وزير التعليم العالي: طفرة كبيرة بالمنظومة التعليمية في عهد السيسي    الجيل الديمقراطي يعقد اجتماعًا لبحث استعداداته للانتخابات البرلمانية المقبلة    محافظ بورسعيد: المحافظة ظلمت بسبب إدراجها ضمن المدن الحضرية    جامعة القاهرة تستقبل وفدا صينيا بمستشفى قصر العيني الفرنساوي    نصائح يجب اتباعها عند شراء الذهب .. إنفوجراف    توريد 544 ألف طن من الذهب الأصفر لشون وصوامع محافظة الشرقية    شقق متوسطى الدخل هتنزل بكرة بالتقسيط على 20 سنة.. ومقدم 100 ألف جنيه    وزير الشئون النيابية يحضر اجتماع لجنة الإسكان بشأن مشروع قانون تنظيم مرفق مياه الشرب    الأمم المتحدة: حصلنا على الموافقة بدخول 100 شاحنة مساعدات لغزة    اتهام فلسطيني لإسرائيل بمحاولة تصفية قادة الحركة الأسيرة بالسجون    "أونروا": المنظمات الأممية ستتولى توزيع المساعدات الإنسانية في غزة    القاهرة الإخبارية ترصد استعادة الجيش السودانى السيطرة على ولاية الخرطوم    باكستان تؤكد التزامها بزيادة حجم التجارة مع الولايات المتحدة خلال السنوات القادمة    موعد سفر بيراميدز إلى جوهانسبرج لمواجهة صن داونز بنهائي دوري الأبطال    اتحاد السلة يكرم رئيس الاتحاد الإفريقي للعبة    مصيلحي: معظم الأندية وافقت على إلغاء الهبوط.. ولا أتخيل الدوري بدون الفرق الشعبية    سالم: نجهز ملف كامل حول أزمة القمة قبل الذهاب للمحكمة الرياضية.. ومتمسكون بعدالله السعيد    كلوب يفاجئ الجميع.. أوافق على تدريب هذا الفريق    السجن المشدد 5 سنوات لتاجر مخدرات في نجع حمادي    الطقس غدا.. حار نهارا معتدل ليلا واضطراب بالملاحة والعظمى بالقاهرة 31    تغريم شاب 5000 جنيه لسبه زوجته على «فيسبوك» بقنا    نجل عبد الرحمن أبو زهرة يكشف حقيقة إصابة والده ب"آلزهايمر"    العندليب ولبنى عبد العزيز سر من أسرار سمير صبري في مسيرته الفنية    مدير مكتبه الإسكندرية للنواب: نستقبل 2000 زائر يوميا ونحتاج دعم لتجديد البنية التحتية    مهرجان كان يمنح دينزل واشنطن السعفة الذهبية بشكل مفاجئ |صور    «مكافحة العدوى» بمستشفيات سوهاج الجامعية الثاني في ترصد الأمراض الوبائية    «سنة أولى أمومة».. السبب وراء تأخر بعض الأطفال في المشي    "رجال الأعمال المصرية اللبنانية": زيارة الرئيس اللبناني للقاهرة تعزز التعاون الاقتصادي    بتكلفة 5.8 مليون جنيه.. محافظ الشرقية يتابع تنفيذ المشروعات الخدمية والتنموية في القرين    إمام عاشور يرفض عرض الأهلي بعد الجلسة العاصفة.. إعلامي يكشف مفاجأة    ننشر الصور الأولى لضحايا طائرة رأس البر العسكرية    المغرب: حل الدولتين الأفق الوحيد لتسوية القضية الفلسطينية    حسين الشحات: متحمسون للغاية لمواجهة ميسي الأفضل في العالم.. ونثق في حضور جماهيرنا    وزير الزراعة: توطين صناعة المبيدات "ضرورة" تفرضها التحديات الاقتصادية العالمية    «ما يهزهم ريح».. 4 أبراج تتميز بثبات انفعالي مذهل في المواقف الصعبة    قرار قضائي جديد بشأن دعوى طليق الفنانة جورى بكر لرؤية طفله    هل يجوز الحج عمن مات مستطيعًا للعبادة؟.. دار الإفتاء تُجيب    ماذا تفعل المرأة إذا جاءها الحيض أثناء الحج؟.. أمينة الفتوى ترُد    جدول امتحانات الثانوية العامة 2025.. تفاصيل مواعيد الامتحانات لجميع الأنظمة التعليمية    رئيس جامعة مطروح: انتظام سير امتحانات الفصل الدراسي الثاني    قبل امتحانات آخر السنة 2025.. ما هو الاختيار الأفضل لتحلية الحليب لطفلك؟ (أبيض ولا أسود)    حوار خاص| أحمد السبكى رئيس هيئة الرعاية الصحية ل«البوابة»: إطلاق المرحلة الثانية من منظومة «التأمين الصحى الشامل» بمطروح خلال سبتمبر وشمال سيناء في ديسمبر المقبل    أنطلاق فيلم المشروع x بطولة كريم عبد العزيز ويامسين صبري بدور العرض السينمائى    نقابة الفنانين السورية تنعي بطلة «باب الحارة»    بحضور مدبولي.. رئيس سوميتومو العالمية: نحتفل بفخر بإنشاء أحدث مصانعنا المتطورة    الأمن يلقى القبض على المتهم بذبح والده المسن بأسوان    «سيدات يد الأهلي» يواجه فاب الكاميروني في ربع نهائي كأس الكؤوس    برواتب تصل ل15 ألف جنيه.. فرص عمل جديدة تطلب 5 تخصصات بشروط بسيطة    عاجل- الصحة العالمية تُعلن خلو مصر من انتقال جميع طفيليات الملاريا البشرية    صعود جماعي لمؤشرات البورصة في بداية تعاملات الثلاثاء    بعد تداول فيديو.. ضبط قائد سيارة حاول الاصطدام بسيدة على محور 30 يونيو    الصحة: إغلاق عيادة للتجميل وتركيب الشعر الصناعي بالعجوزة للعمل دون ترخيص ويديرها منتحل صفة طبيب    موعد وقفة عرفات وأول أيام عيد الأضحى المبارك 2025    نتنياهو: أدين بشدة تصريحات يائير جولان ضد إسرائيل وجيشها    «أكبر خطيئة وتستلزم الاستغفار».. سعد الهلالي عن وصف القرآن ب الدستور    الإفتاء: لا يجوز ترك الصلاة تحت اي ظرف    «ليست النسخة النهائية».. أول تعليق من «الأعلى للإعلام» على إعلان الأهلي (فيديو)    جامعة حلوان تنظم ندوة التداخل البيني لمواجهة تحديات الحياة الأسرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ظلال علي الجسد الذهبي
نشر في أخبار الأدب يوم 08 - 02 - 2014


الموت علينا حق..
قالها الشيخ بصوت خفيض، مرتجف، عميق، قاطبا حاجبيه، ثم انحني ليكشف جسد المرأة في التابوت الخشبي القابع في قلب عتمة المكان، قالها وهو غارق في تفكير لاقرار له، فجسد المرأة يبدو كأن الروح لم تفارقه بعد، كان أمرا غريبا للغاية، سحريا ربما، كأنه جسد لجنية، "سحر أسود"، فيما يردد التعاويذ، تجتاح المقرئ الضرير أفكار قاتمة، حين همس إمام المسجد بذلك، دون تردد مد المقرئ الضرير الصامت يدا ضخمة يتحسس جسد المرأة، كانت يده الثابتة ذات موهبة غريزية مدربة علي التحقق، تحاول الاحاطة بملامح الجسد ، ولا يستطيع أحد آخر في الكون المعروف أن ينازعه هذه الموهبة. ضحك شيخ المسجد في عبوس وهو يسأله:
ألا تعرف من هي؟
بدأت يده في الارتعاش، ارتعاش بسيط للغاية، ارتعاشة لاتكاد تري، كانت رعشة لاتري، هو فقط الذي أحس بها ثم غمرت الإرتعاشة قلب "الحاج بركات" الخشن سريعا، ثم شهق.
"الحاج بركات" كان هذا لقبه رغم أنه لم يخرج من بوابة القرية يوما ما، ولأن لقب الحاج لقب مجاني يمنح عن قناعة أو عدم قناعة لكل من تجاوز الخمسين في ربوع المحروسة فليس في ذلك معضلة، المعضلة أنه رغم اللقب المجاني كان معروفا عنه أنه "مزواج"، والنساء في تلك القري تعشق العميان، فالعميان يسقطون الملامح إلي مادونها. حين تحسس "الحاج بركات" جسد المرأة العاري شهق تلك الشهقة التي كانت مفاجأة لشيخ الجامع "الشيخ محروس"، لكنه عبر سريعا تلك الشهقة قائلا في نفسه أنه ربما يمكن لبركات أن يكشف مالم يستطيعه هو، فخبراته في النساء أوسع من كل رجال القرية، قال بركات بعد برهه:
كأنها ماتت الآن أو لم تمت.. جسدها دافئ .. ساخن.. حار.. ربما لاتكون إنسية..!
ضحك الشيخ محروس وقال:
ماعفريت إلا بني آدم..
عادة ما يتم العثور علي هذه الجثث لبنات أو نساء ملقاة جثثهن في بحر النيل الذي يمر علي ضفاف القرية، جثث يتم دفنها في مدافن الصدقة التي تقع في نهاية القرية من الناحية الأخري، مابين ضفاف الحياة ومدافن الموت تقع القرية، وعادة مايتم إلتقاط هذه الجثث ودفنها بعد الصلاة عليها، وعادة أيضا ماتكون هذه الجثث في حالة تعفن، وزرقاء تآكلت أطرافها أحيانا، وغابت ملامحها أحيان أخري، إذن ليس في الأمر جديد، عادة مايبدأ الأمر علي ضفة النهر، وينتهي في المدافن هناك، حيث الموت، وحيث لاتحاول العيون التذكر.
قال الشيخ محروس:
هذه أول مرة نصادف فيها هذه المسألة الغريبة..!
هز الحاج بركات رأسة مؤمنا علي كلام الشيخ محروس، لكن عقله كان يعمل سريعا، إن وجود جثة لإمرأة شابة مقطوعة الرأس تماما أمر أكثر إعتيادية، أشجار البرتقال الكثيفة في الحقول الممتدة علي شطآن بحر النيل تسمح دائما، بحالات اغتصاب، الاختباء بها، وانتظار الضحية، وربما تكون قضية شرف، وربما لاهذا ولا ذاك، سخونة الجو بين أوراق الشجر المتشابكة تسمح بآلاف من الموبقات، وكثيرا ماوجدوا جثثا بلا نهود، وأحيانا بلا أرجل، وأحيانا مشقوقة البطن، وأحيانا يكون الرأس موجودا ومنديل نايلون حريمي ملفوف بشدة حول الرقبة أو صورة الأصابع الضخمة التي فتكت بالعروق تحت جلد رقبة الضحية تؤكد طبيعة الجريمة، وغالبا ماتفشل الشرطة في العثور علي القاتل، ولم تكن مشكلة القرية أبدا العثور علي القاتل، فغالبا ويكاد يكون دوما أن تأتي هذه الجثث من قري أخري بعيدة، لكن وجود هذه الجثة الساخنة يشي بأنها إحدي بنات القرية، ولم يحدث هذا الأسبوع أن أبلغ أحد الأهالي عن فقد ابنته أو امرأته.
الأمر الأكثر غرابة أن هناك رمزا ما علي كتف الجثة، هناك قرب الذراع الأيمن، رمزا يجمع بين الهلال والصليب، وهو أمر محير هل هو وشم أو وحمه، لايمكن الجزم .
في العتمة حين هموا برفع الجثة، قال شاب من الشابين اللذين عثرا عليها قرب طرح النهر، وقريبا للغاية من موقع المسجد
ياشيخ محروس .. الجثة تلمع..
حدق الشيخ محروس قليلا في الجثة المختفية تحت الغطاء الأبيض الذي أحضره الحاج بركات من منزله لتكفين الجثة وترك فوقها، وكانا يستعدان لغسلها، رفع الغطاء قليلا هذه المرة، كان اللون الذهبي للجثة يبدو واضحا، لم تكن بشرتها برونزية أو سمراء أو بيضاء أو قمحاوية، كانت ذهبية، ذهبية تماما، تذكره بالتماثيل الفرعونية التي كانت تعثر عليها القرية دائما، وتخبئها لتبيعها للأجانب بعد ذلك وهو تراث عظيم في القرية، لكن أمر هذا الجسد الجميل المقطوع الرأس أوقفهم جميعا جافلين، فإما أنه تمثال، أو سحر من نوع ما ليس له تفسير، ولكن سخونة الجثة، وأعضائها البارزة في طراوة، وضخامة هذه الأعضاء خاصة الفخذين والعكنة والنهدين، ونعومتها، حيث تبدو الجثة أنها خرجت للتو من حمام "العافية" كل ذلك كان قد جعل الحاج بركات الذي تزوج أكثر من خمسين امرأة يجفل، ويشهق وتظل تلك الشهقة بقلبه لاتغادره أبدا، ولم يقل أبدا للشيخ محروس من ماذا جفل!.
ردد الشيخ محروس :
الموت علينا حق..
رد عليه الحاج بركات:
لا إله إلا الله..
كان يردد "لا إله إلا الله" كل دقيقة، أخيرا نطق الشيخ "محروس" بما أراده الجميع، سنتركها هنا الليلة، فلايمكن دفنها في هذه العتمة وهذا الجو الخانق.. نغسلها في الصباح ونصلي عليها ثم ندفنها.. هز الحاج "بركات رأسه مؤمنا علي ماقاله الشيخ محروس، وانتفض الشابان الواقفان خلفهما، وأوسعا الطريق للشيخين، وسارا خلفهما خارجين من الجامع، فيما قفل الشيخ غطاء التابوت علي جسد المرأة، فغاب الضوء المنبعث منها، غابت في العتمة، وكان الغبار في الخارج يضرب في الجدران والأجساد فيكاد يصنع لنفسه فتحات فيها.
كانت الرؤوس الأربعة التي أخذت تبتعد عن الجامع تغلي في "منقد" الأفكار الناري، ومع كل خطوة كانت تبتعد بها كانت تبدو كحبات الغبار من بعيد، كانت الأفكار متعجبة مما رأت ومما لمست ومما سمعت، اتجه كل اثنين في طريق ثم انفصل الاثنان ليصبح كل واحد في طريقه متجها لبيته، بينما اتجه الشابان نحو بحر النيل يبحثان في إصرار عن الرأس المختفية، كانا يكرران بأن هذا الجسد لو وجدا رأسه ربما يعود للحياة !.
دخل الشيخ محروس بيته، أخذ حماما باردا في غرفة نومه، وقامت زوجته بدعك جسده بالصابون، ثم جففته وارتاح علي السرير قليلا وصلي ركعتين محاولا طرد هذا الكابوس الذي مزق حواسه، لم يظهر عليه إطلاقا أي رد فعل لما رأي، كانت الأحاسيس تعتمل داخله، وكان يحدث نفسه اثناء الاستحمام بأن مارآه لم يكن أكثر من هلاوس أو كابوس، استغفر الله وأمسك بالمسبحة، حاول أن يقرأ سبحان الله ثلاثاً وثلاثين مرة لكنه توقف في التسبيحة العشرين، احضرت له زوجته الطعام فأكل جزءا من الفرخة البلدي التي كان يقلبها بين يديه في جذل مشوب بالحسرة، كانت ناعمة للغاية، لكن ليس أنعم من ذلك الجسد الذي تركه هناك في العتمة، بعض أصابع محشي الكرنب الغائص في السمنة البلدي الناعم بشدة أيضا، لكنها ليست أنعم من الجسد، وتجرع شوربة ساخنة عل سطحها يدور مرق ثقيل لونه يقترب من اللون الذهبي مع بعض الإخضرار، لكن لون الجسد الذهبي أكثر طبيعية، نهض وغسل يديه وأراد أن يصلي ركعتين كي يشعر بالأمان الذي بدأ يفقده، لم ير في حياته جمالا مثل هذا الجمال الذي رآه الليلة، كان جمالا وطراوة تنفي كل الجمال الذي سبق وأن رآه ، فزيجاته الثلاث لم ير منهن هذا الجمال، "وهذا الجسد الذي ربما يختبئ خلفه الشيطان يطيح بكل تأملاتي عن جمال المرأة في الدنيا والآخرة" ، "هذه معضلة لم تواجهها من قبل ياشيخ، ربما تكون هذه زلتك ومعصيتك في الدنيا وعليك الآن أن تتأكد من صدق مارأيت"، يتذكر أن زيجاته الثلاث تمت هروبا من المعاصي، كان يتزوج درءا للشبهات، وهروبا من المعاصي، التي طاردته كثيرا بعد ذلك، لكنه أصم أذنيه عنها، وهاهو الآن لايستطيع منها فكاكا " مع من يامحروس؟.. مع جسد مقطوع الرأس؟؟" نادي علي زوجته الصغري، جلس علي السرير بعد أن خلع ملابسه عاريا كإله قديم مات وماتت رعاياه ولم يعد أحد يتذكره، ودخلت هي بجانبه، خلعت كل شئ، مد يده المرتعشة يحاول أن يلتهم صدرها بأصابعه الثقيلة، حين لامست أصابعه صدر المرأة أدرك الفارق العظيم بين تلك الجثة المقطوعة الرأس وبين زوجته، نهرها، قفزت من علي السرير، كانت كل أعضاؤه قد همدت، ارتدت هدومها وخرجت تكاد تسقط وتتخبط في الجدران، وأصبح هو انسانا آخر، كان قد صمم علي الخروج ليري ويتأكد ويتيقن بأن من قابلها وتركها داخل المسجد كانت شيطانا لا أكثر ولا أقل.. كان يرتدي ملابسه وهو يردد :
الموت علينا حق..
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم..
يحاول أن يلملم ذاته التي كانت تركض سريعا خارجة إلي ماتركه خلفه منذ وقت قصير..
الحاج بركات الضرير، مشي يقرأ القرآن في سره،
يستعيذ بالله من الشياطين، ومن الانس والجان، يعلم جيدا بعد تجربة طويلة من الزيجات وقراءة القرآن أن عفريت الحياة الحقيقي هو البني آدم، أتعس المخلوقات، وهو نفسه كان تعيسا في تلك اللحظة، آذته حبات الغبار كثيرا، لكن شد ما أذاه كان ملمس ذلك الجسدالعظيم، ومحاولته تخيل ملامحه. يذكر أن قدرته علي تخيل الناس كانت مغرية لكثير من الرجال فهو يستطيع أن يصف بدقة مدهشة كيف يمكن لإمرأة أن تتفتح كوردة في قلب الليل الغويط لرجل، لكن خياله علي الرغم من هذه القبضة الضخمة من النساء التي امتلكها كان يرتد سريعا لتلك الجثة العارية التي تركها هناك في عتمة الجامع، تلك الجثة التي لم يهتز من قبل لإمرأة قبلها، كل النساء كن مكتملات الرأس، لكنه لم يشعر بوجودهن في كثير من الأحيان، أما هذا الجسد فكان يناديه وكان يسمع صوته، جنية أو حورية تناديه وتناجيه، صوتها قريب الشبه للغاية بملمس جسدها الوضئ، المرأة الجميلة تمنح رأسها معني حتي لو لم يكن موجودا، أصابعه التي ترتعش تتذكر سخونة الجسد ونعومته، ود لو لعق جسدها، لكن الشيخ محروس كان موجودا، يتفنن هو في لعق أجساد النساء، يتفنن بضراوة، كأنه يستبدل عينيه بلسانه، فيخوض اللسان في تلك الأماكن التي لم ترها العينان، كانت حواسه كلها قد تم استثارتها بشدة، حين قبض علي نهدها، ووجد أصابعه تغوص في تؤدة، تنغرز في بطء، لكن اللحم يندفع مرة أخري يدفع بأصابعه إلي الخلف، يقسم بكل المقدسات أن الأجساد الحية للنساء حتي الصغيرات لم يفعلن ذلك مع أصابعه، كان يقبض القبضة علي اللحم ولا يتراجع، أما هذا الجسد فإنه يدفع بيديه إلي التراجع، شعر بأنه لم يفعل ذلك من قبل مع مائة نهد، اقترب بيديه الكبيرتين من العنق، أدرك بأن جيدها أكبر من أن يحتويه، كان طريا يمنحه طعم رغيف شمسي ساخن خرج لتوه من الفرن، الأصابع تقوم بدور الكف، ود أن يبكي علي صدرها، وأن يسمعها القصائد التي يخفيها لزوجاته الصغيرات، ليسمعن منه في الهزيع الأخير من الليل مواويل العشق، كان بعد أن يحصل المراد يدرك أن ولا واحدة منهن تستحق هذه المواويل، إنهن خشنات وثرثارات، وكان يتمتم بالشتائم بعدها، من قال بأن هذا هو النصف الحلو، النصف الحلو الوحيد هو الذي رآه الليلة، لكن علي أية حال حصل منهن علي كل متعة ممكنة، لكنه لم يحصل من قبل علي مثل هذه المتعة، أما مسألة الجثة الذهبية، فهي مسألة محيرة، أغلقت عليه مصارع التفكير، ربما طلي أحدهم جسدها بدهان ذهبي اللون، ربما، وربما أنها ليست إنسية، وربما يمكن له أن يحتمي بالمعوذتين حين يدنو منها.
كان قد قرر العودة في نهاية الطريق، يسكن في نهاية البلدة، وعليه أن يقطع طريق العودة، كان ألم ضربات الغبار متواصلا في تلك اللحظة، وكان يعلم أن لا أحد يراه، لا أحد يحتمل هذا الغبار اللعين، وهذه الحرارة القاتلة في الليل.

حين خرج شيخ الجامع من منزله استغرقه التفكير - الذي لايكاد يستقر - في تلك الوحمة أو الوشم الذي يحمل شكلا أقرب للهلال متحدا مع الصليب، مامعني ذلك، وما ذلك اللون الذهبي الذي طفا فجأة فوق سطح جلدها الساخن، هل هو عشيق واحد أم عديد من العشاق، هل نام هذا الجسد في أحضان رجل ما من قبل، مستحيل، إنه براءة كاملة، جثة ميتة تمثل البراءة كاملة، لكن هناك نوع من الغضب بدأ يتسربل إلي مسامه عند هذه النقطة، ربما تكون عاهرة، جسدها ليس جسد عاهرة؟ إذن ماذا تفعل هذه القطعة المعدنية في قلب هذه الجثة، إنها تنتظر أحدهم، ربما هو الذي قتلها، قتلها بعد أن حصل علي مراده، منحته نفسها بين أشجار البرتقال، يلف الصهد المارق الجسدين، ثم ينزل مرة واحدة علي رأسها بالمنجل، مرة واحدة وهي نائمة علي بطنها، وهي سارحة في حمي الشهوة، يشعر بغيرة قاتلة فينقبض كفه علي عصاته، الغيرة تدفعه للركض ليلحق بالجسد النائم في التابوت ليتأكد مرة أخري أن أحدا لم يمسسها، لم يمسسها أحد!

الحاج بركات، يريد أن يركض ويخاف الوقوع، الحرارة تهب علي وجهه، كاشفة عن تلك الأفكار التي تتدافع في يافوخه، تحت العمامة المتسخة، لكنه كان متحالفا مع نفسه، إنه يريد أن يعتصر النهد مرة أخري، يعتصره ليتأكد من أنه قبض قبضته الشهيرة، التي قبض بها كل نهود النساء المائة الحلال، وآلاف ليس في الحلال، خاصة الفتيات الصغيرات، حين تقوم أذنيه الكبيرتين بتحديد مكان النهد بدقة ميكانيكية، ليمد يدا لاترتعش ويقبض عليه، فيقيس عمق الأنثي، التي لم يتوقف يوما عن مضاجعتها، ولم يتوقف يوما عن التنغم بفكرة الحلال، والحرام، لكنه لم يقبض هذه القبضة التي تمنحه شهوته التي توقفت في حلقومه الأجرب، إنه متأكد الآن، بأنه أخطأ، ربما خجل من الشيخ" محروس"، وربما هاب فكرة الموت، لكنه متأكد أيضا أنه لم يهب جسدا يوما ما، ربما عليه أن يضاجع الجثة نفسها، تلك المضاجعة الأخيرة، التي ستمنحه الراحة التي لم يجدها لدي آمرأة أخري من قبل!.. كان يوسع الخطي وقد وقر في يقينه، أن هذه راحته الأبدية التي منحها له القدر!

كان قد وصل الجامع، حين اصطدم بالحاج بركات ، الذي جفل، وعلي مدخل الحارة الضيقة كانت نساء كثيرات يقفن في الطرقات، يضربهن الغبار والريح العاتية، يزأرن ويلطمن الخدود، وكانت أشباح كثير من الرجال في الداخل، صنعا لنفسهما فتحة في الأجساد الكثيرة المتراصة، ودخلا حيث كل رجال القرية واقفون هناك فوق الجثة الذهبية العارية الراقدة في التابوت الخشبي وقد أزيح الغطاء الأبيض عنها، يجمعون قبضاتهم يتعرفون علي الجسد المسجي في هدوء، شهوة جامعة، شهوة لاتخضع لمنطق، فيما كان يقينهم المحموم يؤكد لهم الضوء الذي فرش المكان كله بنور ذهبي بينما تترقرق بعض ظلال الحياة المشكوك فيها علي الجسد. لكنهم يتحسرون في دواخلهم علي تلك اللحظة التي عليهم فيها أن يحملوها لضفة الموت في نهاية القرية، بينما عبر بحر النيل هناك علي الجانب الآخر حيث الحياة يبحث شابان برغبة إنسانية محمومة عن رأس غائبة ربما تعود للحياة!.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.