حق لرئيسة أن تتذكر الآن بكثير من الحقد والغل ولادة بكريها راغب، راقدة علي الأرض، شعرها الذي اعتادته طاقية كان في تلك الأيام ضفيرتين، آلام المخاض نار رغم أنه موسم البرد. في البدء مددت فوق السرير بعد أن أفرغت ماء رحمها كله دون أن تدري، ولمَ يجب أن تدري؟ هذا بكريها، وفي الحقيقة لو أنها خبرت أن ذلك ماء رحمها وأنه سيتدفق كله تحتها لما وضعت فوطًا أسفلها لتمتصه، لكن الكيس انفتح وفرغ الماء كله وأصبح رحمها جافا كأرضية حجرتها الخرسانية. يادي البخت!.. لو كانت أمها علي قيد الحياة لما مددت فوق سريرها وحيدة، صحيح أن النسوة حولها من كل جانب لكنها كحبة القمح وسط الطحين! كان يوم قد مر علي انفجار كيس مائها، ولم تك تعرف أنها تتمخض لولا أن أخبرتها مسعدة حماتها.. يالهوي يا ابنتي إنك تلدين. كانت تسير من الحمام إلي السرير عندما اندلق الماء من بين فخذيها، جزعت وأعيتها المفاجأة، لكنها لم تصرخ أو تطلب الغوث، ودفعها الخوف دفعًا وقفز بها إلي السرير، ماذا حدث لبطنها وما هذا الذي صار ينز من فرجها؟ استلقت علي ظهرها مضطربة تعاني التعب لا المخاض؛ فلسوء حظها أن طلقها باردٌ.. كحبة قمح وسط الطحين تركتيني؛ الله يرحمك يا أمي، الله يسامحك يا كامل ياتري أين أنت الآن! وعندما عاد زوجها كامل -في الليل- من المقهي وجدها حمراء الوجه مستلقية علي ظهرها فوق السرير.. مالك؟ متعبة قليلة.. أنادي علي أمي.. لا تناد علي أحد.. لم؟ تبدين متعبة فعلا!.. لا تناد علي أحد! لن أشحذ العطف منهم، لم أخرج علي أمك منذ النهار ورغم ذلك لم تسأل عني والذي يفصل بيننا باب... ما المشكلة! أعتقد أنهم لم يتركونك إلا لترتاحي!.. أمك وأخواتك يتجنبنني منذ شجارهم معي بالأمس... بلا خرف نسوان سأنادي أمي... أرجوك لا تناد أحدًا واتركني لحالي سأكون بخير. ..تري يا كامل لو تركتني ولم تناد أمك، لصار الأمر أهون لو كنت ناديتها، سامحك الخالق!.... ليس قدرها الرحيم هو الذي دفعها لتخبر مسعدة بأن ماءً اندفع من بين فخذيها بالأمس، لكنها رغبة منها في تعذيب قلب حماتها، وإشعارها بالذنب من تركها وحيدة تعاني التعب في غرفتها دون أن تسأل عنها... وفجأة اندفع الماء من بين فخذيها كأن طشت ماء دلق... يالهوي إنك تلدين يارئيسة، وصابرة علي نفسك حتي الآن، يارب سترك. جاءت القابلة. ولما تفحصتها سألت عن مكان زوجها.. فين جوزها؟.. زوجها في العمل... اذهبوا في طلبه.. عمله بعيد، خير لم تريدينه؟.. البنت طلقها بارد وكيس الماء انفض ولا يوجد ما يحفز بطنها غير أن ينام معها زوجها الآن!... يالهوي ينام معي الآن، كيف؟ يالهوي ماذا أقول له، تعال نام معي، وأنا في هذه الحال وأنت جميعكم بالخارج تعرفون أنه دخل لينام معي، مستحيل!... إذن فلتتحملي الطرق الأخري. أعطتها القابلة ثلاث نقاط زيت خروع علي منقوع الحلبة، ثم أمرت بماء ساخن وفوطة غمستها في الماء وعصرتها ثم همت لتكشف صدرها. قُطعتْ يدها التي مدتها علي صدري، ولسانها كذلك! أتقول لي"أمال لو صدرك كبير ماذا كنت تفعلين"! اكشفِي صدرك يامرة... أهو صدري أهو! جعلت القابلة تفرك حلمات ثدييها بالفوطة المبللة بالماء الساخن ساعة أو يزيد، كل ذلك والطلق بارد... البنت طلقها بارد ولن يجدي نفعا معها غير الحقنة الشرجية! الطلق قوي مؤلم، والقطة الباردة المستكينة تحولت إلي لبؤة متوحشة ممددة فوق السرير، والنسوة حولها والقابلة بين فخذيها، والماء الساخن يبرد ويعيدون غليه من جديد. ست ساعات استغرقنها ليقررن بعدها أن المرتبة القطنية للسرير مع رحمها الجاف حائل صعب دون ولادة بكريها... أنزِلوها إلي الأرض. فحملنها إلي الكليم الخشن المبسوط علي أرضية الخرسان، وفور أن لمست عجيزتها الطرية الكليم صرخت.. الأرض قاسية يا أم كامل أرجعوني إلي السرير. الأرض أحسن تحملي. جلست مسعدة فوق رأسها تسقيها الصبر، والقابلة بين فخذيها تخلص النفس من النفس، والنسوة في روحة ومجيء بالماء المغلي، وكلما اشتد طلقها صرخت.. اصبري يا رئيسة، لا تصبر.. هانت يا بنية كفي عن الصراخ. لا تكف.. ضعي كفك علي فمها يا أماه. فتضع مسعدة يدها فوق فمها لتكف رئيسة عن الصراخ، فتكف.. حاسبي يا أماه ستعض يدك. فترفع مسعدة يدها عن فم رئيسة، فيعود صراخها.. اصبري يا مرة الفرج قادم.. ضعي ضفيرتها يا أماه في فمها لعلها تصمت، فتضع مسعدة الضفيرة بين أسنان رئيسة، فتكز بأسنانها حتي تكاد تقطع شعرها، فترفع يدها من الأرض إلي فمها فتنتزع الضفيرة منه، وتصرخ، فتقرصها مسعدة، فتكف عن الصراخ. ويقولون لي أكنت أول من تلد في الدنيا؟ نعم أنا أول من تلد في الدنيا.. تعيد مسعدة الضفيرة إلي فم رئيسة من جديد، لكنها رئيسة- بدلا من أن تعاود رفع يدها لانتزاع الضفيرة من بين أسنانها، ترفعها إلي أعلي وبكل ما أوتيت من عزم تهوي باللطمة علي وجه مسعدة فتشويه.. عظامي تنصهر يا أولاد الكلب ألا يكفي هذا، أتريدون تقطيع شعري كذلك؟ تسبها النسوة كلهن، ثم تصرخ رئيسة منفردة، فيأتي راغب إلي الدنيا علي الأرض. نعم، قد حق لها الآن أن تتذكر بكثير من الحقد والغل والكراهية ولادة بكريها راغب، هي الجالسة بمفردها في حجرتها بالمنزل الكبير، والكل بالمستشفي. ألهذا الحد أصبحت عملية ولادة سِلفَتُها حدثا جللا؟ سلفتها الآن بين يدي طبيب، راقدة فوق سرير بمراتب قطنية، والجميع واقفون حولها بالمستشفي بمن فيهم زوجها كامل وابنها البكري راغب، حتي ابنتها الصغري تركتها ووقفت في الشرفة لترقب الشارع وتنتظر العائدين من هناك بالبشري الحسنة، وكأنها رئيسة- المنبوذة من تلك الفرحة وحيدة في غرفتها.