د. خالد فهمى (1) مدخل: شرف سابغ! شرف سابغ لأي أكاديمي أن يرأس مجلس إدارة الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية، لاعتبارات كثيرة منها عراقة هذه المؤسسة، ودورها الثقافي الرائع التي مارسته علي امتداد تاريخ مصر الحديث والمعاصر، ولما أشاعته من معرفة رصينة راقية، ولما أظهرته من كفاءات وخبرات حقيقية، ولما جمعته وحفظته من كنوز الكتب والوثائق والمخطوطات والبرديات واللوحات والمسكوكات والاسطوانات الموسيقية وغيرها. ولا يسع المرء إلا أن يعترف بأن الدار نشأت لشعور وطني وقومي جارف سبب من الوعي بالذات من جانب، وسبب من الاحتكاك المباشر بالغرب المتقدم، وهو الأمر الذي دفع علي باشا مبارك رحمه الله إلي أن يلح ليستصدر قرارًا من الخديوي إسماعيل بتأسيس هذه المؤسسة العريقة، وهو الأمر الذي كان سنة 1870م. (2)الدار قيمة قينامية مع الزمن لقد مرت الدار بمنعطفات كثيرة كان بعضها إيجابيًا، وهدمًا يمكن حصره في المدة من قيامها وحتي سنة 1965م وهي السنة التي ضمت إليها دار الوثائق القومية، ثم جاءت فترة شكلت أزمة لها من كثير من النواحي عندما ضمت إليها الهيئة المصرية للتأليف والنشر. ثم كانت بداية انفراجة أخري مع صدور القرار الجمهوري باستقلال دار الكتب والوثائق القومية مرة أخري سنة 1993م. ومع مرور هذه السنوات بقيت الدار معماريًا (ولا سيما الدار التي في باب الخلق) وبقيت بما تجمعه وتحفظه في داخلها من كنوز متنوعة قيمة تتنامي مع الزمن. اجتهد قياداتها المتوالية في أن ينهضوا بها، ويضيفوا إليها، ويطوروها، وقد أسهموا جميعًا بأقدار مختلفة ومتفاوتة في هذا المضمار. (3)الوظائف بين الواقع والمأمول إن قراءة بنود قوانين الدار والقرارات واللوائح المنظمة للعمل فيها تشهد بوضوح تام بوظائف خادمة للثقافة الوطنية بامتياز. لقد تجلي في قوانينها علي امتداد التاريخ أنها دار تهدف إلي نشر الثقافة بين أفراد الشعب، من خلال تيسير الاطلاع علي الانتاج الفكري والأدبي والعلمي للحضارة الإنسانية، ومن خلال تعميم الخدمات المكتبية وتوصيلها للمواطنين، ومن خلال قيامها بإحياء التراث الفكري، تحقيقًا، ونشرًا، ودراسة، علي ما نصت عليه المادة الثانية من قرار رئيس الجمهورية رقم 176 لسنة 1993م. وقد كان قصور القائم يعتمد مسارات ظاهرة لتحقيق هذه الرسالة النبيلة نصّ عليها فيما يلي: أولاً: جمع المخطوطات والمطبوعات والدوريات والمصورات والسجلات ووثائق التاريخ القومي وما يتصل به من جميع الصور، وغير ذلك من وسائل المعرفة والحفاظ عليها بكل السبل، باعتبار ذلك عقل مصر في تجليه المادي الذي لا يصح تهميش أي جانب منه، أو إهماله. ثانيًأ: تهيئة هذه المقتنيات والمجاميع، لوضعها تحت تصرف العلماء والباحثين والجمهور، للاطلاع والدراسة والانتفاع بها في الدار وما يلحقها من مكتبات أو فروع، وفهرستها والعناية بها من كل وجوه العناية. ثالثًا: التعاون مع مختلف المكتبات والمؤسسات العلمية والثقافية في داخل مصر وخارجها. رابعًا: الإشراف علي تنفيذ القوانين والقرارات الخاصة بالإيداع، ليكون عونًا علي تنظيم حفظ المنجز الفكري لأبناء مصر، وما يطبع فيها، وليكون سبيلاً لنمو رصيد الدار من المقتنيات. خامسًا: إنشاء المراكز العلمية المتخصصة في مجالات عملها المختلفة، وإدارتها دعمًا لعمليات تنمية مصر وترقيها. والدار تسعي منذ زمن في خدمة هذه الغايات النبيلة جميعًا بدرجات متفاوتة يطغي فيها جانب علي جانب في كثير من الاحيان، الاعتبارات كثيرة. والمأمول في مرحلة ما بعد ثورة 25 يناير أن تعظّم هذه الادوار، وتتطور، ويضاف إليها. إن مصر في حاجة ماسة لإسهام الدار في أن تكون بيت خبرة جبار يحكم من ما تملكه من كنوز المادة والبشر يهدي الدولة المصرية ويضيئ، لا الطريق في سبيل دعم قراراتها المختلفة قبل اتخاذها. وهو الأمر الذي يستوجب أن يعود للدار الموسم الثقافي الذي يشتبك مع القضايا الملحة تفتحها العلماء لفحصها ومناقشتها وتنوير السبيل بإزائها، والخروج بتوصيات هادية بشأنها. وقد بدأت مباشرة بدعوة المراكز العلمية في الدار بإقامة ندوة موسعة لمناقشة قضية مياه النيل في ضوء ما تملكه الدار من وثائق مهمة في هذا الميدان. ومن حق مصر علينا أن تسهم الدار بشكل عملي في دعم الروح الوطنية بالمشاركة الإيجابية في الأعياد القومية لمصر بشكل ثقافي فاعل، وفي هذه المناسبة فإنني سأدعوة إلي ندوة للاحتفال برحلة العائلة المقدسة إلي مصر باعتبارها شأنًا قوميًا هامًا، وباعتبارها شأنًا دينيًا يجمع المسيحيين والمسلمين جميعًا. ومثل هذين المسارين سيسهمان في إعادة حضور الدار ثقافيًا بين جماهير شعبنا الكريم. إن مصر تحتاج من هذه الدار العريقة أن تفتح بعض فروعها في عدد من مشاهير الأقاليم المصرية، وصولاً إلي الناس، وتخفيفًا عليهم، ودعمًا لمشاريع التنمية، وحلاً لبعض المشكلات المتعلقة ببعض الأمور الفنية للمتعاملين مع الدار من الناشرين والباحثين، وفي هذا السياق فإن مصر في حاجة إلي فروع للدار في الإقليم الشمالي لمصر، وفي الصعيد، وفي إقليم القناة وسيناء، وفي الإقليم الغربي. ومثل ذلك فيما يخصُّ المكتبات الفرعية المتمركزة في القاهرة الكبري فقط، وهو الأمر الذي يمثل بعض الظلم لمحافظات مصر الأخري. إن الدار تفتح أبوابها لكل أبناء مصر، للإفادة منها، وهي علي إيمان كامل بأنها جزء من ضمير هذه البلد وعقله من جانب، وأنها جزء من مستقبله بالضرورة بحكم ما تقدمه وتنوي أن تقدمه من خدمات ثقافية متنوعة.