د. أحمد درة عندما حمل »ديوجين« الفيلسوف مصباحه في وضح النهار وقال إني أبحث عن الحقيقة كان يسخر من هذا العالم المضطرب الذي كثر فيه الظلم والضلال حتي أظلم عليهم النهار فلم يعودوا يبصرون الحق ولا يلمسون الحقيقة، وأني لأعجب ان يصل بنا الحال إلي هذا الحد، فلم يعد أحد يدري أحق أريد به باطل، أم اننا قد عجزنا عن الإبصار في وضوح النهار. ألم تضل أقدامنا الطريق إلي مجتمع العدالة والأمن والحرية لأسباب لا يجهلها أحد، وقد نصحنا وتعالت أصوات تنشد الوطن ومصالحه العليا فلم يلتفت أحد، ومضت الأيام يلوي عنقها إلي المجهول، واستمر الصياح حتي أجبره الأمر الواقع علي تقبل ما كنا نخشاه ونحسب له حسابا، فهل عندما أجلنا صياغة دستورنا حتي اليوم قد جنبنا الوطن الانقسام والتشرذم وأعمال العنف والسلب والنهب والفوضي العارمة التي تجتاح البلاد، هل استطاع مجلس الشعب بتركيبته تلك أن يجبر المجلس العسكري أو الحكومة علي شيء مما يريده الشعب، أو مما يلح علينا أن ننجزه حتي يشعر الناس في القاع بأنهم حقا قاموا بثورة علي الاستبداد والفساد؟! لقد تقطعت بنا الأسباب وها نحن أولاء أمام معضلة دستورية تكاد تحدث شرخا عميقا في قلب الأمة المصرية حيث نعود إلي نقطة البداية، ولكن محملين بالكثير من الضغائن التي خلفتها أحداث ووقائع كلها شر مستطير يهدد استقرار الوطن وأمانه. ولعلنا تابعنا جميعا هذه المناورات التي تحيط بعملية تأسيس الجمعية الوطنية للدستور، والأهواء الكثار التي تضرب من كل جانب حتي يجذبها كل تيار إلي هواه، وشهد العالم معنا كيف نتخبط في أبجديات الدستور وفهمنا لطريقة تأليف جمعية تمثل أطياف المجتمع المصري بما لا يخل بحرفية ومهارة يجب أن تكون فيمن يمثل هؤلاء، كما انه ينبغي ألا يستأثر طرف من الأطراف بأغلبية في هذه الجمعية حتي لا يغلب الآخرين علي أمرهم، فيصبح بذلك دستوراً فاسداً لا يلبي حاجة كل المجتمع في حاضره ومستقبله. اننا مختلفون مع من يريد ان تكون القسمة »ضيزي« لأن ذلك أقل ما يبطل دستورنا القادم وهو عماد حياتنا المقبلة بغير شك بعد طول صراع مع أمراض الحكم المزمنة والتي تحول علي أيدي حكامنا أي دستور إلي هواء وسراب، وأي قانون إلي خواء وعراء، ولذلك يجب علينا جميعا أن نتطهر من الهوي وأن نتحلي بإنكار الذات أمام الواجب الوطني المقدس. ومهما حاول الذين في قلوبهم بقية من طغيان وميل إلي الاستبداد لأن ذلك في طبيعة أفكارهم، فإن العالم يتحرك نحو الحرية بآليات أكثر قوة وتأثيراً من الماضي، فأمامنا نماذج كثيرة لدول وأمم حاول فريق من بينهم أن يفعل ذلك، فارتد في نحورهم صوت الشعب، وانقلب عليهم بعد أن أيدهم في بادئ الأمر، وأصبح التاريخ يلعن اليوم الذي جاءوا فيه إلي الحكم، حيث غرتهم الدنيا وغرهم ما أحرزوه من نصر في ساحة السياسة ما لبث ان تلاشي مع أول احتكاك بالواقع الصعب لمعاناة الشعوب. إن الدستور المرتجي لن يكتب علي انقاض شعب قام بثورته من أجل أن يغير إلي الأفضل وأن يعيش حياة كريمة لا يتحكم فيها كل جبار عنيد، وكذلك لن يكتب علي حساب معاناة يومية تزداد ضراوة منذ قيام الثورة حتي يومنا هذا، فلم يحقق أحد له شيئا مما وعد به.. انه مصباح »ديوجين« سيظل يدور في نهار مصر الذي يلفه ظلام كثيف. هل هو شعب يعاقب علي ثورته؟ لقد تم انهاك الشعب المصري إلي أبعد حد ممكن، ولا تطلب منه أن يلتفت إلي هذه المسائل النظرية التي يداهمه بها الإعلام لإثبات أن الأمن موجود وحركة الشوارع والمرور فيها منتظمة، لا تصدقوا هذا الذي يقوله الوزير المنظر الذي لايزال يظن انه في قاعة المحاضرات يخاطب الطلبة قبل 52 يناير، فالأزمات تلازم صحو الشعب ومنامه، وتلاحقه في شرابه وطعامه، هذا شعب يتعرض للسحق بطيئا.. بطيئا، بديلا عن سحقه دفعة واحدة في ذلك اليوم الذي كان مدبرا له في ميدان التحرير لإنهاء الثورة وإعادة قبضة النظام علي البلد، ولست متشائما كما يدعي صاحبي الذي فارق الحياة أمس بسبب إهماله من قبل أولي الأمر، إنما هي الحقيقة المرة التي ينبغي ان يعرفها الناس جميعا، هذا الشعب يعاقب علي ثورته.