سعر الدولار في السوق السوداء والبنوك اليوم    166.7 مليار جنيه فاتورة السلع والخدمات في العام المالي الجديد    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على تراجع    أمريكا تعد حزمة مساعدات عسكرية جديدة بمليارات الدولارات إلى كييف    الصين تتهم امريكا بتشديد العقوبات وفرض حصار تكنولوجي    "تايمز أوف إسرائيل": تل أبيب مستعدة لتغيير مطلبها للإفراج عن 40 رهينة    وانج يي ل بلينكن: على أمريكا عدم التدخل في شؤون الصين الداخلية وعدم تجاوز الخطوط الحمراء    أول تعليق من رمضان صبحي بعد أزمة المنشطات    عواصف رملية وترابية بهذه المناطق.. تحذير عاجل من الأرصاد    أبناء أشرف عبدالغفور الثلاثة يوجهون رسالة لوالدهم في تكريمه    الرئيسان التونسي والفرنسي يؤكدان ضرورة الوقف الفوري للحرب على قطاع غزة    بعد سد النهضة.. أستاذ موارد مائية يكشف حجم الأمطار المتدفقة على منابع النيل    القومي للأجور: جميع شركات القطاع الخاص ملزمة بتطبيق الحد الأدنى    جثة دون أحشاء مقابل ملايين الجنيهات| قصة ال«دارك ويب» في جريمة طفل شبرا.. والنيابة تكشف مفاجأة صادمة بمكان الحادث    الأسعار كلها ارتفعت إلا المخدرات.. أستاذ سموم يحذر من مخدر الأيس: يدمر 10 أسر    أعضاء من مجلس الشيوخ صوتوا لحظر «تيك توك» ولديهم حسابات عليه    قوات الاحتلال تعتقل شقيقين فلسطينيين بعد اقتحام منزلهما في المنطقة الجنوبية بالخليل    أبرزهم رانيا يوسف وحمزة العيلي وياسمينا العبد.. نجوم الفن في حفل افتتاح مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير (صور)    عاجل - حزب الله يعلن استهداف قافلة تابعة للعدو قرب موقع رويسات العلم.. وهذه خسائر قوات الاحتلال    أحشاء طفل و5 ملايين جنيه وتجارة أعضاء بشرية.. ماذا حدث داخل إحدى الشقق السكنية بشبرا الخيمة؟    أنغام تبدع في غنائها "أكتبلك تعهد" باحتفالية عيد تحرير سيناء بالعاصمة الإدارية (فيديو)    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الجمعة 26 أبريل 2024    طريقة تغيير الساعة في هواتف سامسونج مع بدء التوقيت الصيفي.. 5 خطوات مهمة    «الإفتاء» تعلن موعد صلاة الفجر بعد تغيير التوقيت الصيفي    أذكار وأدعية ليلة الجمعة.. اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا    بعد تطبيق التوقيت الصيفي 2024.. توجيهات الصحة بتجنُّب زيادة استهلالك الكافيين    مع بداية التوقيت الصيفي.. الصحة توجه منشور توعوي للمواطنين    جدعنة أهالي «المنيا» تنقذ «محمود» من خسارة شقى عمره: 8 سنين تعب    خالد جلال يكشف تشكيل الأهلي المثالي أمام مازيمبي    إعلان نتيجة مسابقة المعلمة القدوة بمنطقة الإسكندرية الأزهرية    هيئة الغذاء والدواء بالمملكة: إلزام منتجات سعودية بهذا الاسم    مواقيت الصلاة بعد تطبيق التوقيت الصيفي رسميًّا    سيد معوض يكشف عن مفاجأة في تشكيل الأهلي أمام مازيمبي    أبرزها الاغتسال والتطيب.. سنن مستحبة يوم الجمعة (تعرف عليها)    سلمى أبوضيف: «أعلى نسبة مشاهدة» نقطة تحول بالنسبة لي (فيديو)    حظك اليوم وتوقعات الأبراج الجمعة 26/4/2024 على الصعيد المهني والعاطفي والصحي    أحمد كشك: اشتغلت 12 سنة في المسرح قبل شهرتي دراميًّا    تشرفت بالمشاركة .. كريم فهمي يروج لفيلم السرب    "مواجهات مصرية".. ملوك اللعبة يسيطرون على نهائي بطولة الجونة للاسكواش رجال وسيدات    استقالة متحدثة إقليمية بالخارجية الأميركية احتجاجًا على حرب غزة    «زي النهارده».. استقالة الشيخ محمد الأحمدي الظواهري من مشيخة الأزهر 26 أبريل 1935    سيد معوض يكشف عن رؤيته لمباراة الأهلي ومازيمبي الكونغولي.. ويتوقع تشكيلة كولر    عاجل - تطورات جديدة في بلاغ اتهام بيكا وشاكوش بالتحريض على الفسق والفجور (فيديو)    ذكري تحرير سيناء..برلماني : بطولات سطرها شهدائنا وإعمار بإرادة المصريين    عاجل - بعد تطبيق التوقيت الصيفي 2024 فعليًا.. انتبه هذه المواعيد يطرأ عليها التغيير    هل العمل في بيع مستحضرات التجميل والميك آب حرام؟.. الإفتاء تحسم الجدل    "الأهلي ضد مازيمبي ودوريات أوروبية".. جدول مباريات اليوم والقنوات الناقلة    حظك اليوم.. توقعات برج الميزان 26 ابريل 2024    مسجل خطر يطلق النار على 4 أشخاص في جلسة صلح على قطعة أرض ب أسيوط    الأقصر.. ضبط عاطل هارب من تنفيذ 35 سنة سجنًا في 19 قضية تبديد    طارق السيد: ملف خالد بوطيب «كارثة داخل الزمالك»    أنغام باحتفالية مجلس القبائل: كل سنة وأحنا احرار بفضل القيادة العظيمة الرئيس السيسى    «اللهم بشرى تشبه الغيث وسعادة تملأ القلب».. أفضل دعاء يوم الجمعة    تامر حسني باحتفالية مجلس القبائل: شرف عظيم لي إحياء حفل عيد تحرير سيناء    ارتفاع سعر السبيكة الذهب اليوم وعيار 21 الآن بمستهل تعاملات الجمعة 26 أبريل 2024    فيديو جراف| 42 عامًا على تحرير سيناء.. ملحمة العبور والتنمية على أرض الفيروز    خالد جادالله: الأهلي سيتخطى عقبة مازيمبي واستبعاد طاهر منطقي.. وكريستو هو المسؤول عن استبعاده الدائم    هل تتغير مواعيد تناول الأدوية مع تطبيق التوقيت الصيفي؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ملك لبيب عن فترة الاحتلال البريطاني
كيف كتبت الأرقام تاريخ مجتمعنا
نشر في أخبار الأدب يوم 19 - 04 - 2014

كيف تشتبك آليات إنتاج المعرفة بالتحولات التي شهدتها الدولة المصرية وعلاقتها بالمجتمع. هذا هو موضوع رسالة الدكتوراه التي تعدها الباحثة ملك لبيب في جامعة إكس بجنوب فرنسا، وبالأخص في سياق الاحتلال الإنجليزي لمصر. تعمل ملك بالأساس علي تاريخ تطور الإحصاء والمعرفة الاجتماعية في فترة الاستعمار الإنجليزي، من الربع الأخير للقرن التاسع عشر وحتي عام 1922. نقطة الانطلاق في رسالتها للدكتوراه كانت الإحصاء ثم بدأت تهتم بأشكال المعرفة المرتبطة بها، مع تأثرات بميشيل فوكو وتيموثي ميتشل. تعمل ملك علي أنسنة التاريخ، وتخليصه من هالة القداسة التي تصاحبه كلما ثار الحديث عن "الوطنية"، و"الاستقلال"، وغيرها من المفاهيم المجردة، لتجعله أكثر واقعية وأكثر قابلية للفهم. فيما يلي هذا الحوار معها.
كيف بدأت التفكير في فكرة رسالة الدكتوراه؟
في الجامعة قرأت أعمال ميشيل فوكو، وبالتحديد سلسلة المحاضرات التي ألقاها في نهاية السبعينيات بالكوليج دي فرانس، وأثر هذا علي نوعية الأسئلة التي تشغلني. درست في البداية العلوم السياسية ثم اتجهت للتاريخ فيما بعد، ومن خلال قراءتي للتاريخ وصلني انطباع أن نوع التأريخ المهيمن في مصر هو التاريخ الاقتصادي الاجتماعي، ويتم فيه استخدام الإحصاءات والتصنيفات بكثافة ولكن ليس بشكل نقدي، كأنها موجودة بشكل طبيعي وليست مصنوعة، بينما نشأة علم الإحصاء لها علاقة بآليات الهيمنة والحكم، ومن المفارقات أن علم الإحصاء في إنجلترا قبل تسميته بهذا الاسم، كان يسمي "علم الحساب السياسي". وقرأت طبعاً تيموثي ميتشل وهو واحد ممن بدأوا العمل علي موضوع "حكم الخبراء" وكان لديه في كتابه هذا فصل عن الإحصاء، ولكنه لم يكتب دراسة معمقة عن تاريخ الإحصاء.
في نفس الوقت اتجهت كتابة التاريخ في أوروبا في العشرين عاماً الأخيرة للتاريخ الثقافي، ومن الموضوعات البارزة في هذا الموضوع تاريخ المعرفة، وأجريت دراسات كثيرة فيما يخص الهند، عن علاقة الاستعمار البريطاني بالتعداد مثلا، والعلاقة بين المعرفة المحلية هناك والمعرفة التي جاءت مع الاستعمار. هذا لم يحدث فيما يخص مصر لأسباب لها علاقة بشكل كتابة التاريخ المصري، ولأسباب موضوعية، منها أن مدة حكم الاستعمار في مصر ودرجة تغلغله في المجتمع كانا أقل من نظيره في الهند. التعداد في الهند مثلاً في النصف الثاني من القرن التاسع عشر كان عنصراً مهماً من أجل إحكام السيطرة علي المجتمع الهندي، أما في مصر فلم يكن البريطانيون أول من قاموا بالتعداد أصلاً. كانت هناك معرفة إحصائية قبل دخول الإنجليز مصر، فأول تعداد تم إجراؤه في مصر كان في عام 1848، وكان يشمل الدين والجنس وكان هناك تقسيم علي أساس المهنة والجنسية أيضاً.المهم في الحالة المصرية أنه كانت هناك معرفة إحصائية قبل الاستعمار، وكانت جزءا من بناء الدولة. وعندما بدأت أزمة الدين في الظهور في عهد الخديو إسماعيل استتبع هذا وجود نظم معلومات معقدة وإنشاء قواعد بيانات حول موارد الدولة، كما كانت هناك إحصاءات لها علاقة بالصحة في الثلاثينيات والأربعينيات، وهذا كان مرتبطا بتسجيل المواليد والوفيات.
في هذه الحالة، كيف تبدو أشكال الإحصاء التي أدخلها الأوروبيون إذن؟
بدأ دخول الأوروبيين مصر عن طريق أزمة الدين في عهد الخديو إسماعيل، في النصف الثاني من السبعينيات، وبالتالي فقد كان الأساس هو تكوين معرفة بالموارد المصرية وليس بالسكان. من النصف الثاني من السبعينيات بدأت تقام لجان استقصائية لإحصاء الموارد المختلفة في مصر. الأزمة الكبيرة كانت حساب متوسط ميزانية الدولة، فقد كان هناك تباين كبير بين العام والآخر حول إيرادات الحكومة. وبالتالي ثار سؤالان، أولهما عن مصادر الإيرادات المختلفة للدولة والثاني عن قدر الضغط الممكن علي الدولة لتسديد الديون. لا ننسي أن اللجان الاستقصائية كانت مكونة من ممثلين حكوميين عن الدول الأوروبية بالإضافة لممثلين عن البنوك الأوروبية، كانت هناك تشبيكة مصالح اقتصادية وسياسية إذن. وبدأت تأتي لجان أوروبية لمصر وتقيم الوضع المالي وهذا كان بداية لإنتاج المعرفة. يكتسب هذا أهميته علي ضوء معلومة أنه في هذه الفترة بدات تتبلور حركة سياسية ووطنية من خلال مجلس شوري النواب. وبدأ يصبح هناك خطاب حول أحقية مجلس شوري النواب بالرقابة علي موارد الدولة هو الآخر، نظراً لادعائه تمثيل عموم السكان. وهذا في مقابل الأوروبيين الذين لم تمر رقابتهم علي موارد الدولة بأي من القنوات السياسية، وقاموا بتهميش دور مجلس النواب تماماً، علي رغم ادعائهم أن إفلاس الدولة كان نتيجة لعدم وجود "حكم رشيد" في مصر.
والرقابة علي موارد الدولة كانت تتم من خلال قنوات سياسية في أوروبا وقتها؟
بالطبع. كل الكلام عن الرقابة علي الميزانية هو أمر أساسي في الديمقراطيات الأوروبية. إنجلترا منذ القرن السابع والثامن عشر كان تمور بإصلاحات متعددة لتأكيد فكرة الرقابة البرلمانية علي المال العام، ولجعل اللجان البرلمانية هي التي تراقب. وحدثت نقاشات واسعة في فرنسا بعد الثورة حول من له الحق في الاطلاع علي البيانات الحكومية والتصويت عليها.
إذن كيف كانت علاقة الاستعمار الإنجليزي بالسكان المصريين من حيث هم سكان؟
كان هناك كلام عن السكان ولكن بشكل غير مباشر. دعنا نقول أولا أن فكرة "المجتمع" كما نعرفها اليوم لم تكن موجودة وقتها. ولكن جزءا من السيطرة علي الموارد في ثمانينيات وتسعينيات القرن التاسع عشر كان يتم عبر إعادة هيكلة الضريبة علي الأطيان وتوحيدها. نظرا لأن الضرائب علي الأطيان كانت مختلفة تماماً بين مكان وآخر ولم يكن تحصيلها سهلاً. تم القيام بمسح للأراض فتكون نوع من المعرفة بالفلاحين وبأشكال الزراعة وأشكال الملكية وكيفية كسب الفلاحين لرزقهم وهل يشغّلون آخرين معهم أم لا. كانت هناك مستويات عدة من الحكم، هناك كبار الموظفين البريطانيين في مصر وهناك طبعاً الخارجية البريطانية. وكل الكلام عن الضرائب لما له من علاقة بموضوع الديون المصرية- كان يتم تداوله في هذه الدوائر كما كان موضوعاً للتفاوض بين إنجلترا وفرنسا أيضاً.
إذن فقد كانت الأولوية للمسائل الاقتصادية في موضوع الإحصاء.
نعم. فإلي جانب موضوع الضرائب حدثت محاولات لتوحيد العملة وتوحيد الموازين والمكاييل، حتي تكون التعاملات الاقتصادية بين الدولة والأفراد وبين الأفراد وبعضهم موحدة علي مستوي الدولة، ولا تخضع لتغيرات الزمن. مشكلة العملات أنه في مصر كانت تستخدم عملات قادمة من دول كثيرة وكانت مقننة. كانت هناك تسع عملات يمكنك التعامل بها في جميع المصالح، مثل الفرنك وأبو طاقة، وكانت هناك مشاكل في تصنيع العملات المصرية ولذلك كانت الثقة قليلة إزاءها، ومع المقارنة بينها وبين العملة الأجنبية تفقد العملة المصرية قيمتها. ما حدث هو أن الإنجليز خلقوا نظاماً مزدوجاً للعملة، هناك عملات الفضة المصرية وعملة ذهبية وهي الجنيه الإسترليني، للسلع التي تفوق قيمتها حداً معيناً، وبالتالي فقد كرس هذا للتبعية الاقتصادية لإنجلترا بالطبع.
أما بالنسبة لمحاولة توحيد المكاييل والموازين، فلم يكن الموضوع ناجحاً تماماً. لنتذكر أن الكلام عن توحيدها بدأ من قبل الاستعمار، حيث كانت مصر تشارك في المعارض العالمية كمنتج للقطن منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وبالتالي أصبح هناك كلام حول توحيد الموازين خاصة فيما يخص التعاملات الاقتصادية الخارجية. كان هناك نظام محلي للموازين والمكاييل، وكانت هناك محاولات لتحويله إلي النظام المتري ولم تنجح.
لماذا؟
مشكلة الموازين أنها كانت تتغير من مكان لمكان، فالكيلة في قرية معينة ليست هي الكيلة في قرية أخري، لذلك حاول الإنجليز توحيد الموازين علي مستوي القطر وربطها بالنظام المستخدم في أوروبا. المحاولة فشلت لأنه كان هناك خلاف علمي وله علاقة بالقياسات، كما كان هناك خلاف في كيفية تطبيق النظام الجديد علي جميع المعاملات في مصر. كانت هناك عقد قانونية وعملية، قانونية لأنه حتي تفرض رقابة علي جميع الموازين كان لابد من موافقة جميع القنصليات والمحاكم المختلطة، وعملية لأنه حتي في الأوساط التجارية الإنجليزية كانت هناك مقاومة للنظام الجديد، فصحيح أن النظام المتري الجديد سيقوم بتسهيل المعاملات التجارية، إلا أنه سيربك السوق علي المدي القصير. مثلا، فإن جمعية ألكسندريا بروديوس اسوسييشن، وهي جمعية تضم أكبر موردين للقطن، رفضت تطبيق هذا القانون بدافع القلق. وبالتالي لجأ الإنجليز إلي إدخال معلومات عن النظام المتري في مناهج التعليم، ولكن التعاملات في القري ظلت بعيدة عتماما عن طموحات المركز.
نعود لمجلس شوري النواب، ماذا كانت مصلحته في الاعتراض علي التدخل الأجنبي وقتها؟
كانت هناك مصالح مالية مباشرة، لأن كثيراً من أعضاء المجلس كانوا من طبقة الأعيان الريفيين، وبالتالي فقد أضرت الإجراءات المالية للأوروبيين بمصالحهم. كان هناك مثلاً قانون المقابلة التي سنه الخديو إسماعيل عام 1871 وكان يتيح لملاك الأراضي دفع ضريبة الأطيان مقدماً لعدة سنوات مقابل تخفيض الضريبة إلي النصف بشكل دائم بعد ذلك، وعندما بدأت الأزمة المالية الحادة بدأ الأوروبون في التفكير في إلغاء هذا القانون، ما ترتب عليه أن المالك الذي دفع الضريبة مقدماً سيعود ليدفعها كاملة بعد ذلك، ولن يخصم منه نصفها.
بالإضافة للمصالح المالية المباشرة، فقد كان هناك صعود لحركة دستورية شابة لم تكن محدودة بمصر. كانت هناك حركة دستورية أيضاً في الأستانة، وفي مصر، بعد أن لم تكن هناك سوي صحف محدودة، بدأ ازدهار الصحافة علي أيدي الشوام الذين أسسوا صحفاً مثل التجارة وأبو نضارة زرقا. وقد حاول الإنجليز منع تلك الصحف التي تنشر معلومات حول الوضع المالي لمصر، في إطار محاولتهم لاحتكار الرقابة علي الحكومة. كانت هناك إذن مصالح مالية مباشرة وخطاب دستوري يتشكل علي مستوي الدولة العثمانية، وهو ما جعل المعارضة للإنجليز وقتها تتركز علي موضوع إقرار الميزانية والحق في الرقابة عليها.
هل يمكن وصف هذا بالحركة الوطنية؟
هناك وجهات نظر متباينة. هناك وجهة نظر الرافعي الذي يقول إن هذه كانت بدايات حركة وطنية، ووجهة نظر عكسية تماما تبناها مؤرخون أوروبيون قالوا إن الخطاب الوطني الذي طوره الأعيان كان مجرد ورقة من الخديو ليعيد تأسيس سلطته. وهناك المؤرخ والاقتصادي عبد العزيز عز العرب الذي كتب قائلاً إن مصر كانت تشهد وقتها صعود للوطنية الاقتصادية. أنا أميل لوجهة النظر هذه. فالأعيان هم مجموعة كونت ثروات وحاولت التأسيس لوضع سياسي ما، خاصة عندما بدأت سلطة الخديو في الضعف، وفكرة وجود خطاب وطني لا تتعارض مع فكرة وجود مصالح اقتصادية تصاحب هذا الخطاب الوطني. أما التصور الذي بمفاده يحرك الخديو جميع الخيوط في يده فهي فكرة الأوروبيين وقتها. الخديو كان قد بدأ يصبح أضعف من هذا، لا يمكن أن يكون هناك الخديو الذي يخبئ المال ويتحكم في النخب. هذا تصور استشراقي. لا ننس أنه كان هناك، في الفترة من 1875 إلي 1882، تركيز قوي علي شخص الخديو. و محاولات السيطرة المالية علي الموارد المصرية كان يصاحبها تصور أن الأزمة المالية حدثت بسبب إسراف الخديو وربط هذا بأزمة أخلاقية شخصية لديه، في حين أنه كانت هناك أزمات هيكلية حقيقية وضغوط مالية كبيرة من البنوك الأوروبية.
وكيف كان خطاب الأعيان إزاء الحركة العرابية؟
كانت هناك فترتان. هناك الفترة التي انتهت بعزل الخديو عام 1879 وحل مجلس شوري النواب بسبب المقاومة التي كان يبديها للإصلاحات الأوروبية، وهناك مرحلة ثانية وهي عامي 1881 و1882، والتي شهدت صعود الحركة العرابية، وهي حركة يتشكل قوامها بالأساس من الضباط المصريين المحتجين علي الإجراءات التعسفية ضدهم، والتقت بالنواب الذين كانوا جزءا من الحركة الأولي، وشاركت فئات أخري في الاحتجاجات وإن لم يكن بشكل منتظم، كان هناك الموظفون الذين تضرروا من السياسات الأوروبية، وهناك نقاش حول ما إذا كان الفلاحون قد شاركوا أم لا في الحركة العرابية. ولكن مع تصعيد المواجهة بين عرابي وبين والخديو والمراقبين الأوروبيين فقد اصطف بعض الأعيان مع الخديو. صحيح أنهم كانوا يخافون من التدخلات الأوروبية ولكنهم كانوا أكثر خوفاً من أن تتضرر مصالحهم من المواجهة، وفي النهاية وجدوا مصلحتهم مع الخديو.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.