يعتبر الفيلسوف اليوناني ديوجين لانرسي أشهر من حمل فانوساً، حيث أنه حمل فانوسه ذات مرة في وضح النهار، وصار يمشي في الطرقات بغير هدي والناس تنظر إليه باستخفاف، إلي أن سأله البعض: لماذا تحمل فانوسك في وضح النهار؟ فأجاب بحكمته المعروفة: إنني أبحث عن الإنسان؟ هذا الفعل الغريب، والإجابة الأغرب تودي بنا نحو البحث عن ماهية الإنسان، ودوره في هذا الوجود، فديوجين أراد أن يقول أن البشر يعيشون علي هذه البسيطة، لكن طبائعهم تغيرت وأضحت غريبة عن الإنسانية التي طبعنا الله بها، فكثير من الناس لا يعرفون قيمة تلك الروح التي كانت مفضلة علي سائر المخلوقات في البر والبحر، تلك القيم التي جبلنا الله عليها، فنبذناها خلف ظهورنا من أجل تحقيق مكاسب دونية أجحفت بحق الكون بما فيه وعليه. ديوجين بحث في وضح النهار عن ذلك المتميز بالخير والإخلاص والعدل والجمال والحب الصادق والفكر والمعرفة، هذا الإنسان الذي نفتقده اليوم في ظل عولمة غيرت القيم والمفاهيم، فأضحي الحليم حيراناً. فما كان محرماً أضحي مباحاً وصار أمراً اعتيادياً لا ينكره الناس، أو ينكرونه بصمت كأضعف الإيمان. وأذكرني قبل أقل من شهر قد كنت في طريقي مع أسرتي إلي بيت العائلة، وبينما نحن في الطريق، فإذ بفتي يلقي بالكرة في وجه ابني مباشرة داخل العربة دون حياء، ثم يواصل مسيره كأن الأمر عادٍ جداً، وحين هممت بالنزول استوقفني السائق راجياً عدم افتعال مشكلة، فقررت المضي دون أي كلمة، وصوت السائق يدندن بسوء أخلاق كثيرين هذه الأيام، والجرائم والسرقات وافتعال المنكرات حتي أضحت شيمة الكثيرين اللغط والشتم واللعن والطعن والنميمة، لدرجة أن وصل بالشبان أن يمازحوا بعضهم بعضاً بالسب واللعن، أو بفاحش الكلام. إننا نبحث عن الإنسان، المجتهد، المفكر، العالم، العابد، الباحث عن الحقيقة والمعرفة، المتطلع دوماً نحو الرقي والتقدم، دون النظر إلي مثالب الآخرين أو سوءاتهم، الإنسان الذكي اجتماعياً وثقافياً وفكرياً، يسعي لتحقيق كل ما يريد، فطموحه لا تتوقف عند حاجز أو حد معين، بل تنتشر مع كل خيط في هزيع الليالي المشرقة. فيا أيها الأنت، كن من نريد.