هذه قصيدة كتبتها منذ عشرين عاما حزنا علي ما فعله المصريون بالنيل، ونشرتها في ديوان »سيدة الماء« عام 1994، ثم أعدت نشرها في ديوان كل قصائده عن النيل هو »النيل يسأل عن وليفته« عام 2008. ثم نبهني شاعر صديق إلي أن أبعث بها إليكِ لتنشرها في »أخبار الأدب« لاعتقاده أنها قصيدة هذه الأيام الحزينة التي يلوك فيها الناس جميعا كلاما عن »النيل«. أَلْقي النيلُ عباءَتهُ فوق البَرِّ الشرقيِّ ونامْ هذا الشيخُ المحنيُّ الظهرِ احدوْدبَ، ثم ثم تقوَّسَ عَبْرَ الأيام العمرُ امتدَّ ولي وليلُ القهرِ اشتدَّ وصاغ الورّاقون فُنون الكِذْبِة في إحكامْ لكنَّ الرحلةَ ماضيةٌ والدّرْبَ سُدودٌ، والألغامْ حملَ العُكّازَ، وسار يُحدِّقُ في الشطآنِ وفي البلدانْ قيل: القاهرةُ توقّفَ... جاء يدقُّ البابَ ويحلمُ... هل سيُصلّي الجُمعةَ في أزهرها؟ يمشي في «الموسكي» و«العتبة»؟ يعبرُ نحو «القلعةِ».. أو يتخايلُ عُجْبًا في ظلِّ الأهرامْ؟ ويظلُّ الشيخُ النيلُ يُحدّقُ لا يجدُ وجوهًا يعرفُها وبيوتًا كان يُطِلُّ عليها وسماءً كانت تعكسُ زُرْقتهُ وهو يمدُّ الخطْوَ ويسبقُ عزْفَ الريحِ ويفردُ أشرعةَ الأحلامْ وقف الشيخُ النيلُ يُسائلُ نَفْسَه: هل تتغيرُ سحنُ الناسِ كما يتغيّرُ لونُ الزيِّ؟ وهل تتراجعُ لغةُ العيْنِ كما يتراجعُ مدُّ البحْرِ؟ وهل ينطفئُ شعاعُ القلبِ فتسقطُ جوهرةُ الإنسانِ ويَرْكُلُها زحْفُ الأقدامْ؟ دقّ الشيخُ النيلُ البابَ فما اختلجتْ عين خلْفَ الأبراجِ ولا ارتدّ صدًي في المرسي الآسنِ أو طار يمامْ! مَنْ يدري أنّ النيل أتي أو أنّ له ميعادًا تَصْدَحُ فيه الموسيقي ويؤذّنُ فيه الفجرُ فتنخلعُ الأفئدةُ... ويكسو العينيْنِ غمام! وتَنحْنحَ مُزدرِدًا غُصّتهُ عاود دقَّ البابِ الناسُ نيامْ! ألقي النيلُ عباءتُه فوق البرِّ الغربيِّ ونامْ!