نقيب العلاج الطبيعى: نعمل على تقديم خدمات العلاج المتخصص داخل جميع المستشفيات الجامعية    لجنة المحافظات بالقومي للمرأة تناقش مبادرات دعم تحقيق التمكين الاقتصادي والاجتماعي    سعر جرام الفضة في السوق المحلي اليوم الجمعة    الغرفة الألمانية العربية تحتفل بأوائل خريجي التعليم الفني    رهان نتنياهو.. وقرار واشنطن    فرق الأمم المتحدة الإغاثية: توصلنا لاتفاق الوصول إلى الفاشر المنكوبة غربي السودان    ليفربول ضد برايتون.. تفاصيل إنهاء الخلاف بين محمد صلاح وسلوت    كأس العرب| الجزائر والإمارات يلجآن للأشواط الإضافية بعد التعادل الإيجابي    عودة محمد صلاح لقائمة ليفربول لمباراة برايتون    مصطفى محمد يعود لقيادة نانت أمام أنجيه في الدوري الفرنسي    300 مقطع فيديو صورها مدرب أكاديمية كرة القدم الخاصة بالمنصورة للأطفال المعتدي عليهم    «تموين القليوبية» يحرر 40 مخالفة بالمخابز اليوم الجمعة 12 ديسمبر    الحلقة التاسعة من برنامج دولة التلاوة.. آية عبد الرحمن تكشف تفاصيل المرحلة الثالثة    تسليم "كنز صوتي" نادر لأحفاد الشيخ محمد رفعت بعد عقود من الغياب    تحكيم دولة التلاوة للمتسابق عمر على: صوتك جميل وستبهر الجمهور    "الست".. عن إعطاء الحرية وإطلاق الأيدي    نجوم الفن يتألقون في ختام مهرجان البحر الأحمر السينمائي 2025 | صور    محافظ الإسكندرية: الدولة المصرية ماضية في مشروع التأمين الصحي الشامل    إصابة 3 أشخاص فى حادث تصادم وانتشار فرق الطب العلاجي بمستشفيات سوهاج    مواقيت الصلاه اليوم الجمعه 12ديسمبر 2025 فى المنيا    القبض على المتهم بقتل والدته فى مدينة نصر    وزير الثقافة ينعى الناشر محمد هاشم.. صاحب اسهامات راسخة في دعم الإبداع    علي ناصر محمد: حكم جنوب اليمن شهد نهضة تعليمية وتنموية    علي ناصر محمد يكشف جهود بناء علاقات جنوب اليمن مع دول الخليج رغم التوترات الداخلية    تعاون مصري - ياباني لتعزيز تنافسية المشروعات الصناعية| فيديو    رئيس المجلس الأوروبي: يجب تحويل التعهدات بتلبية الاحتياجات المالية لأوكرانيا إلى واقع    إشادات دولية بالإنجاز الحضاري.. المتحف الكبير يصنع طفرة سياحية غير مسبوقة    «بحوث الصحراء» ينظم ورشة عمل حول تطبيقات المؤشرات الجغرافية وتحدياتها    تجارة عين شمس تتوج أبطال كأس عباقرة أصحاب الهمم    فيجا حكمًا لمواجهة برشلونة وأوساسونا    سويلم: العنصر البشري هو محور الاهتمام في تطوير المنظومة المائية    الجبهة الوطنية أكبرهم، 12 مقعدا خسائر الأحزاب في انتخابات ال 30 دائرة الملغاة    مفاجأة سارة.. هشام طلعت مصطفى يرصد 10 ملايين جنيه دعمًا لبرنامج دولة التلاوة    ما حكم زيارة المرأة الحائض للمقابر والمشاركة في الغسل؟.. أمين الفتوى يجيب    هل يجوز شراء سلعة لشخص ثم بيعها له بسعر أعلى؟.. أمين الفتوى يجيب    «الإفتاء» تواصل قوافلها إلى شمال سيناء لتعزيز الوعي ومواجهة التطرف    الصحة تحسم الجدل حول استخدام المضاد الحيوي لنزلات البرد    دوري المحترفين.. الصدارة للقناة والداخلية يهزم مالية كفر الزيات    فليك يؤكد استقراره على خياراته في برشلونة ويُبقي تفاصيل حديثه مع شتيجن سرية    رئيس مجلس الوزراء يستعرض أبرز أنشطته الأسبوعية: استثمارات جديدة ودعم البحث العلمي وتعزيز الأمن الغذائي    مجلة تايم الأمريكية تختار مهندسى ال AI شخصية عام 2025    الليلة.. عرض القضية اللي هي على مسرح تياترو بالشيخ زايد    الصحة: «فاكسيرا» تبحث مع شركة e-Finance إنشاء منظومة إلكترونية متكاملة لخدماتها    الأوراق المطلوبة للتعيين بوظيفة مندوب مساعد بقضايا الدولة دفعة 2024    مصر تعزز التحول الأخضر بإطلاق الاستراتيجية الوطنية للعمران والبناء المستدام    ضبط طرفي مشاجرة بالإسكندرية بسبب خلاف مالي    الغارات الإسرائيلية على لبنان لم تُسجل خسائر بشرية    كأس إنتركونتيننتال.. يورتشيتش يعاين ملعب "أحمد بن علي المونديالي" قبل مواجهة فلامنجو    أمطار خفيفة في مناطق متفرقة بالجيزة والقاهرة على فترات متقطعة    فصل سورة الكهف....لا تتركها يوم الجمعه وستنعم ب 3بركات    اليوم.. انطلاق دوري كرة السلة للمحترفين    خبير ضخ الفيدرالي الأميركي 40 مليار دولار شهريًا خطوة استباقية لضمان السيولة وتجنب اضطرابات السوق    "قصة حقيقية عشتها بالكامل".. رامي عياش يكشف كواليس أغنية "وبترحل"    وزارة التضامن تشارك بورشة عمل حول تعزيز إدماج ذوي الإعاقة في مصر    «المجلس الأعلى لمراجعة البحوث الطبية» ينظم ندوة لدعم أولويات الصحة العامة في مصر    وزيرة التنمية المحلية تناقش مع محافظ القاهرة مقترح تطوير المرحلة الثانية من سوق العتبة    طريقة عمل الأرز بالخلطة والكبد والقوانص، يُقدم في العزومات    فيديو.. لحظة إعلان اللجنة العامة المشرفة على الانتخابات البرلمانية الجيزة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هنا قاهرة السبعينات
نشر في أخبار الأدب يوم 17 - 05 - 2014

هل جلست يوما في مقهي "متاتيا" أو مقهي "استرا"! هل طلبت يوما زجاجة بيرة في "جروبي"!
إذا كنت من الأجيال التي لم تلحق ببعض هذه الأماكن أو لحقت ببعضها بعد أن عصفت بها رياح المحافظة والتعلق المظهري بالدين، فإن رواية "هنا القاهرة" للكاتب الكبير إبراهيم عبدالمجيد ستحملك في رحلة عبر الزمان إلي مدينة أخري غير القاهرة التي نعرفها حاليا إنها قاهرة السبعينات.
إنها رحلة في دروب مدينة عجوز تشهد استمرارا بالقصور الذاتية لملامح القاهرة الملكية وسط زحف بطيء لا يكل لمدينة أخري قادمة من الريف، مدينة لا تحب شرب البيرة ولا أغاني أم كلثوم وتفضل عليهما الشيخ كشك.
المدينة الجديدة تأكل الأخضر وتحيله إلي يابس، تأكله حرفيا لا مجازيا عبر تحويل الأراضي الزراعية إلي مبان، وهو مارصده عبد المجيد في الربع الأخير للرواية عندما انتقل البطلان للسكن في أحد البيوت التي نمت في ضواحي الجيزة وسط الغيطان وفوقها والتي سرعان ما التهمت الأراضي الزراعية حولها.
رواية إبراهيم عبد المجيد تقتصد في أسماء الشخصيات لتفسح المجال للمدينة لتملأ فضاء العمل، فالشخصيتان الرئيسيتان في العمل هما "سعيد صابر" و"صابر سعيد"، وقائدهما في دروب التحشيش بالمدينة هو "عمر إبراهيم" وعندما ينتهي دوره في العمل يسلمه إلي "إبراهيم عمر"، وكذلك هناك صفاء الأولي وصفاء الثانية.
شخصيات العمل علي أهميتها تمثل مفاتيح للمدينة أكثر مما تمثل قيما خاصة، فكرية أو روحية، فتفاعلاتهم مع محيطهم يظل ذا قيمة أهم في العمل من "صفاتهم الأصلية". يجمع إبراهيم عبد المجيد في الرواية التي صدرت عن الدار المصرية اللبنانية في 500 صفحة بين عدة أساليب سردية، فبينما يبدأ العمل بتداعي الذكريات فإنه يميل إلي البنية الحكائية المحفوظية، حيث تتطور القصة ببطء وتتجمع الخيوط لتصل إلي لحظة ذروة، لكنها في "هنا القاهرة" ليست لحظة ذروة واحدة بل عدة لحظات تجعل العمل أقرب إلي مدينة ضخمة بعدة ميادين كبري.
ويستخدم العمل أسلوب الوصف السينمائي مرارا، فيميل الكاتب إلي وصف المباني والأماكن بصورة مفصلة دون أن يغفل الأصوات والظلال التي تضفي جوا خاصا عليها.. فعل ذلك مع ميدان التحرير وسلمه الحديدي القديم الذي لم يعد موجودا ومع شارع كلوت بك ومع حقول الجيزة التي توشك أن تتحول إلي مبان اسمنتية قبيحة.
ولكن عبدالمجيد لا يستسلم لأسلوب واحد، فنجد بين فصل وآخر مشاهد وشخصيات اقرب إلي عالم الواقعية السحرية، فهناك النوبي الباكي الذي يرغب في أن يفسر له الله سبب مظالم العالم، وهناك الغرزة غير التقليدية، التي تغشاها النساء في رأس السنة والعيد والتي تبدو من مستوي ضيوفها وكأنها ناد للمثقفين والفنانين أكثر من غرزة حشيش، وهناك الفتاة لصة الكتب غير المحترفة التي ترافق البطلين إلي منزلها وتبدأ هناك في التخفف من ملابسها، وتبيت في المنزل ثم ترحل صباحا دون أن تسمح لهما أن يمساها أو يعرفا اسمها، وهناك الجدة العجوز في منزل فتاة الليل التي تنتظر أي عابر سبيل يخبرها أي شيء عن نجيب محفوظ.
ويبدو محفوظ حاضرا بقوة في العمل، سواء من خلال تأثيره أو شخصه الذي يظهر عدة مرات، ومن خلال حديث الشخصيات عنه، ففي الفصل 12 يقول الراوي:
بدأسعيد يحكي لي عن شارع خان الخليلي وشارع المعز قلتله ضاحكا "أعرف الكثير عن الشارعين ولاتنس أني أمضيت رمضان العام الماضي والذي قبله تقريبا هنا"؛ثم قلت له: إن نجيب محفوظ الذي لم أواظب علي لقائه بالأدباء هو السبب الحقيقي لمجيئي إلي القاهرة بما قرأ ته له من أعمال، الثلاثية وخان الخليلي وبداية ونهاية وزقاق المدق، ثم حدثته كيف أنني تجولت هنا كثيرابعد أن ينتهي عملنا كل
رمضان في السرادق الذي تقيمه الثقافة الجماهيرية بحديقة الخالدين تقدم فيه فنونها وكنت أتذكرك لماكتبه نجيب محفوظ وأدقق في وجوه الناس علني أري السيد أحمد عبدالجواد أو كمال أو ياسين أو رشدي في خان الخليلي أو عباس الحلو أو حميدة في زقاق المدق.
ليس نجيب محفوظ هو الوحيد من سبعينات القرن العشرين الذي يحضر بقوة في العمل، فالرواية تعرج كذلك كثيرا علي عالم اليسار السري، وتظهر عدة شخصيات باسماء أقرب إلي أسمائها الحقيقية، فملامح شخصية "الرفيق الأكبر: عامر فضل عامر" تحيل العارفين بتاريخ اليسار الشيوعي في مصر مباشرة علي شخصية المناضل اليساري النوبي "مبارك عبده فضل"، ولكن رغم هذا التواجد الكثيف لليسار في الرواية فإنها تظل بعيدة عن ذلك النوع من الروايات "النضالية" أو الكارهة لليسار والسياسة عموما، فاليسار في "هنا القاهرة" تائه؛ يحسب أنه يعرف ما يريد ولكنه يرسب في الامتحان عندما يواجه لحظة حاسمة.
والبطل اليساري في الرواية- يظهر كذلك مثل حزبه الشيوعي، يظن من الصفحات الأولي للعمل أنه يعرف لماذا قدم إلي القاهرة (قدم لكي يناضل في حزب سري)، ولكن المدينة العجوز تعرف أكثر كيف تستدرجه إلي عالمها، وكيف تغويه بنسائها وكيف تربطه في ساقية أنشطتها، فحين يحسب أنه يملكها يكتشف أنها تمتلكه فلا يستطيع لها مغادرة.
لا يعيب رواية "هنا القاهرة" سوي تباطؤ إيقاع بعض فصولها، فكان يمكن اختصار بعض المقاطع والفقرات دون إخلال بالعمل، ويدفعنا ذلك إلي الإشارة إلي أن غياب وظيفة محرر الأعمال الأدبية عن مجال النشر في مصر هو احدي مشكلات المجال الحادة، فكان يمكن للمحرر بسهولة أن يكتشف أن "سامي" في ص 470 هو "سعيد" ويصحح هذا الخطأ البسيط.
لا تنتهي الرواية بنهاية سعيدة ولا حزينة، بل بنقاش مع ناقد مفترض للعمل، فالعمل الذي يعبر بك أحياء القاهرة ويمر علي سجونها، يرغب في أن يكون تجربة حية متفاعلة مع قارئها، تعطيه من خلاصة تجربة قاهرة السبعينات لتقوده إلي أسئلة الحب والوطن والمدينة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.