استدارة فخذيّ ماري باتت سلوي لكثيرين. لا أعرف حتي إن كان هذا اسمها الحقيقي أم لا. ماري فتاة مهذبة تحب المباني القديمة، العنب الأحمر في الصيف، اليوسفي في الشتاء، وطرقات بشير علي سندانه الحديد أسفل شباكها تدق خصرها كل ليلة.. إنها فتاتي المفضلة حقًا. لا تجادل الباعة في السوق، لا تتدخل فيما لا يعنيها، تذهب للجامعة وتعود، تعبر الشارع كخيال رسام مبتدئ. لم يكن يرقبها أحد سواي. منذ أن كنا في الثالثة عشرة ياماري.. . تذكرين؟. ملامح وجهها التي ظلت منمنة، دوما تذكرني بها عرائس الخزف الملونة بدقة في خزانة السيدة التي أعطي لحفيدها دروس اللغة العربية عندما يأتون من أمريكا في عطلة الصيف، تلك العرائس التي تلهيني عن التوتر القائم بين أم الولد الأمريكية وجدته. السيدة تشبه أبلة النفيسة مشرفة الدور التي عنفتني بشدة عندما كنت أصفف شعر ماري في الفسحة. ماري تحب يد بشير القوية السمراء وطرقات سندانه الفاحم، وأنا أحب هدوء ماري. أراها تنتظره خلف بئر السلم بملابسها الرمادية الأجدد- رمادي يلمع قليلا- ينحني هو علي أولي درجات السلم ليربط شريط الحذاء، تقف خلفه مباشرة، يكاد بطنها يلامس مؤخرته، بطنها الذي يعلو ويهبط متوترًا. أقف عند المدخل خلفهما تمامًا، لا يشعر بوجودها ولا بوجودي، وهي لم ترني.. أحبس أنفاسي، تتركز ماري في أقل من ثانية داخل جسدها، تمد أطراف أناملها في محاولة لملامسة سلسال ظهره البارز تحت "التيشيرت" القطني المنحول، يعتدل فجأة صاعدًا السلم بخفة ثم يختفي، ألقي عليها التحية، أمر بينها وبين الدرابزين وتظل هي هناك.. في البيت تتخفف، تمر بين الأثاث كنسمة الهواء المحملة برائحة الحمام المشوي التي تهب من آنٍ لآخر عبر شباك الصالة المجاور لمحل المشويات أسفل العمارة. بعد أن فقد أبوها البصر، وأصبحت مقلتاه ممتلئتين بطبقات من مخلفات مصنع الكيماويات حيث عمل معظم حياته، لم تعد أمها تنظر في عين أحد، تنجز المهام المنزلية وكل الأشياء -حقًا- دون أن تنظر في عينيّ أحد، تُنكس عينيها نحو الأرض أو ناحية الشمال لأسفل طوال الوقت. أختها تزوجت، وتعيش مع زوجها في قطر، زوجها لا ينجب الأطفال. يعتبرها أهلها بسيطة جدا، تَلبسهم هاجس عنوستها حتي أصبح الهاجس إيمانا.. أصبحت لماري غرفة. السرير دبق، رائحة الدهون في اللحم تشوي الهواء، سمنة ساخنة، يدق بشير بمطرقته علي الحديد المشتعل في إيقاع منتظم. ساعداه مثل حبل سميك خشن، وذراعاه في متانة المجاديف. تتلوي في فراشها عارية، أكاد ألمس رأسها لولا الحائط بين غرفتينا.. اهدئي يا ماري.. اهدئي ونامي.. سيمر من أمامك في يوم من الأيام، تستوقفيه وتنهاري.. . لكنه سيهدئ من روعك عند زاوية الشارع، ويخبرك أنه ليس لك، وأنك لست له. حتما سيشعر بالإطراء حين يتذكرك وهو يضاجع الفتاة التي اختارتها له أمه علي قد إيديها. الأزرق يا حبيبتي يناسبك أكثر من أي لون، يبرز حسنك، أنه لوني المفضل، يشبهك أكثر من الرمادي ذي اللمعة الخفيفة.. سأُلبسك إياه كل يوم.. .. تذكرين؟ يوم جنازة أمي، عندما اعتصر الرجل النحيف -صديق أبي في جلسات الذكر- ثدي الأيسر الصغير، وأقحم لسانه الخشن في حلقي، جريت نحو بيتك.. يومها احتضنتيني بشدة، يومها شعرت بشيء آخر.. شيء مختلف. يمكنني أن أجلس هكذا ليوم كامل أتأمل ماري. في أعياد ميلادك أهديتك الخواتم والإكسسوارات، لكنك لم ترتديها إلا بعد ذلك اليوم، عندما خلا بيتي المزدحم ساعة عصاري فجأة وأتيتني. كنت تعرفين ومع ذلك فزعتي عندما قبلتك بعد أن بكيتي فوق ثديّ الأيسر. لكنك تركتِ لي بضع لحظات كي أعض شفتك السفلي عضة خفيفة، كتلك الوخزة في القلب التي تعتريني كلما تذكرت أنك لم تعودي هنا، وأنك في قطر الآن ترتدين أزرقي المفضل، وربما تبتسمين بدلال كلما مررت بأناملك علي شفتك السفلي صدفة.