الأحد: والدمعة تتحدر من عيون الوطن الجميل..وتنساب حزينة، مؤلمة متألمة، تماما مثل الدمعة في عيني: تتحجر، فلا هي بالتي تسقط، ولا هي بالتي ترجع.. فإذا بي أعيد قراءة الرسالة التي وصلتني من سيدة تصف نفسها بأنه »السيدة المرعوبة« فجاءت رسالتها أكثر رعبا من جراء المشهد العنيف الذي فوجئت بمن يخطط علنا لارتكابه عن سبق إصرار وترصد.. أستدعي المشهد من حروف الرسالة التي تنزف دما، ليس علي طريقة قياس الشاهد علي الغائب، وأنا لا أحتاج الي كثير تحديق في اللحظة الفائقة الحساسية التي تصورها ثقافة الصورة بمرآة مقعرة جدا تضخم الأشياء، حتي جعلت من اليوم (الأحد 30 يونيو 2013) كأنه يوم القيامة!!! حشد وحشر وحشو وشحن وحزن وخوف ورعب..و..و.. كل مفردات عائلة الهول: جِزُّه.. هي الكلمة التي تكررت في رسالة هذه السيدة التي أقل ما توصف به أنها رسالة مرعبة من سيدة أكثر رعبا. جِزُّه.. فعل أمر سمعته ورأته يطلقه خمسة أفراد داخل القطار القادم من الاسكندرية في يوم ليس ببعيد من هذه الأيام، فارتعدت خوفا وماتت رعبا، بالضبط ماتت، من هول هذه المفردة التي لا تزال تحيطها سمعا وبصرا وتفكيرا وتأملا. جِزُّه.. فعل وفاعل ومفعول به وفيه ومن أجله، في كلمة هي جملة واحدة مفيدة في معناها، قاتلة في معناها محملة بكمية ضخمة من »الدين والديناميت«. جِزُّه.. كتبتها السيدة بحروف خائفة مرتعشة، باكية، حارقة طارقة، تتغشاها ليل نهار، ومن ثم لا تتعجب كما تذكر هي من هول ما يحدث في مرحلة سائلة القوام، تحاول أن تعثر علي قيمة الأمن والامان، تلك الكلمة التي صرنا نشتاق إليها اجمعين، ونتشوق لتحققها الذاتي والموضوعي. جِزُّه.. حين سمعتها السيدة، ظنت ببراءتها أنها لعملية قتل بشعة رغم البساطة التي اطلقها الرجل ذو الجسم السمين جدا، والعقل الضئيل استحالة أن يطلق مخلوق ما، فيه بقية من روح انساني هذا الأمر الوحشي والمتوحش. جِزُّه.. تعترف السيدة انها كانت ضيقة الأفق حين توهمت أنها محددة المعني، فإذا بها تفيق لينسحب المعني علي فضاء واسع في الساحة ليكون »الجز« في اكثر من اتجاه. وعلي أكثر من مسار، وأكثر من عملية رصدتها في الأيام الماضية وتستبق بها الأيام القادمة.. قل هو هاتف داخلي، قل هي نداهة القتل الخارجي. جِزُّه.. الفعل يتشكل ويتلون، تتعدد أساليبه والفاعل واحد ووحيد، والفعل يتكرر نسخه، وتتشعب أذرعه في المجتمع والناس. جِزُّه.. والجز يستشري في القطيع، هل صرنا مجرد قطعان؟ هكذا تتساءل السيدة المرعوبة هل نحن عبيد وإماء يبيعون ويشترون فينا.. يتقاذفوننا ويقتسموننا غنائم؟ جِزُّه.. والجز صار يرتكب بفعل فاعل في وسائل الاعلام، في منظومة القيم، في العلاقات، في التعاملات، في الرؤي، في التفكير، في كل عقل يفكر، في كل قلب يخفق. جِزُّه.. والجز أصبح علنيا ومباحا ومتاحا ومفتاحا لفهم ما يجري وسيجري في السنوات العجاف القادمة - إن لم يتداركنا الله برحمة من لدنه - فالبقرات السمان يجزونها حتي تصير عجافا، والسنبلات الخضر تتيبس.(والله أعلم). جِزُّه.. والعاقبة عندكم في الانتخابات القادمة الفارقة، تري في أي عصر من التاريخ نحن نعيش، أنا الذي أسأل هذا السؤال من وحي المرارة التي تنز من حروف رسالة »السيدة المرعوبة« فالمعني يغالبني ولا فرق، إنها ظلال ودلالات تفرض نفسها.. إلا قليلا. جِزُّه.. وعفوا سيدتي المرعوبة، يا من يزحف الرعب في شرايينها، وكلنا أيضا، قلوبنا متصلبة، وعقولنا متسلطة، ونفوسنا متيبسة، وأجسامنا متخشبة. جِزُّه .. وكلنا اشباح.. كلنا مستباح.. كلنا نستحق ما يجري لنا.. جِزُّه.. فنحن ضحايانا..!. أليس كذلك...؟! الثلاثاء: علي شاطئ الخليج .. كتب الصديق العريق الشاعرمحمد عبدالله البريكي، من الإمارات، هذه المقالة التي تقطر حبا ووجدا وحزنا وحسنا، تعليقا علي ما كتبته عن المبدع الكبير الشاعر مفرح كريم، وناشدت د.هشام قنديل رئيس مجلس الوزراء لعلاجه علي نفقة الدولة كمبدع أنجز مشروعا إبداعيا بثلة دواوينه الشعرية، وعالميا بترجماته الثمينة، ويبدو أن تجليات اللحظة الراهنة التي تطغي عليها السياسة وتتجبر، لم تمكن السيد رئيس الوزراء من الإستجابة لصرخة مبدع نهش الفيروس كبده، ولا يحيا إلا بالأمل ليقهر الألم، لكن أشد وأعتي.. وهذه صرخة ثانية يطلقها قلم الشاعر البريكي وقد طيرتها جريدة (الخليج)الإماراتية ، ومواقع التواصل الاجتماعي عبر النت.. تنهيدة موجعة ومتوجعة، تشد أزر المبدع مفرح كريم، وتشرح صدره الذي يتنفس كالصبح أمله وأملنا في استجابة من بيده الإجابة: (مجدي العفيفي . . أيها المبدع الذي امتهنت التنوير في أخبار الأدب، حين أطلقت تلك الصرخة التي كشفت اللثام عن ذلك الفيروس الذي ينهش كبد الإبداع، كنت أقول لك إن من واجب كل من لديه مساحة يستطيع من خلالها ذكر معاناة المبدعين ألا يتركها لشيء سوي الإشارة إلي ما يؤلمهم، فهؤلاء تحملوا من الألم والوجع ما يكفيهم من أجل أن يقدموا منجزاً إبداعياً يتناوله الناس، يحاولون من خلال كتاباتهم تخفيف آلام الغير، ويدخلون السعادة علي قلوب الناس، بينما تجدهم يحملون البؤس والتعب والكآبة في قلوبهم، وكما يقال باب النجار مخلّع . نعم.. هناك كثير من الأدباء يحاولون الكتابة بأسلوب يزيل أو يخفف قدراً من الهم والرتابة لدي المتلقي، هناك من يقرأ نتاجهم الفكري، لكنه لا يعلم عن حقيقة معاناتهم، قد يعيشون في قلق دائم، قد لا يجدون ما يسد رمق حاجاتهم الضرورية، قد تكون أسقف بيوتهم آيلة للسقوط علي رؤوس طموحاتهم ومستقبلهم، قد يصادقون الأرصفة ويشركونها في تعبهم وجراحاتهم، وقد يحملون فوق رؤوسهم جبالاً من الهموم، ويجلس الليل في زوايا جنونهم، ولا يستريحون إلا علي وسائد الخوف، وكأن الصمت بالنسبة لهم ذئب يملأ قلوبهم عويلاً ورهبة، يبحثون عن وطن للقصيدة وبيت للبوح يقيمون فيه، ويرسمون من خلاله هويتهم الإبداعية بعيداً عن الشتات الذي يؤرقهم، ويشعرهم بالخذلان والضعف أحياناً . مفرح كريم الذي شغل مناصب ثقافية عديدة، وقدم للمكتبة الأدبية مجموعة من الإصدارات الشعرية والمترجمة، إضافة إلي اسهاماته النقدية وحضوره المستمر للندوات والملتقيات الثقافية، هو لا يشعر بالأمان الصحي، لأن القليل من البشر هم من يلتفت إلي إبداع المبدع، ويتفهم أناته واحتياجاته، القليل من الخيرين هم من يبحثون وراء الكلمة ويتفهمونها، ثم يبادرون إلي إنهاء الوجع الطويل، يجدون الحلول المناسبة لأسرهم وبيوتهم التي تكاد من شدة ما أضمروه في دواخلهم، وعبرت بين حين وآخر عنه حروفهم أن تسقط في يوم ما، إلا إذا سخر الله لهم من ينقذ تلك الأسقف من أن تقع علي أسرهم . أخي الزميل مجدي العفيفي.. قرأت تلك الرسالة التي تقطر ألماً ووجهتها إلي رئيس الوزراء في بلدك عن هذا الشاعر والأديب، كما قرأته هو حين يقول: عائدٌ من بحار الرمالْ ليس في جيبه غير صوت الفجيعةِ واللغة الهاربهْ عائدٌ ليس في ثوبه غير جسمٍ تآكلَ عبر زمان التغرب والوحدة المرعبهْ إنه المتحدثُ بلسان حال كثير من المبدعين والمفكرين والكتاب والشعراء، لكنه كما قلت عن حاله وحال غيره بتضمين المعني القرآني إنهم لا يسألون الناس إلحافاً، وتحسبهم أغنياء من التعفف، ومن سياق نصه الذي اقتطعت جزءاً منه هنا، يتبين أن الشاعر الحقيقي هو الذي يشعر بآلام وأوجاع مجتمعه، يعبر عنها بالحرف عله يصل إلي قلوب تفتح أبواباً للخير لدخول تلك الصرخات، لم يكن يتحدث ربما عن نفسه حين عاد من بحار الرمال وليس في جيبه غير صوت الفجيعة، لكن واقعه المرير يجير هذا السياق عليه وعلي وضعه الصحي، وهو كما ذكرت لا يستطيع شراء دوائه الضروري الذي يخفف جزءاً من آلامه وسهره، لذلك بعثت بصرختك، وأنا أفتح مساحة علي الورق، أشاركك نقل صرخته التي تشبه صرخة غيره ممن يعيشون أحياء بفكرهم وإبداعهم، وأشبه بالأموات إذا عرف البعض جزءاً من حياتهم .أخيراً يا مجدي العفيفي، دعني أقولها بالعامية: تعبت ارحل وانا واقف محلي وأحس امن التعب منهار كلي أغنّي مثل ما غني المغني غريب الدار وامناي التسلي). الخميس : امتصصتُ الدمع نهرا فجعلتِ الشوك روضا وارتشفتُ الآه عطرا فغزلتِ الشح فيضا واحتويتُ الجرح طهرا فمنحتِ القلب نبضا واحتملتُ الليل جمرا ففرشتِ العين أرضا وأطلتُ العمر عمرا فأبحتِ الحب فرضا منكِ ..من عينيك أتلو الاحمرارْ من ينابيع التصافي استمد الإخضرارْ وأمدالخطو كيلا يسبق الليل النهار وتخليتُ بكلي .. عن عناويني التي قد شطرتني.. فجرتني .. بشظايا عنفواني.. والتجافي للتصافي والتنائي للتداني وتحليتُ بقيدٍ ، زانني بالعشق حتي ، زادني بالشوق لمّا : بحتُ في النارِ بنوركْ هيمنتْ ..حتي وصلتُ فاتصلتُ ..فانفصلتُ ! وتجليتِ عليّ.. فتجلت مفردات العشق اَيات البداية كلما أسلكت آية نلت فجرا وهداية وتحللتُ بروحي .. في سنا روحك ..ريحانا وروحا.. وانفراطاً ..وائتلافاً وغموضاً ..وانكشافاً وتحاملت ، تحايلت ، تمايلت ، تخايلت ، تململت ، تخبأت ، تنبأت ، تداعيت .. فأضحي : كل مافيكِ وصالاً..لانفصالٍ ! وانفصالاً..لاتصالٍ ! سامحيني ..إن أنا بُحت ، فإن البوح مشروع لكل العاشقين ، الصادقين ، الشاهرين غرامهم ، بين النفوس المطمئنة.. فاطمئني .. فكأني .. لم أبح إلاّ .. لأني : لم أجد إلا علي النار ..هداكِ، وصفاك.. وسناك.. يا هوي القلب الذي لم يرتعش إلا لحبك يا صفا الروح التي لم تشتعل إلا لقلبك فامنحي عمري امتداده دثريني بوداده.. واقرئي فاتحة كبري بصفاك رتليها باصطفاء من هواك فأنا العاشق عشقا لم ير العشق مثاله وجماله.. ودلاله.. ووصاله.. واتصاله وأنا العابد في محراب حبك وحدهُ حبك أنت... أنت نوري .. أنت ناري... وأنا أنت ....!.