدور نقاش حاد بين أعضاء المجتمعين لبحث هذه القضية المهمة، فيدلي كل منهم برأيه حسب اختصاصه: (قال مفتش الصحة: أحب أن ألفت الانتباه إلي النهيق الذي يتصاعد من الحمير، سواء بسبب منعها من مزاولة الجنس أو لسبب أخر.. وأنهم أدري مني بما يحدثه الضجيج من أثر علي الصحة العقلية) .
قال أحد الأعضاء، لابد من وجود محرم مع الحمارة، علق رئيس الرابطة (عريش عربات الكارو الصغيرة التي تجرها الحمير، مجهز لتعليق حيوان واحد، وليتعلق محرم في العربة التي تجرها حمارة، يستدعي الأمر تصنيع عربات جديدة، وفي هذا كلفة لا يقدر عليها أصحاب العربات.
قال عضو آخر: أقترح وضع كسوة علي الحمارة تحجب جسدها عن أي حمار مار .
قال رئيس اللجنة : لابد من وضع كسوة ايضاً علي الحمار، فربما كان فتنة لأي حمارة مارة، وإذا كان العضو الكريم اقترح وجود محرم مع الحمارة، فالعدالة تقتضي منا أن نقرر وجود محرمة مع الحمار طلب الطبيب الكلمة، فقال: وجود كسوة من عدمها لن تؤثر ، لأن الأمر مرتبط بغريزة تعبر عن نفسها.. حال نضوج الحيوان.
قال صاحب الاقتراح: نرفع توصية لمجلس المدينة لاستصدار قرار بمنع أي حمارة من العمل بعد النضوج .
قال رئيس الرابطة: سيتعطل من يملك حمارة علي العمل، قال اختصاصي علم نفس الحيوان: وقد يتسبب هذا في اكتئاب الحمارة، نظر رئيس اللجنة إلي الاختصاصي وقال: المحرم والكسوة، لن يضمنا عدم التهارش، فالحمار والحمارة يعبران عن مشاعرهما بصرف النظر عما يوضع فوقهما، وحتي الآن لم يتوصل العلم إلي وسيلة تمنع إظهار الود والألفة) ص: 49-50
وعندما يعجز المجتمعون عن إيجاد الحل المناسب لهذه المشكلة يطلب تأجيل مناقشة هذا البند، لإجراء مزيد من التشاور مع المختصين.
في هذا الاجتماع يضعنا المؤلف أمام مفاتيح العنوان ودلالته التي تتجاوز موضوع العلاقات الجنسية بين الحمير إلي آفاق أكثر بعد أن أفصحت عنها وبجرأة أدبية عُرف بها الأديب فؤاد حجازي الذي دخل بروايته إلي واقع محدد بناسه وعلاقاته ولكنه يملك آفاقاً رحبة وواسعة في الواقع الحياتي، وربما لم يدخله أحد من قبله بهذه الخصوصية، خصوصية ما يدور في مجلس المدينة الذي كان أحد العاملين فيه خلال فترة ماضية، فيكشف عن كثير من الممارسات الخاطئة في إدارات المجلس المختلفة، كإدارة تراخيص عربات الكارو والإدارة الصحية، وإدارة الإشغالات والمرور، مفسحاً للرؤي لدخول هذا العالم، والكشف عن طريقة تفكير العاملين فيه، وأساليب تعاملهم مع الناس وتجاوزاتهم لكثير من الأنظمة والقوانين من أجل مصالحهم الخاصة، مادياً ومعنوياً وحتي جنسيا.ً
وحتي يوغل الكشف في تجسيد العيوب، قسم الرواية إلي سبعة عشرة فصلاً، أعطي لكل فصل عنواناً كاشفاً ودالاً لمجريات أحداث الفصل نفسه، وهذه العناوين جاءت علي الشكل التالي :
1- الكشف . 2- الحملة .
3 النتيجة . 4- المذكرة .
5- زينة . 6- المواقف .
7- النهيق. 8- الصهيل.
9- النظرات. 10- الجودة.
11- المحرمة . 12- المتأخرات.
13- التأشيرة. 14- التحقيق .
15- الحجز. 16- الجوع .
17- الشوار .
والمؤلف في تقسيمه الرواية إلي فصول معنونة، يحاول أن يعطي لقلمه فرصة أكبر للتوغل الكاشف في مداخلات كل إدارة من إدارات مجلس المدينة، حيث تتوزع المواقف التي أفسحت مجالاً لنهوض الكوميديا السوداء التي تابعت خط دراما الرواية ونقلته عن طريق الفصول من مستوي إلي آخر من دون أن تبتعد أو تنفصل عن الهدف العام الذي اشتغل الروائي عليه، وهو الكشف الناقد لكل ما يجري داخل غرف مجلس المدينة من حالات كان معظم أبطالها الناس المستضعفين أصحاب عربات الكارو والتي تجرها الحمير، فهم الشغل الشاغل لموظفي المجلس، حيث تبدو شخصيات العاملين في تفتيش العربات والمسؤولين عن سجل العربات والحصول علي رخصها، وتعرفهم لمساءلات شرطة المرور ومخالفات الإدارة الصحية .
(ولاحت عربة كبيرة، محملة بصناديق ورقية، أغلب الظن تحوي زجاجات من زيت الطعام وصابوناً ويجرها حصان وحمار وتسير في اتجاه الخروج من المدينة .
رفع خضر يمناه حتي وقفت العربة، وقال: ينفع ؟ قال الحوذي وهو يناوله الرخصة: الحصان الثاني عنده إسهال ربت خضر بإحدي يديه علي رقبة الحمار، وقال: لا يجوز، قال الحوذي: مرتبط بمواعيد.
تطلع يونس القفطي إلي خضر وأغمض عينيه، وأطاح برأسه للخلف، فقال خضر : كأننا لم نرك مرة ثانية، قال الحوذي وهو يهرول أمام العربة، وقد وضع جلبابه في عبه: ابداً وشرفك ص:10
وفي موقف آخر ومن خلال مستوي سردي قائم علي الحوار تنهض قضية التراخيص : ( جلس إلي كرسي بجوار المكتب، وقال الرخصة باسم الولد
- كم عمره ؟
- إحدي عشرة سنة .
- يلزم حضوره للتحقيق من إجادته لقواعد المرور وآدابه .
- ضحك الرجل وقال : عسل ..
- اعملها باسمك، وناوله استمارة ليملأ بياناتها .
سأل الرجل : رقم الدراجة؟
رد خضر : في المبايعة .
- ليست معي .
- ترفق بملف الترخيص، وطلب من راشد الناوي أن يلقي نظرة علي الدراجة في الخارج، وسوف يجد الرقم محفوراً علي الكارو)، وفي لقطة أخري يتوقف الراوي عند مرض الحصان المصاب بإمساك وتتداخل الصور بين إمساك الحصان والخواجة الذي ينقب عن الآثار ورغبته في شراء العربة ( انفرد سالم به، لكنه لم يره، فقد زغللت الفلوس عينيه، نهض سالم، دعك ظهر الحصان وبطنه، أحضر (سلاميكي) للتليين، وقربه من فم الحصان، لوي رأسه فخايله، وأخذ يفرك مقدمة رأسه حتي حرك فمه، ويتداخل السرد في حكاياته الخاصة وتركة للمدرسة ليبقي الحصان بؤرة الحدث (أحس
باستسلام الحصان، فاقترب من رأسه، وبعد أن شطفه بكذا جردل من الماء، وعندما رعش الحصان جسده نافضاً ما علق به من قطرات أدرك أنه استرد عافيته، وتأكد من ذلك حين حمحم، وضرب بأحد قائميه الأماميين الهواء ص:37
وفي موقف آخر يطالعنا الراوي بكتاب يصل إلي رئيس مجلس المدينة برفع الظلم عن الحيوانات التي تجر العربات ما بين أحصنة وحمير، فالحصان يتحض به الفارس، والذي لا يجف له لبد تحت سرجه يسمي الحمار بصبره وقيل في المثل : فلان أصبر من حمار في الحرب وهكذا نري أن الخيل والحمير كانت دائماً في معرض الشجاعة والإقدام، والصبر علي مكاره الحرب.
ومنذ سنوات قليلة، فاز حمار مدينتنا بلقب أحسن حمار في العالم في المعرض الزراعي العالمي وأصبح مطلوباً من الجيوش التي تضطرها الظروف إلي خوض حرب في الجبال ذات المسالك الوعرة فحمارنا الوحيد القادر علي السير فيها محملاً بالمؤمن والعتاد.
أين هذا، مما نضعها فيه اليوم، نضعها في موقع الإهانة، وجر القمامة، يجرها الحيوان المسكين أمام المجازر والحظائر.
ونواصي الحارات، ويتحمل روائح كريهة، عفنة، لا يطيقها بشر أليس هذا حراماً .
نربأ بكم أن تتقوا الله في أنفسكم، وفيما ملكتم، وتعملوا علي رفع الإهانة عن الخيل والحمير، ونهيب بكم عدم الترخيص لعربات القمامة) ص:40
بمثل هذه الأساليب الساخرة والمرمزة ينتقل الراوي في فضاءات دوائر مجلس المدينة كاشفاً عن كثير من الحكايات السلبية التي ربطها لجزء يراه بعضهم غير مهم، بينما هي في الواقع عالم يرتبط بكثير من الأسر والحياة الاجتماعية المرتبطة بعربات الكارو وأحصنتها وحميرها ومن يعيش علي وارداتها والطلب إلي إيجاد مواقف لها) ص:44، ثم يحيلنا الراوي إلي مشهدين يحملان كثيراً من المعاني، مشهد النهيق التي اجتمعت لجنة الثقافة والإعلام من أجله)ص:48، ومشهد الصهيل وحاجة الحمير إلي الغذاء ص :58،59، ويأتي الموقف الأكثر سخرية والذي يشير إلي أن الله أحب المدينة (لأنه حباها بالأرقط فعنده القدرة لجر عدة عربات في شوارع مختلفة في وقت واحد، كما أكد كثير من شهود العيان، إلا أن التقنية المتوفرة لديهم حالياً، لا تمكنهم من تصنيع عربة حنطور تستطيع السير في عدة شوارع في وقت واحد) ص:73
ولا يغيب مرض الحمير والأحصنة وعلاقة ذلك بصاحبه كما حدث مع مرض حصان سالم، ص:78 ، وموعده مع آية، ص:79 وألا يسير الأرقط دون محرمة بجواره، ص: 80، وشكاوي المتأخرات، ص(84-86-87-89-90) ومرض الزوجة، ص(96،98) وفي التحقيق تنكشف كثير من الحقائق (لم يصدق نفسه حين واجهه المحقق بما جاء في أقوال راشد الناوي ننصحك بعدم قيد من سقطت تراخيصهم، ولما نفي ذلك عاجله) ولماذا قيدت أسماءهم في كشوف الصرف، فأجاب، ليحصل منهم المتعهد عند ذهابهم بصرف حصتهم علي الضريبة) ص:99، إلي آخر التحقيق الذي يكشف عن كثير من الممارسات الخاطئة التي نقلها المؤلف من الفضاء الواقعي الذي عاشه شاهداً مقرباً لكل ما حدث بحكم عمله في القطاع نفسه، ثم نقله إلي الفضاء الروائي متابعاً وكاشفاً وناقداً فاضحاً لمثل هذه الممارسات التي أساءت إلي الإنسان العادي البسيط الذي ارتبط رزقه بعربة بعجلتين يجرها حمار أو أربع عجلات يجرها حصانان ليقع وحيواناته تحت سلطة وسلطات رجال مجلس المدينة، يطاردنهم برزقهم ورخصهم وتحديد مواقفهم، مما جعل فصول الرواية بأحداثها السلبية، وشخصياتها التي أتقن المؤلف رسمها، وترسيمها من الخارج المظهري، والداخل النفسي متابعاً دورها بحساسية الفنان المرهف، مستغلاً تقانة أسلوبه الإبداعي، المنحاز دائماً إلي الحق والعدالة، وحتي يحقق الهدف كثيراً ما كان يميل إلي مزج الجد بالهزل، والسخرية البيضاء بالسوداء الموجعة والمؤلمة مما يثير المتلقي ويضعه أمام عينيه، فتدفعه الأحداث المؤلمة وما تفرزه من أضرار نفسية وربما جسدية إلي رفضها والثورة عليها، مشكلاً بذلك حالة متوقدة ومتوثبة من حالات الإبداع الناقد والمحرض، الذي لا يكتفي بالنقل التلغرافي، أو التصوير العادي، وإنما يدخل عمق الأحداث، ويتشابك معها، حتي يظهرها علي حقيقتها من دون مواربة، فيقف موقف الناقد الواعي والملتزم.
فقدم سرداً روائياً كاشفاً عن كواليس مما حدث في مجلس مدينته، فيجمع بين رؤية الفنان للواقع الذي يراه يشد المجتمع إلي الخلف، ويغرقه في أقبية الفساد والرشاوي والتسلط علي رقاب العباد، وصلابة المبدع المثقف الرافض لكل شكل من أشكال الظلم والتقشف وقد جمع الرؤيتين في وحدة نقاء الإنسان المصري وحكمته، وروعته في الشغل علي حياة أكثر حرية وتقدماً فكانت الواقعية النقدية قاسماً مشتركاً في معظم ما كتبه من قصص وروايات، التي لا هم لها سوي العمل علي طريق السرد المحرك وأساليبه المنبهة، وأفياء المقهورين وتوثيق الأزمنة التي عانت من فساد المسيطرين والمهيمنين ومن خلال المكان الذي غالباً ما تكون حدوده ضيقة في الفضاء الروائي، بينما هي أكثر اتساعاً وشمولية في الفضاء الواقعي الذي يأخذ من جوانبه المظلمة، فيغوص في أعماقها، مسلطاً ضوء إبداعه فتشع الزاوية الضيقة تنير المساحة الكلية، وبذلك تتضافر جهوده الإبداعية، وتتدفق مواقفه وهو يواجه واقعاً أسود ومظلماً لابد أن يخرج المتعبون منه علي فضاء الحياة الناهضة علي أعمدة الحق والعدالة، وهذا ما حققته رواية "صهيل المحارم"، فالصهيل صوت المظلومين المحرومين، وما المحارم إلا رمزاً يتجاوز الخيول والحمير وعلاقاتها الجنسية والتي تقود عربات الكارو وهي محارم المجتمع بأكمله وقد أهينت بفعل الفساد وممارسات الفاسدين وما مجلس المدينة إلا زاوية من زوايا المجتمع الكبير الذي لابد من تطهيره من كل ما يفسد الحياة، ولذلك كان لابد للصهيل أن يرتفع ويقوي حتي يتحقق العدل وتسود المساواه في كل شيء، ولذلك اشتغل فؤاد حجازي بإخلاص علي مشروعه الإبداعي، التقدمي، الذي هو بالأساس مشروع حياة فاضلة تنقل إنسانها الكادح إلي ضفاف أكثر أمناً وعدلاً وحرية، وكما قال عبد الفتاح عبدالرحمن في تقديمه للرواية نفسها (في صهيل المحارم لا يضع بقلمه فانتازيا تأثراً برجف الذاكرة، أو هجس النفوس إنه يقتطع من جسد الحياة ما هو مألوف، حتي يكاد لشدة ألفه يصبح عادياً، كوجه شائه من الإيلاف والرتابة .
فكيف حين يقدمه لنا، تقشعر منا الأبدان، وترتجف النفوس؟ فما لم نكن ندركه تحت طائلة الحاجة، والسعي في متطلبات لقمة العيش، أدركناه من خلال كتابات فؤاد حجازي التي هي دعوة بإطلاق صرخة للحياة مع كل من لم يخرجوا من مخاض الميلاد الجديد بعد. وإن من يضعون دينامية الأدب، يعرفون جيداً أن تسليط بقعة من الضوء علي مساحة مظلمة في حياة الإنسان تعتبر رغم ضآلة حجمها آية كبري من آيات الفن الخالد) .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.