تعيش شوارع وسط البلد صباح الجمعة ساعات هادئة في الغالب، خصوصاً إذا ترافقت الجمعة مع مناسبة عائلية كعيد الأم. لكن في جمعة عيد الأم الأخيرة وسط الهدوء الناعس لكراسي المقاهي الخالية شهدت منطقة البورصة حركة غير اعتيادية، ظهرت مجموعة من الشباب في زاوية مُتفرقة، ثم بدأ العرض الراقص في الشارع والذي يحمل عنوان »مائة يد» ويضم راقصين من مصر وهولندا. تجمع جمهور قليل عابر، وبدا العرض ملفتاً بحركة الراقصين في المساحة العامة. وفي الخليفة خرجت تأويلات مختلفة للجمهور لما يحدث. ما بينه كونه من ألعاب الإنترنت، إلي كونه حدث ذو مغزي سياسي، لكن الحقيقة أن العرض هو جزء من فعاليات مهرجان »دي-كاف«، والذي يعد مهرجان الفنون الأضخم الذي تشهده القاهرة منذ سنوات وربما منذ عقود. العطار: نحتاج أن نري أكثر هذا العام بلغ المهرجان عمر ثلاث سنوات، تعددت أماكن العرض حتي أنها خرجت من القاهرة إلي إسكندرية وتنوعت البرامج الفنية. فالمهرجان الذي بدأه المخرج المسرح أحمد العطار كمهرجان للمسرح والفنون الأدائية، تحول الآن ليصبح مهرجان شامل للفنون المتعددة. يتولي أحمد العطار مسئولية الإدارة الفنية للمهرجان، لكنه مع ذلك في حواره مع أخبار الأدب يوضح أنه يؤمن بالتخصص، لذلك فهو لا يتدخل في برمجة البرامج المتعددة التي يشملها المهرجان، حيث يتولي محمود رفعت مسئولية تنسيق العروض الموسيقية، وهيرف لو فوية تنسيق برنامج الأفلام، وبيث سترايكر للفنون البصرية. وهي البرامج الثلاثة الرئيسية التي يقدمها المهرجان هذا العام. لكن العطار يأمل أن يشمل المهرجان في دورة العام المقبل برنامج آخر للأدب. يري العطار أن المشهد الثقافي المصري يعاني من الانغلاق، وحسبما يقول: »نحتاج إلي أن نري أكثر، ونتعرض لما يحدث في العالم، وهذا هو أحد الأهداف الرئيسية لكاف، أن ننفتح بأكبر قدر ممكن علي مختلف الفنون وما يحدث في الحركة الفنية العالمية«. يقدم العطار هذا السبب دفاعاً عن عدم وجود تيمة أساسية لعروض المهرجان. فمن موسيقي المهرجانات، إلي عروض السينما العالمية، إلي الرقص المعاصر لا تجمع كل العروض المقدمة وحدة فنية متماسكة. ويبرر ذلك قائلاً: »في المستقبل في مرحلة ما، بعد أن تتوفر لدينا قدرة أكبر علي الثبات والاستمرارية، ونحصل علي اعتراف يضع المهرجان علي خريطة المهرجانات العالمية، يمكننا حينها الانتقال للمرحلة التالية من كون »دي-كاف« مساحة للعرض إلي مساحة لتقديم أعمال فنية ذات طابع ومفهوم متماسك«. لولا أوروبا ما استطعنا احضار العرب ليس كل ما يتمناه المرء يدركه، وكعادة معظم المهرجانات الفنية فالمهرجان يطغي عليه الحضور الأوروبي، وحينما تسأل العطار عن تفسير يقول: »هم أكتر الجهات الداعمة لكل الفعاليات الثقافية، صحيح أن لا يفرضون أي توجهات علينا، ولا يفرضون فنانين محددين. ويتركون لنا حرية الاختيار لكن يجب أن اختار من عندهم. هذا العام كنت آمل في أن استطيع إحضار فنانين وعروض من البرازيل ومالي تحديداً، لكن سفارات كلا الدولتين لا تدفع ولا تمويل فعاليات أو مشاريع ثقافية«. وبسخرية يضيف العطار: »حتي الفنانين العرب، لكي نستطيع إحضارهم نستعين بتمويل ودعم من مؤسسات ثقافية أوروبية، ولولاهم ربما ما استطعنا إحضار فنانين عرب«. لكن لا يعتمد »دي-كاف« علي التمويل الأوروبي فقط، بل يفتح عقود الرعاية والتمويل لأي من الشركات المصرية أو العالمية مقابل وضع لوجو الشركة علي منشورات المهرجان. ويضم المهرجان ثلاث مستويات من الرعاية فهناك الراعي البلاتيني وهو الداعم بأكثر من 150 ألف جنيه، وهذا العام عم شركة الإسماعيلية وراديو »نايل. أف.أم» وهناك الراعي الذهبي وهو لما يتبرع بأكثر من 100 ألف وهم سلسلة فنادق الماريوت، مؤسسة منصور للتنمية، وشركة سيارات »ميني كوبر«. إلي جانب الرعاة الفضيين وهي للداعمين بأكثر من 50 ألف جنيه مصري. رعاة المهرجان هذا العام أكثر من الأعوام السابقة لكن كما يوضح العطار لم نصل بعد للنسبة الصحيحة. من بين جميع رعاة »دي-كاف« فشركة الإسماعيلية هي الاسم البارز، وهي شركة العقارات التي تملك عشرات العقارات التاريخية والهامة في منطقة وسط البلد. وإلي جانب دعمها للمهرجان فلقد فتحت الشركة للمهرجان الكثير من مبانيها في وسط البلد والمسارح التي تملكها، إلي جانب سلسلة محلات »كوديك« في شارع عدلي والتي تم ترميمها مؤخراً والتي سيعرض فيها معرض حسن خان. يصف العطار موقف شركة الإسماعيلية بالذكي. فالشركة تسعي لبعث روح وسط البلد حيث تمتلك عدد كبير من العقارات، وهي من خلال دعمها فعاليات ثقافية في المنطقة ومهرجانات كدي-كاف تعيد تشكيل شخصية المنطقة ببطء الأمر الذي مع الوقت سيكون له مردود إيجابي علي عقاراتها وصورة وسط البلد. السياحة الجهة الحكومية الوحيد الداعمة يطوف العطار طوال العام عشرات المهرجانات حول العالم، ومن خلاله دراسته لاقتصاديات المهرجانات يوضح أن معظم المهرجانات العالمية تعتمد في تمويلها علي ثلاث جهات، ثلث التمويل من مؤسسات المجتمع المدني، ثلث من دخل المهرجان وعائد بيع التذاكر وتبرعات المحبين، والثلث الأخير من الدعم الحكومي. والمشكلة التي يواجها »دي-كاف« وكل المهرجانات الفنية والثقافية في مصر هي غياب الدعم الحكومي. عن الدعم الحكومي تحدث العطار حيث أوضح أن الدعم الوحيد الذي حصلوا عليه كان مبلغ لا يتجاوز عشرة آلاف دولار من وزارة السياحة، أم وزارة الثقافة فلم تقدم أي دعم. بل اضطر منظموا المهرجان لتأجير مسارح الدولة من الوزارة. لكن العطار يضيف: »طبعاً في النهاية أن متفهم الظروف الاقتصادية في البلاد، لكن كل ما نتمناه في المستقبل هو علي الأقل المساعدة في استخراج التصاريح والموافقات من الجهات الحكومية المختلفة، أو علي الأقل اعفائنا من الضرائب، لا يمكن مثلا كمهرجان فني من هذا النوع أن نقوم أيضاً بدفع ضريبة ملاهي!« علي مدار ثلاث سنوات هي عمر »دي-كاف« كان المهرجان هو أول حدث ثقافي يقدم موسيقي المهرجانات، اسأل العطار: »ألا تخشي من استمرار التواجد الكثيف لموسيقي المهرجانات أن يحدث هذا ارتباط شرطي بين »دي-كاف« والمهرجانات؟« يجيب العطار: نحن مهتمون في دي-كاف بالفن المعاصر وبصيغة أدق »الفن الآن« نحاول أن نحافظ علي التنوع في الاختيارات خصوصاً ما له علاقة بالعروض الموسيقية لكن الموسيقي الإلكترونية جزء أصيل من المشهد الموسيقي الآن، والمهرجانات هي إضافة مصرية خالصة في هذا المشهد المعاصر. بينما تشهد عروض المهرجان تنوعاً في عدد الفنانين المشاركين، فبرنامج الفنون البصرية لا يشهد هذا العام سوي عرض لفنان واحد هو حسن خان، والذي يعرض هذا العام ما يشبه بانوراما لكل أعماله ومسيرته الفنية، والتي تضم أعمالاً تعرض لأول مرة في مصر. ويدافع العطار عن عدم وجود أي فنانين آخرين في برنامج الفنون البصرية إلي جانب حسن خان قائلاً: »معرض حسن خان ضخم جدا، واحتاج لتجهيزات كبيرة، واستقدمنا أعمال من مختلف دول العالم. وفي الوقت ذاته فرصة لعرض أعمال حسن، ونحن لا نعتقد أن التكريم لابد أن يأتي حينما يصبح الفنان عجوزاً