"فتش عن المرأة " عبارة كثيرا ما تتكرر لتشير إلي المرأة بأصابع الاتهام، ولكن المرأة هي ذاتها التي تتحول لملهمة تلهب خيال كثير من المبدعين منذ فجر التاريخ لتمنحنا أروع الأعمال الفنية، وهي أيضا التي داعبت خيال الفنان مصطفي رحمة واحتلت عالمه التشكيلي، لتصبح موضوعه الأثير في معرضيه الفرديين اللذين أقامهما واحدا تلو الآخر بقاعه دروب للفنون التشكيلية. ومن "هوانم زمان" إلي "ن" أكد رحمة عبر مجموعة بديعة من اللوحات اهتمامه الشديد بالمرأة وعالمها، وهو ما لم ينكره حين يفسر اختياره لاسم "ن" عنوانا لمعرضه الأخير- الذي تضمن 30 لوحه مختلفة الأحجام عبر فيها عن فكرته بخامتي الإكريليك والزيت- قائلا: "ن" هنا تعني نون النسوة، فمازلت أبحر في عالم النساء، وغالبا بحورهن دون شطآن، والمدي متسع للتجريب بكل أشكال الرسم طالما توافرت المادة الخام التي أعمل عليها لتبقي المرأة عنصرا خصبا جدا. ويضيف رحمة: المرأة من وجهه نظري هي الأصل في كل الأشياء، وقد كانت المرأة منذ البداية في صدارة المشهد فمن منا لا يتذكر بلقيس، وشهرزاد، وسالومي، وإيزيس وأفروديت ونفرتيتي وعشتار وغيرهن ممن ملأن التاريخ بقصص وأساطير وحكايات.. وكن من الإغراء بحيث تناولهن فنانون كثيرون علي مر العصور. وقد تعددت الأعمال الإبداعية التي خلدت المرأة وتنوعت بين الكلمة ممثلة في الأشعار والأغاني والقصص والروايات، وبين الألحان، وبين الفنون التشكيلية علي مختلف أنواعها، يقول رحمة: تلك الأعمال حُفرت في ذاكرة البشر وحفظها التاريخ، وكانت المرأة هي موضوعها الأساسي، ولكن تظل المرأة سرا غامضا يصعب علي أي رجل مهما بلغ ذكاؤه أن يسبر أغوارها، لذا لم يكن غريبا أن أتناول المرأة في لوحاتي في معرضي الثاني بعد نجاح المعرض الأول الذي أقيم عام 2013 تحت عنوان " هوانم زمان ". ويبدو أن رحمة لم يكتف بمعرضين حيث يقول: أعتقد أن معيني لم ينضب بعد في تناولي لهن، لأنهن من الثراء بحيث أجد نفسي بحاجة لأعمال ومعارض آخري. ولكن المرأة في عالم رحمة تبدو متفردة بقدر تفرده في التشكيل، فهي ليست ذلك الكائن الرشيق العذب الملامح، وإنما مالت نساؤه في الغالب إلي البدانة والضخامة الجسدية، وهو ما منحها خصوصية محببة يفسرها الفنان قائلا: المرأة في مجتمعنا هي الأقرب إلي البدانة، ويضيف أن المرأة ليست برشاقة جسمها، بل أن لكل امرأة جمالاً من نوع خاص، والمرأة البدينة قد تعكس الإحساس بالأمومة والعطاء والدفء. ولعل الفنان رحمة يخلق لنفسه مساحة متفردة في اختيار تشكيل للجسم أقرب إلي الكتلة النحتية، يقترب من خلالها من عالم الفنان الكولمبي المعروف فرناندو بوتيرو الذي قدم البدانة في أعماله لكن برشاقة وإبداع، وهو الفنان الذي قال الدكتور عبد الرازق عكاشة عن لوحاته إن الفخامة والتضخيم تسيطر علي أعماله بوقار، وتفرض نفسها علي المسطح كعناصر أساسية، وهو بالفعل ما تشعره مع أعمال مصطفي رحمة أيضا. والمتفحص في أعمال رحمة يستطيع أن يستشعر عدة نقاط أبرزها اهتمامه بالتراث الشعبي الذي ظهرت كثير من رموزه في عدة لوحات، وهو ينوي أن يطرح هذا الموضوع في معرض مستقل في المستقبل، وكذلك بانتونته اللونية شديدة الخصوصية، إضافة إلي اهتمامه بالكتلة وهو ما قد يرجع إلي ولعه بالنحت لا سيما التماثيل الفرعونية التي تستقر في وجدانه الفني. جدير بالذكر أن الفنان مصطفي رحمة من مواليد المنصورة 1952، وهو فنان متفرغ كرسام كاريكاتير اجتماعي وسياسي شارك في عده معارض جماعية، ويعتبر معرض"ن" هو معرضه الفردي الثاني في عالم التصوير الذي اكتسب فنان موهوب له بصمة خاصة.