جانب من الإحتفالية انتصارا للقيم الإنسانية التي يحملها يوسف القعيد.. جاءت الاحتفالية التي أقامتها دار الهلال، بمناسبة سبعين عاما علي ميلاد صاحب " يحدث في بر مصر"، فقد التف حول القعيد في عيد ميلاده مختلف أطياف وفئات المجتمع.. جاءوا منحازين ليس فقط لقيمته الإبداعية، وإنما لصدقه الإنساني، واحترامه لذاته، وقدرته علي حب الآخرين وتمتعه بعاطفة جياشة، لاسيما اتجاه ابنه وابنته، وحفيدته " أمينة" التي أصر علي أن يجلسها بجانبه طوال الاحتفالية، فضلا عن أنه لم يكن ذات يوم، سوي نفسه وذاته، فهو من أصحاب المواقف المصيرية ، فعندما قرر أن يترك " دار الهلال".. فعل ذلك، ولم يستجب لأية ضغوط أو تدخلات ممن نطلق عليهم " رجال الدولة"، ووقتها لم يؤثر أن يلعب دور الضحية، اتخذ قراره بصرامة الرجال.. أصحاب المواقف. القعيد بالتأكيد لم يأخذ حقه من القراءة الواعية لمجمل مشروعه الروائي.. فهو من القلائل الذين يملكون مشروعا وليس مجرد أعمال نضعها بجانب بعضها البعض، لذا لم تخل الاحتفالية من إشارة واضحة من اثنين من المتحدثين إلي أنه لابد أن يعاد قراءة أعمال القعيد، وهي الإشارة التي جاءت علي لسان الروائي جمال الغيطاني ود. صلاح فضل. ورغم أن الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل، لم يتحدث في الاحتفالية سوي بكلمات قليلة، أشاد فيها بالمحتفي به، ودوره في تاريخ التنوير المصري، إلا أنه في كلمته التي أرسلها لمجلة دار الهلال، بناء علي طلب من رئيس تحريرها الزميل محمد الشافعي، جاءت الكلمة حاملة للسمات الرئيسية ليوسف القعيد، ونصها: ( عزيزي الأستاذ "محمد الشافعي" لقد أسعدني أن تتفضل بدعوتي إلي المشاركة في احتفال الهلال بعيد الميلاد السبعين ل" يوسف القعيد" وظني أن احتفالكم في موعده، وفي موضعه، وفي سياقه. بالنسبة للموعد، فالأمر مفهوم لأن سن السبعين علامة ظاهرة في مسيرة أي إنسان، فضلا عن أن يكون هذا الإنسان كاتبا وأديبا وفنانا، صنع شخصيته، وصاغ رؤيته، وشق طريقه خطا واضحا علي خريطة زمنه. بالنسبة للموضع، فليس من المصادفات أن احتفالكم ب" يوسف القعيد" يجيء متزامنا مع نشر " المجهول" وهو الكتاب الذي يقدم روايته الأخيرة بنفس العنوان، وذلك عمل كبير وضعه يوسف أمام قرائه في الغالب دون قصد، مع مناسبة بلوغه السبعين، وعلي أي حال فإن المصادفات تجيء أحيانا بأفضل وأكفأ مما يجيء به العمد والترتيب. بقي السياق الذي يجيء فيه عيد الميلاد السبعون ل" يوسف القعيد"، وذلك أن الاحتفال به يتوافق مع اعتراف عام بقيمة رجل كان ظني- في وقت من الأوقات- لم يأخذ حقه بما يوازي عطاءه، لكن تجربة السنوات الأخيرة أثبتت أن كل قيمة قادرة علي الوصول إلي استحقاقها، حتي وإن زادت فترة انتظارها أياما أو ساعات. والآن فقد انتظمت المسيرة، واتسق الموعد والموضع والمسار، وآن لنا أن نحتفل، وأن يحمل كل منا شمعة ويغرسها في مكانها، إلي جانب غيرها وغيرها .. لوحة عريضة من الشموع". ومن جانبه أشار د. صلاح فضل في كلمته إلي أماكن القوة لدي المحتفي به: " حصاد يوسف القعيد الإبداعي لا يقتصر علي رواياته التي صارت ثمانياً بهذه الأخيرة " المجهول" ولا قصصه الطويلة الست التي شغف بشكلها الفني بين الرواية والقصة، ولا بمجموعاته القصصية الست أيضا، فكل ذلك لا يفسر حضوره الطاغي في المشهد الأدبي والثقافي والإعلامي، أو قربه الحميم من أعظم عملاقين للكتابة في مصر: نجيب محفوظ وهيكل، أو توأمته مع جمال الغيطاني، شئ ما في شخصية يوسف النادرة وموهبته السردية الحية المستوعبة يضمن له التألق العابر للأجيال، مع الحفاظ الشرس علي ناصريته الغالية عليه كعرضه القروي وشرفه الوطني وخبرته المدنية بدهاليز المجتمع والأدب". في حين روي الفنان عزت العلايلي قصته مع رواية " المواطن مصري" التي تحولت إلي فيلم وقد مثل فيه، رغم تخوفه من الشخصية التي أداها، في حين سرد الفنان عبد العزيز مخيون علاقته بالقعيد التي بدأت في الستينيات في ندوة نجيب محفوظ بمقهي ريش. أما يوسف القعيد فقال في كلمته، ان هذه الاحتفالية ذكرته بالاحتفالية التي أقامها هيكل لنجيب محفوظ في الأهرام، وحضرتها أم كلثوم، وكانت المرة الوحيدة التي رأي فيها محفوظ سيدة الغناء العربي، وقد قدم القعيد الشكر للحضور. الاحتفالية التي ادارها الكاتب الصحفي حمدي رزق، وحضرها نخبة من رجال السياسة والثقافة والفن والصحافة والإعلام، فقد كان في مقدمة الحضور الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل، مكرم محمد أحمد رئيس مجلس إدارة دار الهلال الأسبق، الكاتب الصحفي ياسر رزق رئيس مجلس إدارة مؤسسة اخبار اليوم، د. هدي جمال عبد الناصر، محمد فايق رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان، ومن الأدباء والنقاد: جمال الغيطاني، بهاء طاهر، محمد سلماوي، د. صلاح فضل، سعيد الكفراوي، فؤاد قنديل، ومن الفنانين: عزت العلايلي، وعبد العزيز مخيون، بالإضافة إلي سفراء المغرب وروسيا ولبنان، وحرص الكاتب الصحفي غالي محمد رئيس مجلس إدارة دار الهلال، علي إعطاء درع الدار ليوسف القعيد ولعدد من ضيوف الاحتفالية.