لفت نظري منذ أيام وأنا أتابع شاشة التلفاز أوبريت »الليلة الكبيرة« هذة التحفة النادرة التي يندر أن تتكرر مرة أخري خاصة أن الذي كتبها يندر هو الأخر أن يجود به الزمان مرة اخري وهو طائر العندليب في بلاط صاحبة الجلالة الضاحك الباكي المبدع »صلاح جاهين«.. كم كان هذا الأوبريت جميلا رائعآ يحمل عمقا ومتناقضات عديدة!!.. فقد شاهدت فيه مباهج وأحزانا.. أفراحا وشجنا.. لهو وجد.. قوة وضعفا!!.. متناقضات عديدة كنت أراها تدور في فلك مولد صلاح جاهين الذي أبدع في تصويرهو كأنه لم يكتب الأوبريت بالورقة والقلم ولكن رسمه بالريشة خاصة أنه كان أبدع وأمهر من أمسك ريشة الكاريكاتير في مصر !!.. كنت أتنقل بقلبي منسجماً بحنكة وحبكة السيناريو الذي برع فيه صلاح جاهين فأشعرني وكأنه ولد في المولد!!. وتتوالي المشاهد حتي تتجلي الدراما في نهاية الأوبريت مع الأم الثكلي التي تفقد ابنتها وسط زحام المولد والتي يتعاطف معها الجميع !!.. الليلة الكبيرة هي أشهر ماقدم علي خشبة مسرح العرائس في ثمانينيات القرن الماضي .. أبدع فيها صلاح جاهين وتألق معة فيها ملحنها سيد مكاوي وبرع فيها مصمم العرائس ناجي شاكر وتفوق فيها علي نفسه مصمم الديكور مصطفي كامل وأخرجها باقتدار المخرج المسرحي صلاح السقا وشارك بالصوت فيها الفنانون سيد مكاوي وشفيق جلال وعبده السروجي ومحمد رشدي وحورية حسن واسماعيل شبانة وصلاح جاهين وشافية احمد!!.. تعمدت أن أذكر كل فريق العمل حتي نعطي كل ذي حق حق فان كان صلاح جاهين هو المبدع الأول في هذا العمل الا ان فريق العمل الذي صاحبه كان رائع فوق العادة فخرج العمل رائعاً ومبهراً .. لم يكن هذا المولد ياسادة في حاجة الي قوة من الشرطة تقوم بتأمين المداخل والمخارج والشوارع المحيطة بالمولد !!..لم يكن رواد المولد البسطاء يخشون علي أنفسهم من انفجار عبوة ناسفة أو شراك خداعية!!.. لم يكن يخطر ببال صلاح جاهين أن ينقلب المولد ويتحول فجأة الي مظاهرة فئوية أو وقفة احتجاجية!!.. وأعتقد أنه لم يخطر بباله أيضآ أن تنقطع الكهرباء ويسود الظلام ساحة المولد!!.. لقد أصبحنا نعيش الأن ياسادة في مولد أخر لم يعرفة صلاح جاهين ولم تعرفة مصر من قبل!!.. مولد آخر اختلطت فيه الأوراق وانكشفت فيه معالم اللعبة!!.. يجب أن نفتش في أنفسنا عن أنفسنا!!.. لابد وأن نستعيد رحيق وحلاوة وحب الزمن الجميل فمن ليس له ماض وتاريخ ليس لة حاضر ومستقبل!!.. يجب أن نحطم سرادقات العزاء التي أصبحت تحيط بكل ربوع مصر ونحولها الي سرادق الليلة الكبيرة المفرحة التي كانت تعبر عن واقع وتلاحم مجتمعي رائع ..مصر لن تنقشع عنها الغمة بقرارات حكومية فحسب او بقروض ومنح دولية ولكن باصرار شعبها العظيم بأن يعيد لها الهوية مرة أخري!!.. معظمنا يشكو الآن من انقطاع التيار الكهربائي في أغلب محافظات مصر ونحن لاندري ياسادة ان الأبشع من ذلك بكثير هو انقطاع التيار الكهربائي في اغلب قلوب شعب مصر... فلم تعد قلوبنا تنير!!..