ما الإحباط؟ لا أعرف ما الإحباط، لكن أعرف أنه ربما يكون ما يدفع شخصاً ما للتشاجر مع شخص آخر داخل حلزونات السير في أي خناقة مرورية، هذا ربما يكون إنسانا محبطا للغاية، وربما يكون محبطا لدرجة أنه من الممكن أن يسب أحد ويتشاجر معه وهم سويا في مساحة مكانية ضاغطة وضيقة، عملاقان بغضب عظيم كل منهما معطل بلا سبب حقيقي أو مقنع للزحام، ربما سيكون المشهد أكثر وضوحاً إذا تخيلتهم فوق كوبري الأحلام الضائعة "15 مايو"..هذا تصور يومي يمكن أن يقربنا من فكرة الإحباط. هل يمكن أن يكون الإحباط هو دافع الحكومة لاصدار قانون التظاهر مثلا؟ هل هناك أي تفسير آخر لتبرير صدور القانون؟ من الممكن أن تكون الحكومة محبطة، لدرجة أنها تعرف أن عليها أن توقف المظاهرات، وأنها لن تستطيع أن تحقق أي رضا، وأن المظاهرات ستكون خطرا عليها خاصة أن الانشغال بالحرب علي الإرهاب لن يكون سبباً كافياً لإشغال الناس عن التظاهر؟ حكومة محبطة، وتعرف أنها لن تستطيع أن تحقق رضا يحميها من المظاهرات. أن ذلك السبيل الوحيد لوقف مظاهرات الإخوان مثلاً، هل يمكن أن يعمي الشعور بالإحباط الحكومة أن القوانين لا ينبغي أن تكون مشرعة وفقاً لموقف يتسم بالتمييز، أو التوجه ضد فئة محددة، حتي لو كان الإحباط الدافع، القانون سيقيد التظاهر علي الجميع. هل السلطة محبطة لدرجة أنها لا تجد أمامها أفكارا أو حلولا ليست متصلة بالإستبداد.. لا أظن أن الحكومة محبطة، لكن المؤكد أن رعاة الاستبداد يعلمون أننا محبطين، أو ما أحاول أن أبحثه عنه هنا أن هناك علاقة ما بين الإحباط والإستبداد. مثلاً ما الذي فعلناه لوقف الإستبداد؟ ما الذي فعله أي واحد منّا لمنع عودة الإستبداد، أو تشكل استبداد جديد، لا شيء وهذا أول ملامح العلاقة بين الإحباط والإستبداد. كلما تحدثت حول الإحباط مع أحد، ألمح أنه يركز علي معادة أشخاص بعينهم، كلما استعدت ما جري منذ علاقة الإنسان منّا بالسلطة والشارع والحراك والشأن السياسي، وطبعاً الثورة، سأجد أننا كنا نصنع أعداء، أشخاص ما نحمّلهم كل شيء، إذا ثرنا علي هذه الشخصية سينتهي كل شيء وحش وبغيض. حينما كنا نتأهب لإزاحة مرسي، كنت أسأل هل مرسي وحده هو السبب؟ هل سنكون أفضل بعده، بالطبع كانت الإجابات جاهزة "الفاشية.. التمكين.. تجار الدين..جماعة غير وطنية..النازية المصرية"، لكن هل نحن نحتاج لأن نضيف للطابور جماعة جديدة، الأعداء الذين نرصهم في طابورنا هل هم سبب إحباطنا؟ في حديث غير شخصي مع صديق كان يريد العزل، أن يطبق العزل الآن وفوراً، وبعد ذلك الحياة ستصبح جميلة. قلت: لكن ممكن تكون المشكلة في الاستبداد مش في الأشخاص بس. لم يقتنع، وظل يكرر كلامه. ما أطول هذا الطابور.. يحضر أمامي، الآن، طابور من الأعداء الذين كرهتمهم وكنت أعتبر الثورة وسيلة للقضاء عليهم..هل هؤلاء أعداء وهميين؟ هل نحن كنا في صراع حقيقي مع الأعداء؟ هل كانوا هم في صراع معنا؟ هل الصراع بيننا حقيقي أم هي مجرد كراهية، بشكل عام الصراع مع السلطة في النهاية صراع رمزي، ويقع بكل شيء، صراع يومي، لكننا لا نزال نعتمد سياسة النفس الطويل، أننا من أصحاب النفس الطويل، ويتزايد الإحباط ويتضخم حينما نكتشف أننا لسنا أصحاب نفس طويل، (وهل يحب أن نكون أصحاب نفس طويل لنكون مواطنيين ثوار في هذا الوطن؟) أظن أن المسألة ليست بالنفس.. لا يفترض أن نكون كل مرة في الشارع نتأمل صاحب السلطة ونحاول كل مرة منعه بالطريقة الصعب ألا يكون مستبداً، وألا يكرر خيانتنا كما خاننا كل من سبقه، لا ينبغي أن نفكر لماذا تتم خيانتنا كل مرة؟ هل العيب فينا؟ نعم العيب فينا لأننا لا نقيم ما يمنع من عودة الاستبداد، وكل مرة نصاب بالإحباط، أظن أن علينا أن نمنع الاستبداد حتي يقل الإحباط.