بعد أربع روايات هي:" تصريح بضياع"، "يوم رائع للموت"، "هلابيل"، "في عشق امرأة عاقر". أصدر الكاتب الجزائري سمير قسيمي رواية "الحالم" التي وصلت للقائمة الطويلة في جائزة " الشيخ زايد للكتاب الشباب. تتقاطع رواية " الحالم" في عنوانها مع رواية لكولن ولسن تحمل ذات الاسم بل إن الكاتب يورد جملة خلال النص يذكر فيها بوضوح سبب اختياره العنوان، في تمازج لا يحمل أي تمويه مع بطل روايته يقول:"أخبرت ناشري أنني انتهيت من رواية جديدة عنوانها الحالم، وكنت مضطرا لهذا العنوان رغم علمي أنه عنوان رواية رائعة لكولن ويلسن". لكن " الحالم" عند سمير قسيمي يمكن اعتبارها ثلاث روايات داخل رواية واحدة، ضمن مزج فني يحاول تأصيل العبثي في مواجهة الوجودي والاستناد إلي لعبة تبادلية بين الشك واليقين، بأن أحداث الرواية من الممكن أن تحدث حقا، أو أن تظل مجرد لعبة سردية مشوقة يخايل فيها الكاتب قارئه ويتبادل معه الأدوار. يستخدم قسيمي اسمه الصريح ومهنته في الجزء الأول من الرواية، ويكشف عن هواجسه ككاتب، وعن اضطراب علاقته مع فعل الكتابة، بما يتوازي مع وجود حالة ارتياب عبثي بكل ما هو مكتوب ومطروح علي أنه حدث يقيني، إذ ليس ثمة يقين في " الحالم"، بل هناك حالات متجاورة من العبث والتفرد المقصود في اختيار الشكل الروائي الذي وضع قسيمي فيه روايته، والذي أكد علي حالة العبث واللايقين العبارة الواردة في الجزء الأخير من الرواية لجاكوب بروفنسكي : " ليس ثمة معرفة مطلقة. وأولئك الذين يدعون خلاف ذلك، يفتحون الباب علي المأساة. فكل المعلومات منقوصة، غير كاملة ويجب التعامل معها وتناولها بتواضع" وكأن الكاتب يستند إلي هذه العبارة، لتبرير ما وقع من أحداث غامضة، ومتشابكة، ومبتورة علي مدار صفحات الرواية. تنقسم رواية الحالم كما ذكرنا إلي ثلاثة أقسام رئيسية : " مسائل عالقة" و " الكفيف ممكن أن يري" و " المترجم"، وفي داخل كل قسم هناك فصول صغيرة، بالإضافة إلي مقدمة وضعها سمير قسيمي علي اعتبار أنها تقدم للقارئ مفاتيح للنص، لكنها ليست أكثر من محاولة تمويهية تضفي علي النص مزيدا من الغموض والتشويق. تتضمن المقدمة مجموعة من الأحداث يسردها الكاتب بشكل واقعي يتضمن تفاصيل شخصية ومهنية، ومنذ الصفحات الأولي يكشف الكاتب عن التباس، في وجود رواية يتسلمها قسيمي من الطبيب النفسي كمال رزوق. الرواية التي يتسلمها تحمل عنوان "مسائل عالقة" وكتبها كاتب مرموق يدعي ريماس ايمي ساك، يكتب بالفرنسية أصدر ثلاثين رواية علي مدار رحلته الأدبية، ويعاني من فقدان ذاكرة، ومن عمي نصفي، فقد زوجته وهجرته ابنته الشابة ويعيش وحيدا في عمارة تطل إحدي غرفها علي زقاق ضيق تقع في آخره مقهي " ثلاثون". هكذا يأخذ رقم ثلاثون دلالة أيضا في ان يكون عدد روايات ريماس ايمي ساك، واسم المقهي الذي تدور فيه أجزاء كثيرة من أحداث الرواية. تبدو الصفات النفسية والواقعية التي تتعلق بريماس ايمي ساك الكاتب المكرس عادية للوهلة الأولي إلا أنه ليس ثمة أي تفصيل يتم ذكره من دون أن يحرص قسيمي علي توظيفه بشكل يتوافق مع لعبة المرايا المتجاورة الموجودة علي مدار النص؛ وضمن الإطار العبثي للرواية نجد أن هذه الاضاءات تمثل نقاط محورية في كشف شخصية "ريماس ايمي ساك"، الذي يتبين أنه يتقاطع مع الكاتب سمير قسيمي بالاسم نفسه، لأن اسم " ريماس ايمي ساك" هو اسم سمير قسيمي معكوسا في المرآة. هكذا يبدو من المهم تفكيك شخصية ريماس ايمي ساك الذي يتبين أنه ينتحل شخصية كاتب آخر ويسرق ابداعاته وافكاره،حتي نصل إلي عنوان "مجرد جنازة وحسب"،لنجد صوت ريماس ايمي ساك يأتي من عالم الموتي قائلا : " الجثة التي في النعش جثتي..أنا الرجل الميت منذ ساعات". وإذا كانت هذه التقنية ظهرت في روايات أخري، إلا أنها تحضر في رواية " الحالم" لتعمل علي التأكيد علي فكرة تكسر الزمن والانقلاب علي خط السرد الرئيسي الذي طرح فكرة وجود ريماس ايمي ساك، كما سيتضح في ختام النص. تتداعي الأحداث الزمنية المتشابكة في " الحالم" مع ظهور شخصيات أخري كثيرة في النص منها : عثمان بوشافع شرطي تم تسريحه من وظيفته بلا سبب واضح، نوي الشيرازي عاهرة، ليليا أنطون ناشرة لبنانية ترتبط بعلاقة مع مترجم روايات ريماس ايمي ساك، وجميلة بوراس، ابنة ريماس ايمي ساك؛ وكل هذه الشخصيات يتم توظيفها في الإطار التجريبي للسرد القائم أساسا علي افتراض نصي يتعلق برواية " مسائل عالقة"، حيث تغيب هذه الشخصيات، لتحضر شخصيات أخري منها رضا خباد المريض النفسي، المهووس بالكتابة، والذي يتداخل مع الأحداث منذ البداية في ظهور متواري مقارنة مع سائر الشخصيات ليكون هو البطل المحوري، والكاتب للروايات الثلاث التي تتضمنها الرواية. يتوازي المنحي التجريبي الفني في رواية " الحالم" مع المرض النفسي لكاتب مفترض أيضا هو رضا خباد" لنقرأ الفقرة التالية : " أكد الدكتور رزوق، الطبيب المعالج للكاتب رضا خباد، أنه فقد كل أمل في شفاء مريضه، الكاتب رضا خباد. مؤكدا أنه يامل في أن يشفي المريض بعد أن شرع هذا الأخير في كتابة ثلاث روايات متتالية لم يسبق له كتابتها سابقا والتي سيسدل عنها الستار في الأشهر القليلة القادمة..وقال الدكتور رزوق في نفس الحوار أنه تفاءل خيرا مع كتابة رضا خباد لروايتيه " المترجم" و " الكفيف يمكن أن يري، لشعوره أن خباد يحاول بطريقته أن يرجح جانبه العاقل والواقعي وذلك من خلال لستغلاله لاشخاص حقيقيين من واقعه في هذين العملين، لكنه نفاجأ مع نهاية الرواية الثانية بتراجع خباد عن العودة إلي الواقع واكتفائه بعوالم يتماهي فيها الواقع والمتخيل أو ما أسماه الكاتب عالم ما وراء المرايا" . ولعل السؤال الذي يطرحه الطبيب النفسي في الصفحة الأخيرة من الرواية يمثل تجسيدا لفكرة الرواية حين يقول : " هذا المريض أعجزني لأنه لا يكف عن الحلم، أخبروني كيف يمكن لواقع مهما كان رائعا أن يرضي الرجل الحالم؟". من الممكن التوقف أمام دلالة العبارة الأخيرة المقترنة بعنوان الرواية، للاستدلال علي فكرة " المحال" التي أراد سمير قسيمي تحميلها لنصه، الذي يمضي في عدة مسارات متشابكة، لا تكتفي بدمج أكثر من رواية ضمن أخري، بل تلجأ إلي أساليب سردية تجريبية أخري مثل تضمين النص فقرات كاملة مكتوبة بالفرنسية، واستخدام تقنية الرسائل، والتناص. تقدم رواية " الحالم" أكثر من مستوي في السرد، كونها تنتمي إلي نوع الرواية التفكيكية، التي تحتاج من القارئ إلي ذهن غير كلاسيكي في تلقيها، وتفكيك طبقات السرد التي تتشكل وتأخذ أكثر من منحي تجريبي، لا يمكن الجزم به بعد انتهاء الرواية التي تنتصر لفكرة الحلم علي الواقع، والجنون علي العقل، لأن الجنون هنا يبدو مصدرا للابداع،لذا تقيم " الحالم" في هذا الانحياز معادلة نفسية ترجح كفة الخيالات علي الحقائق.