رئيس ضمان جودة التعليم: الجامعات التكنولوجية ركيزة جديدة فى تنمية المجتمع    إتاحة الاستعلام عن نتيجة امتحان المتقدمين لوظيفة عامل بالأوقاف لعام 2023    قطع المياه عن نجع حمادي.. وشركة المياه توجه رسالة هامة للمواطنين    الحكومة: نرصد ردود فعل المواطنين على رفع سعر الخبز.. ولامسنا تفهما من البعض    «حماس» تصدر بيانًا رسميًا ترد به على خطاب بايدن.. «ننظر بإيجابية»    محامي الشحات: هذه هي الخطوة المقبلة.. ولا صحة لإيقاف اللاعب عن المشاركة مع الأهلي    رونالدو يدخل في نوبة بكاء عقب خسارة كأس الملك| فيديو    أحمد فتوح: تمنيت فوز الاهلي بدوري أبطال أفريقيا من للثأر في السوبر الأفريقي"    هل يصمد نجم برشلونة أمام عروض الدوري السعودي ؟    حسام عبدالمجيد: فرجانى ساسى سبب اسم "ماتيب" وفيريرا الأب الروحى لى    هل الحكم على الشحات في قضية الشيبي ينهي مسيرته الكروية؟.. ناقد رياضي يوضح    محامي الشحات: الاستئناف على الحكم الأسبوع المقبل.. وما يحدث في المستقبل سنفعله أولًا    مصارعة - كيشو غاضبا: لم أحصل على مستحقات الأولمبياد الماضي.. من يرضى بذلك؟    اليوم.. بدء التقديم لرياض الأطفال والصف الأول الابتدائي على مستوى الجمهورية    32 لجنة بكفر الشيخ تستقبل 9 آلاف و948 طالبا وطالبة بالشهادة الثانوية الأزهرية    استمرار الموجة الحارة.. تعرف على درجة الحرارة المتوقعة اليوم السبت    اعرف ترتيب المواد.. جدول امتحانات الشهادة الثانوية الأزهرية    صحة قنا تحذر من تناول سمكة الأرنب السامة    أحمد عبد الوهاب وأحمد غزي يفوزان بجائزة أفضل ممثل مساعد وصاعد عن الحشاشين من إنرجي    دانا حلبي تكشف عن حقيقة زواجها من محمد رجب    الرئيس الأمريكي: إسرائيل تريد ضمان عدم قدرة حماس على تنفيذ أى هجوم آخر    "هالة" تطلب خلع زوجها المدرس: "الكراسة كشفت خيانته مع الجاره"    حدث بالفن| طلاق نيللي كريم وهشام عاشور وبكاء محمود الليثي وحقيقة انفصال وفاء الكيلاني    أبرزهم «إياد نصار وهدى الإتربي».. نجوم الفن يتوافدون على حفل كأس إنرجي للدراما    مراسل القاهرة الإخبارية من خان يونس: الشارع الفلسطينى يراهن على موقف الفصائل    عباس أبو الحسن يرد على رفضه سداد فواتير المستشفى لعلاج مصابة بحادث سيارته    "صحة الإسماعيلية" تختتم دورة تدريبية للتعريف بعلم اقتصاديات الدواء    ثواب عشر ذي الحجة.. صيام وزكاة وأعمال صالحة وأجر من الله    أسعار شرائح الكهرباء 2024.. وموعد وقف العمل بخطة تخفيف الأحمال في مصر    العثور على جثة سائق ببورسعيد    الأمين العام لحلف الناتو: بوتين يهدد فقط    سر تفقد وزير الرى ومحافظ السويس كوبرى السنوسي بعد إزالته    نقيب الإعلاميين: الإعلام المصري شكل فكر ووجدان إمتد تأثيره للبلاد العربية والإفريقية    كيف رفع سفاح التجمع تأثير "الآيس" في أجساد ضحاياه؟    "حجية السنة النبوية" ندوة تثقيفية بنادى النيابة الإدارية    ضبط متهمين اثنين بالتنقيب عن الآثار في سوهاج    «الصحة»: المبادرات الرئاسية قدمت خدماتها ل39 مليون سيدة وفتاة ضمن «100 مليون صحة»    وكيل الصحة بمطروح يتفقد ختام المعسكر الثقافى الرياضى لتلاميذ المدارس    وصايا مهمة من خطيب المسجد النبوي للحجاج والمعتمرين: لا تتبركوا بجدار أو باب ولا منبر ولا محراب    الكنيسة تحتفل بعيد دخول العائلة المقدسة أرض مصر    للحصول على معاش المتوفي.. المفتي: عدم توثيق الأرملة لزواجها الجديد أكل للأموال بالباطل    القاهرة الإخبارية: قوات الاحتلال تقتحم عددا من المدن في الضفة الغربية    «القاهرة الإخبارية»: أصابع الاتهام تشير إلى عرقلة نتنياهو صفقة تبادل المحتجزين    «ديك أو بط أو أرانب».. أحد علماء الأزهر: الأضحية من بهمية الأنعام ولا يمكن أن تكون طيور    الداخلية توجه قافلة مساعدات إنسانية وطبية للأكثر احتياجًا بسوهاج    ارتفاع الطلب على السفر الجوي بنسبة 11% في أبريل    «صحة الشرقية»: رفع درجة الاستعداد القصوى لاستقبال عيد الأضحى    وزير الصحة يستقبل السفير الكوبي لتعزيز سبل التعاون بين البلدين في المجال الصحي    مفتي الجمهورية ينعى والدة وزيرة الثقافة    الأونروا: منع تنفيذ برامج الوكالة الإغاثية يعنى الحكم بالإعدام على الفلسطينيين    الماء والبطاطا.. أبرز الأطعمة التي تساعد على صحة وتقوية النظر    «الهجرة» تعلن توفير صكوك الأضاحي للجاليات المصرية في الخارج    رئيس الوزراء الهنغاري: أوروبا دخلت مرحلة التحضير للحرب مع روسيا    «حق الله في المال» موضوع خطبة الجمعة اليوم    بمناسبة عيد الأضحى.. رئيس جامعة المنوفية يعلن صرف مكافأة 1500 جنيه للعاملين    السيسي من الصين: حريصون على توطين الصناعات والتكنولوجيا وتوفير فرص عمل جديدة    الحوثيون: مقتل 14 في ضربات أمريكية بريطانية على اليمن    أسعار الفراخ اليوم 31 مايو "تاريخية".. وارتفاع قياسي للبانيه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مسرحية القصيدة وفلسفة الحضور عند أحمد سراج
قراءة لديوان (الحُكمُ للمَيدان)
نشر في أخبار الأدب يوم 15 - 06 - 2013

يفاجئنا أحمد سراج في ديوانه (الحُكمُ للمَيدان) ، الطبعة الثانية - الصادر عن دار الأدهم للنشر والتوزيع عام 2012 - برؤية مغايرة تفصص لنا ما نعانيه في الواقع وكيف تطورت الأحداث من ظلم بيّن أدي إلي ثورة 25 يناير ثم انتكاسة ما بعد الثورة في شكل درامي أشبه بمسرحة القصيدة تتخللها فلسفة ذات حس شعري رابطاً حياتنا علي أرض الواقع بتاريخ السابقين علي عدة مستويات فنية :
الأول: في انقسام ديوانه إلي مجموعتين إحداهما تحمل عنوان (حالة تحرير) والأخري تحمل عنوان (من وجع الفتي) .
لاحظ معي عنوانه الأول وكأن التحرير وهو الميدان الشهير والذي قامت فيه ثورتنا العظيمة ثورة 25 يناير 2011 تحول إلي حالة ورمز للدراسة والتأمل.
أما عنوانه الثاني فيشعرنا بأن الفتي وربما يكون الشاعر أو أي إنسان في مصر تنطبق عليه صفات الفتي أو ربما رُمز به للوطن نفسه ليشعرنا بمرارة ما يعانيه من وجع قد أدي إلي حالة التحرير الأولي.
لاحظوا معي هذا الانقسام الذي إذا جُمِعَ وتكامل بين العنوانين لكان (حالة تحرير .. من وجع الفتي)...
والثاني : حين نطالع الديوان نجد أن مجموعة القصائد الأولي تعبر عن حالة تنازلية للثورة المصرية التي قامت في عام 2011 أي أن قصيدته الأخيرة في تلك المجموعة (نشيد الأحرار) تطرح بداية النزول إلي الميدان يوم 25 يناير 2011 ثم تتصاعد الأحداث الدرامية للنزول الفعلي للميدان عبر قصائده إلي أن تصل إلي ذروة نجاح الثورة وهو تفعيل دور المصريين جميعاً برمز الحضور علي جميع المستويات في قصيدته (الدعوة عامة) وهي القصيدة التي بدأ بها ديوانه ليصبح الترتيب الواقعي لقصائد المجموعة الأولي لديوانه عكسياً كالتالي: (نشيد الأحرار الماء والجراد لك الخيار البس بلوفرك السميك الساحات الخالية زمن الأساطير طردية الميدان تحرير الحكم للميدان هنا القاهرة يناير العظيم موقعة الجمل أشلاء هامان الدعوة عامة) وهو ما أراه مسرحة للقصيدة حيث تبدأ الأحداث من ذروتها نهاية أحداث الثورة بتفعيل دور كل أفراد المجتمع المصري (الشعب) فتنجح الثورة .. ثم تأخذ شكلاً تنازلياً حتي تصل إلي بداية الحدث ثم تعطي أسبابه وتدور في فلك فلسفي لتعود إلي نقطة البدء وكأن الثورة لم تقم بما تلاها من ارتداد الأوضاع لما قبلها فيصبح (الحُكمُ للمَيدان) .
ولأن الميدان لا يحكم فقد اعتبره شاعرنا هو الرمز للقضاء العادل الفاعل دائماً والذي يعيد الحقوق لأصحابها وينصر الإنسان المصري علي كل المستويات ويصبح حَكَماً عادلاً بين الحاكم والمحكوم ...
في قصيدته (نشيد الأحرار) التي يصفها بأنها (في مَدِيحِ من يَستَحقُّ المدِيح) ويقصد الثوار الذين ضحوا بحياتهم من اجل نجاح الثورة نجده يُفَعِل دور التاريخ وكاتبه مع الثوار المصريين الذين أعادوا شباب مصر وعزتها وكرامتها ودورها الفاعلا لمتألق المؤثر في شتي المجالات علي شكل نشيد جمعي يغنيه كل الثوار فيقول :
يا كاتِبَ التاريخِ أَقبِل مُسرِعًا
مِصرُ التي بَدأ الزمانَ مَدارَهُ
فيها يُراقِبُ خَطَوهُ،... يَتعثرُ
عادَت فكانَ شَبابهُ وتألقَتْ
للحَقِّ تَدُعُو والعَدالَةَ تَنشرُ
يا كاتِبَ التاريخِ كيفَ رأيتنَا؟
أبعِدْ ذهولَكَ؛ فالحقيقةَ تَنظر
أَرأيتَ قَبلاً أمةً هَبت عَزائمُها
بكُلِّ مَدًي تَثُورُ وتزأرُ
حتي إِذا جمعَ النداءُ رَجاءهُ
وتواترَ الفُرسانُ جَيشًا يَعبرُ ص87 : ص 88
وفي قصيدة (الماءُ والجراد) التي أرفق كلمة (اصمدوا) بالعنوان وكأنه يستحضر قوة الإنسان المصري الثائر بالصمود في مواجهة الحاكم الذي يعتبر أن البلاد له ولأهله ولأتباعه وأن الشعب لاشئ بل إنه صاحب النعم عليه وزاد الشاعر في وصفه لطغيان الحاكم بوصفه بالأخضر دلالة علي الجراد الذي يحصد كل شئ فيصبح لونه أخضر من كثرة الخير الذي التقمه ؛ ثم يؤكد أهمية هذا الصمود الفاعل بقوله :
يا أيها الثُّوار،
لكم البِدايةُ والنِّهايَةُ فاصمُدُوا
سَيمُرُّ هذا الأخضَرُ الملعونُ
من نَسل الجرادِ فَصَمِّمُوا
من صَبرِكُم فُلكًا يُحِيطُ ولا يُحاطُ
ومن دمِ الشهداءِ طوفانًا عَصيًّا قاهِرًا
وتجمَّعوا من كِلِّ مَلحَمَةٍ فَتاهَا
لَكُم البلادُ ومَا سِواكُم لا يُري
فلتَصمُدُوا
ولتَصمُدُوا، ولتَصمُدُوا ص82 : ص83
إن تكراره للصمود والتصميم يستحضر قوة الثوار ويحضهم علي أهميتهم في نجاح الثورة ودورهم الفاعل في ذلك في مواجهة الحاكم الظالم.
أما في قصيدة (لَكَ الخِيارُ) والتي وصفها بأنها - النصائِحُ الأخيرةُ لملوكِ الرماد والتي سرد فيها تاريخ الحاكم رابطاً بين ما فعله في شعبه من ظلم واستبداد وقهر مؤكداً علي أهمية رحيله في شكل نصيحة له ولكل حاكم ظالم ناعتاً إياهم بأنهم ملوك الرماد وكأنهم سيحترقون كالرماد من بعد ما أُنعِمَ عليهم من مُلك وعظمة أو أنهم من يشعلون شعوبهم بظلمهم حتي يصبحوا كالرماد ليس له قوة ولا فائدة..
إن الشاعر في تلك القصيدة يستحضر ذنوب الحاكم في مواجهة معه وكأنه يريه فعله في مرآة الحديث في شكل صور مجازية بليغة المحتوي ..
أنت الذي سلمتَ قلبِي للظلامِ
زَرَعتَ في حرصٍ طُيورَ
الغَدرِ تنهشُ عِرضَنا؛ ص75
موجهاً إياه إلي أن الحل الوحيد في الهروب الخروج الرحيل حتي لا يواجِه شعباً ثائراً لفظه نتيجة لأفعاله الظالمة المستبدة التي جعلت الشهداء دواءً ناجزاً لشفاء مصر بالأنين مما فعله وعشيرته بها وبشعبها ..
شَعبي يُرِيدُكَ خارِجًا
من برِّهِ/ من بَحرِهِ/ من هَمسِهِ المكبُوت
فاخرُج كأنكَ لم تَكُن
وكأنك الداءُ الخبيثُ بِصَدرِها
ودَمُ الشهيدِ دَواؤهَا الموصُوفُ
في باب الأنِين ص76
ولكنه ظل في عناده وكبره كفرعون موسي في مواجهة عصا موسي التي تحولت إلي ثعبان بقدرة الله عز وجل والتي اعتبرها الشاعر كثورة الشعب التي تقضي علي كل أسلحة الحاكم برمز العصا التي قضت أكلت ثعابين عصي السحرة ؛ ولكن الثورة هذه المرة أكلت قسوة الحاكم وأتباعه وكلامهم بل وحتي رصاصهم..
ما زِلتَ يا فرعونُ في الصَّلَفِ العَنِيد
وعَصاهُ تأكل سِحرَكَم وكلامَكم ورَصاصَكم ص77
حتي اللافتات كان لها دور حاضر في لفظ الحاكم في تلك القصيدة في شكل فني عالي المغزي..
اللافِتاتُ... اللافِتاتُ... اللافِتات...
اللافِتاتُ تَدُكُّ قلعتَكَ الحَصِينَة،
اللافِتاتُ تُزيلُ صُورتَكَ الكَبِيرَة،
اللافِتات تُزيحُ نظرتَكَ العَجِيبة،
اللافِتات تُميتُ بسمتَكَ اللعينَة،
تَدنُو من القصرِ المنِيفِ، زئيرُها: ص76
وكأن اللافتات قوة خارقة وأسد صاحب صوت هادر يرج القلوب وهذا يدل علي ضعف الحاكم الظالم ومن حوله وقوة شعب مصر العظيم حين يثور.
وتأتي قصيدة (البِسْ بلوفرَكَ السَّميك) والتي وجهها إلي رَسُولِ الديكتاتُورِ المخلُوع ليتحدث فيها عن تفعيل المخادعة في هيئة رسول للحاكم يجيد تمثيل دور الحريص علي الشعب فيكشفه ذاك الشعب العظيم ويعرف خبايا نفسه الخبيثة.
أنعشْ حضورَكَ بالإشارةِ
والعِبارةِ والدُّعابةِ والهُجُوم
بالِغ كثيرًا في الوعُود
بَطِّن قليلاً بالوعِيد
أبقِ البلاءَ مع الولاء
اترك جمالَ الذِّئبِ تفري
لَحمَنا ولتصطنِع مَنعَ البكاء ص69
وقد استخدم شاعرنا هنا مواءمة فنية بين خديعة الحاكم وحاشيته ولعبة الشطرنج لعبة الحضور الذهني والتي تحتاج لذكاء من نوع خاص وتعتمد علي خداع الآخر للفوز ونرمز لها بالجيوش المحاربة وكأن الحاكم وحاشيته اتحدوا ليكونوا جيشاً معادياً لشعب مصر مستخدماً رئيس وزرائه ليخدع الشعب المصري كما يموه اللاعب بالوزير في لعبة الشطرنج ليخدع خصمه..
قَد كانَ دَورًا وانتهَي؛
إذ غامَرَ الملكُ المحاصَرُ بالوزير مموهًا
لِتطيحَ خيلٌ بالبيادِقِ إذ تُحِسُّ
النصرَ مقتربًا وبرَّاقًا؛ فَضَحَّي
أولاً بالفيلِ أَردَفَ قلعةً
وهنا تَماوتَ واضعًا
إياك في ظهر الخُصوم
قَد كانَ دَورًا وانتهَي؛
فهنا تَماسَكَ دافعًا
إياكَ في قلبِ الهجُوم
الشّاهُ ماتَ فَمن ستحمِي
لا تَعتَرف
أخُدِعتَ أم كَشفتْكَ
- يا سُمَّ السِّياسَةِ - نَقلةٌ
فيها البيادقُ حرةٌ تلهو ص70
كما قدم رموزاً ضمنية بتحدثه عن البلوفر الذي يلبسه رسول الحاكم والذي يوحي بأنه واحد من أبناء الشعب في حين أن الشاعر يوجهه للاحتفاظ به لاستخدامه في أوقات عصيبة في المنفي الذي سيحيله إليه الشعب ويشتد فيه البرد في دلالة علي ما سيلقاه من مصير سيعاني فيه مما عاناه الشعب من وحدة وعذاب .. ثم يستخدم لفظ (البس) عدة مرات في قصيدته وهي لفظة لها معنيان أحدهما يدل علي ما يرتديه الإنسان ليستر جسده والأخري معني عامي يدل علي الاصطدام بشيء بقوة وهي تورية تفيد بأنه سيعود عليه خداعه بالسوء وكأنه يقول له سيرتد إليك مكرك علينا بأشد منه لأنه لا يحيق المكر السيئ إلا بصاحبه ..
فاخلع قِناعَكَ واصطَحِب
عَهدَ الخداع
واحفظ بُلوفَرَكَ السَّمِيك
فشتاؤكم آتٍ
والبردُ في المنفَي صَقِيع
وخَريفُكُم دانٍ
والجوعُ في المنفي عَجيب
البِسْ بلوفرَكَ السَّميك
البِسْ بلوفرَكَ السَّميك
البِس
البِس ص70 : ص71
وفي قصيدته (فُرسان الساحاتِ الخالية) والتي وجهها - إِلَي لصوصِ الثورَة ينصح الحاكم بعدم استحضار ذكائه لخديعة الشعب الذي اعتبره كغرس الأرض بكراً دلالة علي طهارته ونقاءه..
لَكن بربكَ لا تَخُن
شَعبًا كَغرسِ الأرضِ
بِكرًا ص62
ثم يستعين مرة أخري بالتاريخ بتشبيه الحاكم الظالم بفرعون الذي يعتبر نفسه كما يصوره شاعرنا منسوجاً في رحم السماء في صورة ساخرة من حكام اعتبروا أنفسهم لا يخطئون ولا يعاد عليهم كلم وكأنهم آلهة علي الأرض ومنبهاً علي أهمية الاتعاظ من التاريخ الذي يوضح أن الرحيل نهاية كل حاكم ظالم..
رَحَلَ الطغاةُ ولن يَكُونَ
لمصرنا فرعونُها المنسوجُ
في رَحِمِ السماء ص61
ثم يُفَعّل دور الشعب ولا ينسي لغته المسرحية حين يصفه بالجماهير الأساطير في حين يستخدم النقيض في إلغاء دور الملك الفرد ..
ما عادَ عَرشٌ للملِيكِ الفَردِ
في زَمن الجماهِيرِ الأسَاطِير ص61
وهاهو يستحضر المصري الثائر في صورة من أبهي الصور في ديوانه حين يقول :
للثّائرِ المصريِّ رائحَةٌ تُكَرِّرُ ص65
وكأن الثائر المصري كالورد الذي يستنسخ نفسه كناية عن بهاء الثوار وجمالهم وعظمتهم وانتشارهم في مصر علي مر العصور.
ويكمل صوره بين حضور سلبي لمن يؤذون الثوار :
غازَهُم وفِرارَهُم وركوعَهم ص65
وحضور إيجابي للثوار :
بِنِدائِهِ
وأنينهِ
ودمائهِ
وصُمُودِهِ
تُقصِي روائح زيفِكُم ص65
ويستحضر الأسطورة في قصيدته (زَمن الأساطِير) التي يفسرها بمقولته (ورأيت الشهداء) وكأنه يستحضر شهداء الثورة في تلك القصيدة بالتواجد برغم غيابهم بالموت موحياً بقوله عز وجل : (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) سورة آل عمران الآية (169) - كما يستحضر كل فئات الشعب في الميدان..
ورأينا
في الميدانِ:
الأبناءَ الفقراءَ الأمراءَ الملاكَ الأجراءَ صفُوفًا ص57
متحدثاً بالرمز عن تاريخ مصر في حقبة حكم المخلوع وكأن مصر أميرة مسجنونة يحررها الثوار الذين إذا احترقوا زادوا ألوفاً ثائرة مطببين جراح أميرتهم مصر بالبسمات رامزاً للثوار بالأحرار وللحاكم الظالم بالتنين ولحاشيته بالغيلان - ومدرعاتهم وأسلحتهم بالسِّعلاةَ ومسترسلاً بالصورة الشعرية وبالرموز التي توحي بقوة الإيمان حتي النصر ..
ورأينا التنين
جَبّارَ ثلاثين
حَرَّاقَ مَلايين
زَرَّاعَ سَراطِين
ينفثُ نِيرانًاً ومَلاعِين
ورأيتُ الفتيانَ يحترقونَ فينتفضُون ألُوفا
ورأيتُ أميرتَنا الحلوةَ حُلوة
تَنجُو من يَدِّ السجان
تَلهُو بمسوخِ التنينِ وأبناه
وتُطبِّبُ بالبسَماتِ
جراحَ عِجافِ سِنِين
ورأيتُ السِّعلاةَ تسقطُ
في شَرَكِ الأحرار
ورأيتُ الغيلانَ تَقفِزُ صارِخَةً
من قُنبِلَةِ الغازِ إِذ نلقاها
تتبعُها صَرَخاتُ الجَرحَي
تَسجنُها أَفئِدَةُ الثَّكلَي في الجُبٍّ المختوم
ورأيتُ التنين
مأسُورًا مَدحُور
يَبكِي جَبرُوتَ ثَلاثِين
ورأيتُ الشهداء
بالسيفِ المسحُور
والوعدِ المنثُور
والقلبِ المنصُور
ورأيتُ الشهداء
ورأيتُ الشهداء ص57 : ص58
إن تكرار لفظة رأيت هنا تؤكد المعني وصدق الحديث الذي انتهي بالنصر المبين علي سالبي الوطن من شعبه.
ثم يوصّف للنقيدين في قصيدته (طرديَّة) التي يعطيها عنواناً فرعياً يؤكد المفارقة في التضاد بقوله - يا أيها الصَّيادُ، كيف تفر؟! حيث يطرح لدي المتلقي معني عكس اسم القصيدة تارة ومع الاسم أخري فالشئ الطردي هو الذي يسير متوازياً مع الآخر ولكن واضح أنه كان يقصد بها أن الفريسة هي التي تطارد الصياد فعدة الصياد كل آلآت القتل ولكن الفريسة كانت تملك سلاحاً أقوي من الصياد ألا وهو القلب الجرئ الذي يمتلأ بالحق بينما فقد الصياد أهم مقومات القوة ألا وهو الحق مما جعل العلاقة الطردية بين قوة إيمان الثوار الممثلين للفريسة وفرار القائمين علي السلطة المرموز لهم بالصياد ، وهذا يظهر جلياً في فلسفة المفارقة في هذه الصورة الشعرية ..ٍ
وتزلزَلَ الصيادُ يَرقبُ خَطَونا
حتي إِذا مَلَّ التجبَّر من وراءِ دُرُوعِه
واخضَرَّ من وجَعِ الفرارِ خيالُنا:
ص53
لاحظ معي ثلاث نقاط في البداية ومثيلاتها
في النهاية وهذا الرمز من علامات الترقيم يدل علي أن هناك كلاماً كثيراً ممتداً لم يقل وهذا يوحي بأن الأحداث ممتدة ومؤثرة وفيها الكثير من القول والفعل بل والأمور المحسوسة وغير المنظورة إلا لأصحاب البصيرة النافذة.
ثم تأتي الصورة الشعرية في تصوير الصياد ببناء يتزلزل وهو يرقب خطو الثوار وكأن الثوار خطوهم زلزال والتعبير كناية عن قوة الثوار وضعف السلطة التي تواجههم.
ثم يواصل وصفه الشعري فجعل التجبر انساناً يمل بالرغم من أنه متحصناً بالدروع فألقي رصاصه الذي ليس رصاصاً عادياً بل هو رصاص خوف وخذلان عندئذ كان للقنابل موقفاً فاعلاً ككل الأشياء لدي شاعرنا مما جعلها ترفض التفجر وتلتقي برصاص الخوف والخزلان مما دعا بالصياد أن يفر من فريسته عندئذ أصبح خيال الثوار الفريسة أرضاً خصبة تخضر فرحاً من وجع فرار الصياد .. والصورة الشعرية هنا ممتدة وعالية الرمز وتوحي بمدي خزلان وهزيمة المعادين للشعب المصري.
ثم يستمر في دلالات الحضور لديه باستدعاء الظالمين في الحاضر والذي يكنيهم بصفات مختلفة من ضمنها شخصيات تدل علي الظلم والجور في التاريخ (قارون هامان فرعون) أو صفات لأشخاص أو أجهزة في الدولة تدل علي الظلم وقلة قيمة الظالم في مجتمعه في الحاضر
( زوار قتل الفجر المصفح المروج المدجن) :
الصيادُ لا تَرتَد؟
أَينَ المصَفَّحُ والمروِّج والمدجِّن؟
أَينَ المرافِعُ والمخادِع والمخاتِل؟
زُوارُ قتلِ الفجر أَين؟
الطبالُ أَين؟
الهوالُ أَين؟
الهوانُ أَين؟
قارونُ أين؟
هامانُ أين؟
فرعونُ أين؟ ص54
ثم يتمسك بكل الحسيات التي تشكله ليصبح قوياً بالحضور الفاعل في قصيدته (الميدان تحرير) فيقول:
... ولأنَّ صوتي لم يزَل صوتي
ولأنَّ صوتي لم يكُن صوتَك
ويَدَيَّ طاهِرَتانِ من ذَهَبِ المعزِّ وسَيفهِ
ويَدَيَّ عامِرَتانِ من كَنزِ الحقيقة
فأَنا سيوفٌ في حصونٍ من أَمَل ص47
------
ولأنَّ قلبِي لم يزل قلبي
ودِمايَ مهرٌ للتِي خُلِقَ الفُؤادُ هَويً لها ص47
---------
ولأنَّ حُلمي لم يَزَل حُلمي؛
رُؤيايَ ظافِرةٌ تُرفرِفُ في المدَي: ص48
------------
ولأنَّ حُلمي لم يَزَل حُلمي؛
راياتنا راية
أحلامنا غاية ص49
------------
ولأنَّ جرحي لم يَزَل نَزِفا
فَدِمِي دَمِي
ولأنَّ رسمك لم يَزَل وسمَك
ولأنَّ قلبَكَ لم يَزَل لَقَبَك
أبناؤنا الأبناءُ، ثوارنا الثوارُ، شهداؤنا الشهداءُ،
فرساننا الفُرسانُ، ميداننا الميدانُ، ميداننا التحرير ص49
ثم يتكامل الحضور في قصيدته (الحُكمُ للمَيدان) وهي القصيدة الرئيسية التي يحمل عنوانها الديوان بتواجد الحقول والجوامع والكنائس وكل الكلام..
كُلُّ الحقولِ هنا
كُلُّ الجوامعِ والكَنائِسِ... هنا
كُلُّ الكلامِ هنا ص39
ويستمر في تفعيل حضور مصر لتصبح وردة ناجية من القبر الذي حفر لها يوماً ..
قُولي لنفسِكِ لا سِواها لا سِواك:
إنا هنا كي نشنقَ الطغيان
إنا هنا كي نقرعَ الأجراس
مصرُ التي في خاطرِ
الأحلامِ تنمُو وردَةً
بالروحِ تُسقَي
بالحنينِ الصادقِ الألوان
مِصرُ التي في سالِفِ
الأزمانِ تنجُو حُرَّةً
فكأنها لم تَحتَفِر
قَبرًا لها وكأنه ما كان ص40
ثم يختتم قصيدته بتفعيل أهمية رحيل الطغاة ووجوده كثائر في كل الأشياء المعنوية التي تحرك النفس البشرية وتفعل وجودها لتعود إلي الميدان لإنجاح الثورة.
فَلترحَلُوا
فَلتَرحلُوا
إنّا هنا
في ثَورَةِ الميدان
إنّا هنا
في صَرخةٍ/ في بَسمَةٍ/
في هَمسَةٍ/في دَمعَةٍ/ في غنوةٍ
وسنشنقُ الطغيان
الحُكمُ لِلميدان
المجدُ لِلميدان
المجدُ لِلميدان
عُودُوا إلي الميدان
عُودُوا إلي الميدان ص43
ثم يستمر علي نفس المنوال في تفعيله لكل الكائنات والمخلوقات والمشاعر والأحاسيس والإنسان ذاته بالحضور إيجابياً كمؤيد للثورة أو بإنتكاسة الخاذلين لمصر وشعبها والمنهزمين والفارين من جام غضبهم وثورتهم المجيدة في باقي قصائده فالقاهرة حاضرة لأنها أساس الثورة والمدينة التي بها ميدان التحرير الذي فجر الثورة في قصيدة (هنا القاهِرَة) ولكن فلسفة الحضور السلبي يكون لها نهاية بأوان كعجب من عجائب بلادنا كما يقول شاعرنا..
لَها شغَفٌ بالعجائِب؛
ثلاثون عامًا خريفًا وراءَ خريف
وفرعونُ ينمُو وينمُو
ففي كل دارٍ
علي كُلِّ شِبر
وفي كُلِّ بثٍّ
علي كُلِّ نَبر
كأنَّ البلادَ سواهُ خواء
يقولُ الحكيمُ: دَعُوه
سيأتي أوانُ الحَصاد دَعُوه
رأيتُ مَناجلَها في القلوب
دَعُوه
فضمُّ الغِلالِ بِوقت
ونَحرُ الفَسادِ بِوقت ص34 : ص35
وتاريخ مصر كله حاضر في قصيدة (يَناير العَظِيم) والتي انقسمت إلي ثلاث مقاطع حَمَلَ أحدها عام 1968 والثاني عام 1972 والأخير عام لثورة 2011 لتدلل علي أن كل انتكاسة حدثت لمصر لها نهاية ونصر ..
هادِن عداها واستَرح
في قَصرِكَ العالي البعِيد
قد ماتَ شعبٌ أنت حاكمُه الرَّشيد
ما بينَ إغراقٍ وإمرَاضٍ وإحباط
سارَ القطارُ يَدوسُ أعناقَ
البلادِ، مضي القطارُ يَدُوسُ
أَحلامَ العِبادِ يكسِّرُ القُضبان
خَرَجَ القطار
خَرَجَ القطار
سَقَطَ القطار
سَقَطَ النظام ص30 : ص31
ثم يواصل في قصيدته (موقعةُ الجمل) سرد ما حدث في ذلك اليوم الذي هاجم فيه أتباع النظام السابق الثوار عَقِب خِطَاب خادع من المخلوع للشعب المصري واستشهد الكثير من الشباب مما أثار الشعب المصري فأيد الثورة في كل ميادين مصروقد ربط سراج بين تلك الأحداث وما حدث لسيدنا علي بن الخطاب في حربه مع معاوية بن أبي سفيان حين رفع أتباع معاوية مصاحفهم علي أسنة رماحهم في معركة صفين عام 37 ه فأنخدع أصحاب علي كرم الله وجهه وطالبوه بالكف عن قتال معاوية وأصحابه وقد حذرهم بأنها خدعة منه مع عمرو بن العاص وابن أبي معيط ولكن عشرين ألف مقاتل من جيشه وعلي رأسهم الخوارج حملوا سيوفهم علي عواتقهم وصمموا علي وقف القتال والإحتكام إلي التحكيم الذي خدع فيه ابن العاص أبي موسي الأشعري لتثبيت معاوية وخلع علي / وبنفس الخديعة قُتِلَ الثوار.
رفَعُوا المصاحِفَ والأناجيل
فتحُوا المطابقَ والزنازين
وتَجمعَ الخُطباءُ يحتَطبُون:
عُد يا أمير
هذا كلامُ اللهِ في السِّفرِ الجَليل
ورأيتُ في وجهِ الصباحِ بَيارَقَ التَّحكِيم
...!
لَكِنَّ شَيئًا لم يكُن:
أنَّ الخوارِجَ لم يَكُونوا بينَنا، أن لم يَعُد
غيرُ القصاصِ وغيرُ مَلحَمَةِ الشهيدِ الحَيِّ
تتلُو نارَها:
لا بد من نَصرٍ وإِن طالَ المقام
لا بد من فجرٍ وإن عَمَّ الظَّلام
لا بد من جملٍ لينتصرَ الإِمام ص26
وتطورت الأوضاع بين ليلة وضحاها فتم مهاجمة مقرات أمن الدولة التي عُذِبَ وقتل فيها الكثير من الأبرياء والتي وصفها شاعرنا في قصيدته (أشلاء هامان) التي قسمها إلي ثلاثة مقاطع (سريٌّ وخطِير طلليِّة اعترافٌ بِالموت) واستطاع أن يصف فيها بشكل فني موجع كل ما شاهده في مقر أمن الدولة من آثار وبقايا لبشر عذبوا بشتي الأساليب غير الآدمية حتي حللوا بل وأذيبوا فاستحضر شاعرنا البكاء من قسوة ما شاهد وشدة تأثره به وصعوبة وصفه ووصف القائمين بهذا الفعل المشين فيقول :
ابكِ أشلاءَ مَن
لن تدرِي مَن؟
أو لِمن؟
واربعْ عندَ أقباءٍ مُطبِقاتٍ عمَّارُها
حُلِّلوا أو أُذيبُوا وامنَحْ رَوائحَها
حبَّكَ المحفُوظَ - كأسرارِ طفلٍ -
ما بينَ همٍّ وغَم
سَتري ما لن يُحكَي
مَن يُصَدِّق؟
فابكِ
وابكِ
وابك
نَحنُ لا نَبكِي أيامَكِ
يا صاحبةَ الطلل
ما رأينَا غيرَ التَّقطيعِ والتَّذبيحِ
ومَحوِ الأمَل
لَكِ نَحنُ نَحِن؟!
إنَّما وَترٌ هزَّنا
فجَرَي رَغمَنا دَمعٌ ص16 : ص17
ثم يواصل وصفه لتلك القبور الزنازين التي القبر أرحم منها بصاحبه ومستحضراً كل قطعة في جسده لتشاركه آلامه وأوجاعه وكأن كل قطعة تحولت إلي كائن حي فاعل له دور يقوم به حتي الوصول إلي لحظة الموت الراحمة لهذا الإنسان المعذب والصورة توحي بشدة العذاب والتنكيل الذي لا يطاق والذي كان يتعرض له الإنسان المصري في المعتقلات حتي الموت ...
مترٌ في مترٍ يا زنزانة
يا للإيمانِ
القَبرُ كَذلِك لَكني حي
ما أدراك؟
حَقّا ما أدرانِي؟
فلَعلِّي إذ همَّ القلبُ
- في لحظةِ طيشٍ مَخبولٍ-
أن يذكُرَ سلطاني
أبلغَ شريانٌ عَن شريانِ
فانسحَبت أَوردَتِي من عَصياني
نَصحَ الكبدُ الموتورُ بخلعٍ فوريٍّ
أوصَي ببيانِ:
إنَّ الخارجَ مَدسوسٌ
من قِبلِ الشَّيطانِ
قَد ثَبتَ لَدَينا أَنَّ أجندتَه
عَمَلٌ عدواني
وتقدَّمَ أربعةُ الأطرافِ
ووقَّع وفدُ الأمعاءِ
مَنشُورًا إِنسانِي
فَتَوفَّانِي أمرٌ نوراني
مترٌ في مترٍ يا جبَّانة
يا للإيمانِ ص18 : ص19
ثم كانت نهاية النظام السابق في قصيدة (الدعوةُ عامَّة) بتفعيل دور الحضور الرامز للشعب المصري أي ان كان دوره في الحياة والتي رمز لها شاعرنا بقوله -عن صعودِ الأبطالِ إلي مِنَصَّةِ المسرَح - لتكتمل الثورة المصرية ويبدأ عهد جديد وقد تكررت لفظة الحضور ثلاث وعشرين مرة لتدلل علي أهمية رأي كل فرد في الشعب المصري للعودة بمصر كبلد فاعل في العالم بأسره والقضاء علي كل ظالم حتي ولو كان الحاكم نفسه .. والتي تظهر جلية في مقطعه الأخير بالقصيدة ..
زامَ الحضُور
صرخَ الحضورُ: نريدُ نَصًّا متقنًا
لم يكتَرِث أَحدٌ؛..
ما بين رَكلِ الشيخِ في
أذنِ الملقِّنِ:لا تُقللْ مَشهدِي أبدًا؛..
ما زلتُ نجما مُفعَمًا
ما بين جَهرِ الغِرِّ في جَيشٍ
مُحِيطٍ: جاءَ إِرثِي زاحِفًا؛
فأنا الممثلُ والنُّصُوص
هاجَ الحضور
صَعدَ الحضور
دُفِعَ الممثلُ عَنوةً
وتبخَّرَ الولدُ الدَّمِيم
ملكَ الحضور
فَتَسابقَ الكُورالُ يَسرقُ ودَّهُ
ثَبَتَ الحضورُ مع الحضورِ
علي المنصةِ يرتجل:
قَد عادَ نَصِّي
قَد عادَ نجمي
وليَبدأ العرضُ الجديد ص10 : ص11
ثم تأتي مجموعة قصائده الثانية التي اسماها من وجع الفتي وتضمنت قصائد : (عن شوارع الحصار الآن تسقط .. من قرون تغريبة السندباد نغني مع السندباد وصية) قبل الثورة وهي تمهيد لتلك الثورة نفسياً ومعنوياً وروحياً حين أنتُهِكَ الإنسان حتي انقسم علي نفسه فأصبح موجوداً وغير موجود | حاضراً غائباً أو حاضراً غير فاعل .. ولأن شاعرنا وضع ما مهد للثورة داخل نفس الانسان المصري عقب القصائد التي تحكي الثورة ولأننا أمام شاعر يعي ما يقول فهذا معناه أن هذه المجموعة من القصائد تحكي ما قبل الثورة بتأريخها منذ عام 1997 وحتي عام 2003 - وما بعد الثورة - بترتيبها الطبيعي داخل الديوان - أي أن الأحداث السابقة للثورة أعادت نفسها مرة أخري بعد الثورة فحدث الانقسام للنفس البشرية لتدور حول نفسها في وجع مضاعف وهذا يُفعّل دور الميدان الذي جعله أحمد سراج فاعلاً بوضع الحُكم في يديه كما قلت من قبل - وكأنه القاضي الذي يعيد بالعدل الحق لأصحابه.
يقول سراج في قصيدته (عن شوارع الحصار) : جمرٌ علي زَهرِي وظِلُّ غُبارِهِ لَيلٌ...وسُنبَكَةٌ تَدُكُّ صَباحَنا هذا أَنا ص95
هكذا يصف شاعرنا ما آل إليه الإنسان المصري زهره الدال علي نضارة الشباب يحتويه جمر ، والظل وهو ما يظهر من الإنسان نتيجة لانعكاس الضوء علي جسده أصبح غباره ليلاً أي دقائقه مُظلِمة ، حتي السُنبَكَةُ أصبحت تدك الصباح أي تحطمه وحين تصبح لقمتنا سبباً في تحطيم الصباح فهو الوجع ذاته الذي يعبر عنه شاعرنا في صورته الشعرية السابقة والتي تصبح حال المصريين الذين انكفوا علي لقمة عيشهم حتي ضاعت منهم حريتهم .. والصورة الشعرية المركبة التي أنهاها بقوله هذا أنا دلالة ناجزة علي المعاناة الشديدة التي كان يعيشها الإنسان قبل الثورة والأنا الشاعرة قد تعبر عن الشاعر أو جيله أو وطنه .
ثم عبر عن اغترابه داخل وطنه وإنكاره لموقف عروسه مصر التي تريد إبعاده عن غبار الخيل الرامز للمواجهة والحروب مما يجعله يأكل فحش الكلام وهي صورة تدل علي الانكسار والمعاناة المسكوت عنها ، ورفض حضنها له واستنكاره لدموعها سلاحها التي شبهها بالغيم الغزير مبشراً إياها بفارس لا ينكسر ولا يُهزم يشب علي صخور الليل في صورة شعرية تؤكد علي المعاناة والألم والأمل في القائد المخَلّص للوطن من معاناته وهو ما عبر عنه في نفس القصيدة بقوله
لا تُبعِدِينِي عَن غُبارِ الخَيلِ أَقتاتُ الخَنا
ما عادَ حِضنكِ يَبتغِيني، صُونِي دموعَكِ عَن
ثِيابيَ وارحَمِيني.
لا غيمَ أغزرُ من عُيونِك يِا عَرُوسُ فَكَفكِفي...
فغَدًا يشبُّ علي صُخورِ الليلِ فارسُناَ العَصِي، ص96
والثالث : في تلك القصائد التي اتخذت من التاريخ وحكاياه وصوره المختلفة رموزاً لواقع نعيشه ولم يتعظ منه الحاكم فأدي لشعور شعبه بالاغتراب فاصبح الواحد اثنين : إنسان يبغي العيش في وطن عشقه ويريد له أن ينصفه | وفي ذات الوقت يريد البعد عنه للبحث عن نفسه في مكان آخر فهو كالسندباد تارة وأخري يموت ويترك وصيته وهو في عنفوان شبابه متمثلاً المثل الشعبي القائل (مايقعد ع المداود إلا شر البقر) ؛ كما أن إهداءه في بداية ديوانه الذي وجهه إلي ثورة يناير المجيدة وروح شهدائها وعبق كرامتها الذي غمر العالم وإلي ميدان التحرير والعزة والكرامة يؤكد المعاني التي طرحناها سلفاً في قراءة الديوان.
وأخيراً : تأتي صور سراج الشعرية المعبرة عن هذا الانقسام الذاتي الموحش مكثفة وفاعلة كما فصلناها في متن القراءة وهذا يضيف للديوان بعداً إنسانياً يجعلنا نقف أمام شاعر يمتلك أدواته الفنية بحنكة علاوة علي كونه شاعراً ترمومتراً لوطنه يقف علي وجعه ويوصفه كالطبيب من مريضه وهذا يُحسب للشاعر بالرغم من كونه الديوان الأول له عقب ثلاث مسرحيات وهذا يجعلني أستبشر خيراً له في كتبه الشعرية القادمة حيث سيتمكن أكثر من أدواته ورؤاه الفلسفية التي تظهر بوضوح في ديوانه متمنية له المزيد من الرؤي الفاعلة علي المستوي الإبداعي والفني للقصيدة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.