يتحدث الشاعر الموريتاني المختار سالم في قصيدته "ختم رسالة القدس إلى عمورية" عن وجع الأمة، عن زمان البطولات الذي ولى، فيه تتجاور حماحم الخيل تحمل الشموخ والخير والكبرياء، ورجالا كانوا الصلاب في زمان هم من تحمل أحداثه إمضاءاتهم، مع لحظة الفجيعة العربية الحاضرة. في هذا النص يؤمن المختار السالم - كما جاء بجريدة "الحدث" الموريتانية - أن كل الدروب المؤدية إلى القدس تمر من بغداد، وأن معتصما جديدا سوف ينبت فجأة ليلبي نداء بنات العم الأخيذات في عمورية والقدس، حينها يبدع المختار السالم على غرار أبي تمام مطولة عصماء تمجد المعتصم الجديد، في يوم شقيق ليوم عمورية، وسليل ليوم بدر، وحينها يتضح أن السيف أصدق أنباء من جدل التخاذل، كما اتضح أيام عمورية الأولى. وتقول القصيدة: في أي دهر رفعتِ الشمس والقببا... وظل في شفتيك الظل منسكبا.. أين الجدار الذي ساءلتُ عن شفة، مات الكلام على أوتارها وخبا.. يا بنت أيوبَ لم تسلمْ حرائرنا بحثا عن البحر في البحر الذي اغتربا.. هل تعلمين مكانا في هزيمتنا يبقي الشرارة أو يحمي لها اللهبا..؟! هل تعلمينَ، وكان الحي في عجل إلى الرحيل، مكانا ليس مغتصبا... أو ترفعين عن الأسحار مروحة تذرو الرياح على آثاره غضبا.. ألا يزال خليل الريح في سعة من أمره والصدى يرتد منسربا... أين الجدار الذي ساءلتُ عن شفة تجمد الحرف فيها عنك وانتصبا. شابت بحار الصدى من رجعها وجعا.. وكنتُ أحفظها للفجر حين شبا.. وأينما شكلتْ عيناك قلت له: إني أرى القهر في تلك البحار ربا.. إني أسامر خيلا نقشها وجعي، صهيلها عاد في الجفنين ملتهبا.. ولست أعرف وجها غير حدوتها.. ولست أعرف إن عادت له سببا.. أنا أتيه بأوراق القصيدة لا أدري إلى جهة الموال مرتقبا.. لا ترفعي الجفن أعلى منهم فهمًُ.. لا يعرفون جفونا كنّ لي رتبا.. والنقش فوق الجدار الآن يرقبهم.. واستغرق النقش.. خلف النوم وانتسبا.. هذا أنا.. هذه أسطورتي، وأنا بعض الخيال الذي تبقينه ريبا.. بعض العناد الذي لا يمّحي أبدا بقاعة المسخ، مهما قيل أو كتبا.. الآن سيدتي، كم تفرشين له جفنا فيطبقه من روعه صخبا... من يهمسون وراء النعش أيتها ال دنيا، ولا يسألون الخطوَ مكتسبا.. تجرع الأفق المخضل من رئتي.. أنفاسه.. واستقاها الجمر والخشبا.. لا تسأليني عن المستضعفين أوال مخلفين فلا أنفك مرتعبا.. منابرَ الريح.. نامتْ كلّ حنجرة.. وكل أسطورة قد عششتْ ريبا.. أبو تمام.. ألا أيقظ لنا عصبا.. أيقظ ْ لنا.. كل صوت صار منتحبا.. أيقظ لنا نخوة.. لا نحن نحن، ولا جيادنا أزمعتْ ضبحا ولا خببا... والصارخات علينا.. والرؤى شجن ٌ وآية الهجر ما أبقتْ لنا لقبا.. نأتي السقيفة قامات مذللة من ذا يميز منها الرأس والذنبا.. لا يخرجون خفافا من سقيفتهم بل يرجعون وهم للمتكى جنبا.. مدائن العرب صرعى بالمذلة لا يصغي لصرختها إلا الذي ارتعبا.. ماذا سأفعل بالدمع الذي اعتمر ال خروج يستف غيم الروح، والعصبا..؟ القدس أقربُ أهلا من عمورية لم نحم نحن لها عرضا ولا عنبا.. بغداد أقربُ دارا من عمورية أسوارها انتهبتْ والكبريا انتهبا.. وكل صارخة فيها إلى شرف تسقى على خبل الأهلين ما ذربا.. لا تطلبوا الغرب بعضا من سلامتكم، فلن يفيد.. ولكن عربوا العربا.. *** عروبتي رغم جرح العرب تفتنني دم العروبة أبقى للعلا نسبا.. أيعتلي شهداء القدس قافلة في إثر قافلة.. لا خوف.. لا تعبا... لا بيت لم يتخذْ فديا ومن دمه.. وهذه خصلة من شيم النجبا.. وتستمر السنون الوارفات دما لكنني في لياليها أرى الشهبا. إني لتطربني بالقدس أغنية .ٌ. رغم الجراح.. وكمْ أزهو بها طربا..! وإنني لأرى تحت الرماد على تلك الوجوه خياما للعلا وربى.. فلا أخاف عليها من مقايضة، العرب لم تتقايضْ ثأرها ذهبا.. أأصبحت أمتي تنسى محمدها ولا تقدس إلا الخوف والعلبا..؟ العرب تلك التي أبهى محمّدها نشر السيوف ولم يتركْ لها سببا.. فإن تقدم سيف في عمورية فالأصل في مصدر الإقدام قد جلبا.. إنا إلى القدس يوما عائدون.. إلى بغداد.. نروي على ثأراتنا الغضبا..