في ظل التطور الهائل الذي تشهده الصورة والتقنيات الحديثة أصبح من العسير جدا أن يصل الفنان لحالة التفرد والخصوصية، ولكن حين تقف في منتصف القاعة تتأمل أعمال الفنان سمير فؤاد، فلا شك أنك ستصاب بالحيرة من قدرته علي خلق عالمه التشكيلي بهذا التميز، بل ووصوله لروح الموضوعات التي يطرحها لتتساءل: هل استطاع أن يتقن التحكم في أدواته الفنية لتلك الدرجة أم يتقن موضوعاته التي يطرحها حد التجلي، لا سيما حين يتعلق الأمر بعالم الموسيقي الثري؟. ففي معرضه الأخير الذي استضافته قاعة بيكاسو تحت عنوان "مقامات" وضم ما يقرب من 30 لوحة، استطاع الفنان أن يرسم الموسيقي كما لو كنت تسمعها، أن يغوص في بحر النغم، وأن يثري المشاهد بثقافته الواسعة في عالم الموسيقي . والموسيقي في حياة الفنان سمير فؤاد هي أسلوب حياة، هي تلك العصا السحرية التي تطلعه علي أسرار عوالمه التشكيلية، بل إن الحياة عموما وحياته خاصة - كما يصفها الفنان- تدور في فلك الموسيقي، بداية من ذبذبات الكون الغامضة وتجليات الطبيعة الثرية إلي ترانيم العمال البسطاء وهم يكدحون أو زغاريد النسوة وهنّ يعبرّن عن أفراحهنّ بفطرة ممتدة عبر آلاف السنين، ولذا تجدها حاضرة في أكثر من معرض ومنها "شهرزاد ترقص"، و"إيقاع الزمن" وكذلك "مقامات ". والمقام كما يصفه الفنان هو مكان القدمين وهو المجلس والمكان الذي تسكن إليه، وهو الطبقة أو المنزلة التي يتبوأها الشخص بين أقرانه، وهو المجال فلكل مقام مقال، وهو طبقات الصوت وطبقات التصوف والتجلّي. والمقام في الموسيقي هو تتابع النغمات بحيث تخضع المسافات التي تفصل بينها لقاعدة ثابتة، ويخلق كل مقام حالة حسّية وجدانية خاصة به فهناك مقامات مشرقة أو مبهجة وأخري داكنة أو حزينة. والمقام في الفنون البصرية هو الحالة الحسيّة والوجدانية التي يخلقها لون معيّن أو مجموعة العلاقات اللونيّة في العمل الفني. ومن خلال لوحاته أكد الفنان سمير فؤاد أن هناك كثيراً من العلاقات الواضحة التي تجمع بين الموسيقي والفن التشكيلي، فالمقام في الموسيقي يشكل الحالة الحسية للنغم وكذلك مقام الألوان أوكما يعرف بالتون اللوني، كما أن الهارموني أو التناغم هو عامل مشترك، وهناك أيضا تنظيم الزمن والإيقاع والبناء الصوتي في مقابلة البناء اللوني، وغيرها من العلاقات المتداخلة. ويمكنك أن تلمح في كثير من اللوحات مساحات لونية كبيرة حين ينسحب الموديل إلي أسفل اللوحة، تاركا مساحات لونية فارغة تجسد تشكيليا حالة السكتة الموسيقية. وقد قدم سمير فؤاد رباعية تشكيلية موسيقية من خلال معرضه الأخير، تمثلت الأولي في "الحالة" والتي قصد بها الحالة الموسيقية التي يجسدها في اللوحة، ثم التحديد والتعريف من خلال "المقام"، تلاها "العبور" والتي قصد الفنان بها العبور من حالة إلي أخري . يقول الفنان إن في السيمفونية الخامسة لبيتهوفن لحظة فارقة يلخص فيها أمانيه وقناعته، فعند الانتقال من الحركة الثالثة للحركة الرابعة تدخل الموسيقي إلي منطقة غامضة تهمهم فيها وكأنها تتلمس طريقا لا تتبينه ثم تنفرج الغمّة وتحس بإشراق مفاجئ وكأن أشعة الشمس قد اخترقت مثل رمح وضّاء كثافة الغيوم لتنير لنا السبيل، ثم تنفجر الموسيقي صدّاحة هادرة معلنة انتصار الإرادة علي ضربات القدر. وقد اختتم الفنان تلك الرباعية الفنية التي انعكست في لوحاته بما أطلق عليه "فالس حزين" وهي تلك الحالة الشعورية التي يسجل فيها الفنان إحساسه في كل عمل، وهي أيضا تلك اللحظة التي يستكين فيها الموديل، مما يخلق حالة حوار مواز يتداخل فيها مثلث الفنان والموديل والمتلقي. والفنان سمير فؤاد من الفنانين المهتمين جدا بفكرة الزمن وتسجيله، فالحياة هي عبارة عن لحظات متتابعة يحرص الفنان علي اقتناصها في أعماله لينقل بها الزمن تشكيليا، ولذا يمكن متابعة حركة كثير من شخوص الفنان علي سطح اللوحة لتبدو الملامح مهزوزة بفعل الحركة التي تترجم فعل الزمن في أعمال سمير فؤاد.