«النيابة الإدارية» تشرف على انتخابات «الزهور» بالتصويت الإلكتروني    وزير الدفاع ورئيس الأركان يلتقيان رئيس أركان القوات البرية الباكستانية    أسعار الفراخ في البورصة اليوم الجمعة 24 أكتوبر    أسعار العملات الأجنبية في بداية تعاملات اليوم 24 أكتوبر 2025    وزيرة التنمية المحلية: إزالة أدوار مخالفة في حي الزيتون بالقاهرة    سرقة مركبة عسكرية في غلاف غزة قبل 3 أسابيع.. وجيش الاحتلال آخر من يعلم    وفا: استشهاد شاب متأثرا بإصابته برصاص الاحتلال    بريطانيا: لندن تستعد لإعلان تسريع برنامج تسليم أوكرانيا أكثر من 100 صاروخ    كلاسيكو الكرة السعودية.. التشكيل المتوقع لمباراة الهلال واتحاد جدة    خطة مانشستر يونايتد لضم نجم نوتنجهام فورست    بعثة الحكام المصريين تتوجه إلى الإمارات لإدارة مباريات كأس السوبر المصري    تفاصيل الحالة المرورية بشوارع وميادين القاهرة الكبرى اليوم الجمعة    إحباط تهريب هواتف محمولة ومستحضرات تجميل في مطار الإسكندرية الدولي    رحلة عمرها 100 عام| «روزاليوسف».. صانعة الأجيال الصحفية    اليوم.. مي فاروق تُحيي حفلها في مهرجان الموسيقى العربية بدورته ال33    طارق الشناوي: مهرجان الجونة هذا العام أكثر نضجًا    التوبة لا تغلق.. رسالة ربانية في أول آية في القرآن| فيديو    "مساجد المنيا" تستعد لصلاة الجمعة اليوم وسط التزام بالإجراءات الدينية والخدمية    فرق سلامة المرضى تواصل جولاتها الميدانية داخل الوحدات الصحية ببني سويف    المصري البورسعيدي يفاضل بين حارس الأهلي والزمالك لتدعيم صفوفه في يناير    الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين: نجاح الجهود المصرية في تثبيت وقف إطلاق النار يُمثل إنجازًا كبيرًا    فتوى اليوم | فضل قراءة سورة الكهف يوم الجمعة    آداب وسنن يوم الجمعة.. يوم الطهر والنور والعبادة    حدث عالمي ينتظره الملايين.. تجهيزات ضخمة استعدادا لافتتاح المتحف المصري الكبير    رشوة أوروبية في ملفي الهجرة وغزة.. أبرز نتائج زيارة المنقلب السيسي إلى بلجيكا    آخر فرصة للتقديم لوظائف بشركة في السويس برواتب تصل ل 17 ألف جنيه    هنادي مهنا: «أوسكار عودة الماموث» يصعب تصنيفه وصورناه خلال 3 سنوات بنفس الملابس    محمد ثروت: «القلب يعشق كل جميل» غيّرت نظرتي للفن.. والأبنودي الأقرب إلى قلبي و50% من أعمالي معه    ارتفاع جديد في سعر الدولار أمام الجنيه المصري اليوم الجمعة 24 أكتوبر 2025    موعد تطبيق التوقيت الشتوي في مصر 2025.. تعرف على تفاصيل تغيير الساعة وخطوات ضبطها    مصطفى البرغوثي: الموقف المصري أفشل أخطر مؤامرة ضد الشعب الفلسطيني    تعرف على الحالة المرورية اليوم    فردوس عبدالحميد: كنت خجولة طول عمري والقدر قادني لدخول عالم التمثيل    تعطيل الدراسة أسبوعًا في 38 مدرسة بكفر الشيخ للاحتفال مولد إبراهيم الدسوقي (تفاصيل)    رسميًا.. موعد صرف مرتبات شهر أكتوبر 2025 للموظفين    نوفمبر الحاسم في الضبعة النووية.. تركيب قلب المفاعل الأول يفتح باب مصر لعصر الطاقة النظيفة    مستوطنون يهاجمون منازل فلسطينيين في قرية الطوبا جنوب الخليل    أسماء المرشحين بالنظام الفردي عن دوائر محافظة بني سويف بانتخابات مجلس النواب 2025    «مش بيكشفوا أوراقهم بسهولة».. رجال 5 أبراج بيميلوا للغموض والكتمان    فتاة تتناول 40 حبة دواء للتخلص من حياتها بسبب فسخ خطوبتها بالسلام    في قبضة العدالة.. حبس 3 عاطلين بتهمة الاتجار بالسموم بالخصوص    «بالأرز».. حيلة غريبة تخلصك من أي رائحة كريهة في البيت بسهولة    التجربة المغربية الأولى.. زياش إلى الوداد    82.8 % صافي تعاملات المستثمرين المصريين بالبورصة خلال جلسة نهاية الأسبوع    طريقة عمل صوابع زينب، تحلية مميزة لأسرتك    نصائح أسرية للتعامل مع الطفل مريض السكر    مصرع وإصابة شخصان إثر حريق سيارة بطريق السويس الصحراوى    فحص فيديو تعدى سائق نقل ذكى على فتاة فى التجمع    نادر العشري: الزمالك يحتاج إلى مدرب قوي الشخصية.. والأهلي لن يجد بديلًا لعلي معلول بسهولة    محمد كساب: ستاد المصري الجديد تحفة معمارية تليق ببورسعيد    مجلس الوزراء اللبناني يقر اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع قبرص    ماكرون: العقوبات الأمريكية ضد روسيا تسير في الاتجاه الصحيح    رئيسة معهد لاهوتي: نُعدّ قادةً لخدمة كنيسة تتغير في عالمٍ متحول    لماذا لم تتم دعوة الفنان محمد سلام لمهرجان الجونة؟.. نجيب ساويرس يرد    مدرب بيراميدز يتغنى بحسام حسن ويرشح 3 نجوم للاحتراف في أوروبا    راقب وزنك ونام كويس.. 7 نصائح لمرضى الغدة الدرقية للحفاظ على صحتهم    النيابة تكشف مفاجأة في قضية مرشح النواب بالفيوم: صدر بحقه حكم نهائي بالحبس 4 سنوات في واقعة مماثلة    الشيخ خالد الجندي: الطعن فى السنة النبوية طعن في وحي الله لنبيه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النجاة بالحب والحرية!
قراءة في المجموعة القصصية (هان الود)
نشر في أخبار الأدب يوم 25 - 05 - 2013


د.خالد فهمى
مدخل: هل هذا ممكن؟
في تاريخ العرب الأدبي مراحل كاملة كان الحب عنوانا شبه تام علي عدد من منجزات الشعراء ، وهو بعض ما نلمحه في شعر الغزل العذري، حيث ظهر العنوان بشكل مثير للدهشة ، ومثل ظاهرة استغرقتها نظريات تفسيرية توزعت علي الديني والسياسي والحضاري ، ولمعت في تاريخ هذه الظاهرة الشعرية أسماء لامعة، وحكايات آسرة ، وتجذرت تقنيات فريدة علي مستوي بناء القصيدة ومعجمها !ّ
وبهذا السطر التاريخي أصبحنا نمتلك بعض إجابة عن السؤال المحير الصعب الذي طفر في افتتاح هذا المدخل.
وجرت مياه كثيرة غامرة تحت الجسر في الاتجاه نفسه ، وتجلت مذاهب أدبية جارفة تعلي من قيم الحب والحرية ، وتأكدت مع مرور الأيام ، وما تزال أهميتها تتأكد ، ولاسيما في زمان الإنسان العربي المعاصر ، بعد كثير من ممارسات اغتيال الحب والحرية.
وهذه المجموعة القصصية للصديق العزيز الأستاذ / عصام عبدالحميد(هان الود) تفتح الباب واسعا أمام طرح السؤال من جديد.
تضم هذه المجموعة أربع قصص متفاوتة الحجم، وهي :
هان الود.
ب-ميرين
ج- فراشات تائهة.
د- الناب الأزرق
وهي مجموعة تلح علي فكرة أساسية مركزية تتلخص فيما يمكن أن نعبر عنه بإمكان تحقيق مسارات النجاة للإنسانية بالحب و الحرية.
وهذه المجموعة تنضم مع أخوات كثيرات لها لتدعم فكرة عودة الرومانسية الجديدة في الجغرافية العربية المعاصرة.
وحنين أدباء التيارات الإسلامية ، ويغري بتفهمه وقبوله، بسبب من أشياء كثيرة تتعلق بطبيعة الفكرة الإسلامية التي تشكل رؤيتهم للكون التي يشغل الوجدان فيها موقعا مركزيا وتأسيسيا، تحكمها ظروف خاصة في تكوينهم ضغطتهم ، وألهبت بسبب من غربة الروح، ومخاصمة المناخ الثقافي والفكري والسياسي لحركتهم مما جعل شوقهم للحب والحرية جارفا وعنيفا.
مقال في خطاب الموضوع!
يطرح عصام عبدالحميد علي امتداد قصصه الأربعة مسألة ثقافية عميقة تتعاطي قيمة الحب والحرية من منظور منتم محكوم بنوع ثقافة إسلامية تحاول أن تتذرع بقدر ظاهر من التسامح تقدير النوازع الإنسانية ، وتفهم دوافعها.
وعصام عبدالحميد وهو يطرح هذه المسألة يستهدف مجموعة من الغايات الفكرية والأخلاقية بشكل فني وجمالي ،ليعيد التذكير بواحد من أصول النظر إلي الأدب والقص بوجه خاص ، وهو الدائر حول التزكية والتطهير والارتقاء علي اختلاف المراحل الزمنية التي ظهرت فيها هذه المصطلحات.
والمجموعة القصصية تلمس من وجهة نظر صاحبها ، ولاسيما مع تمثل تكوينه الثقافي والوجداني أبعاد التشوه الذي أصاب النفس المصرية والعربية والمسلمة في العصر الحديث بسبب من ظروف كثيرة ترد جميعا من الغربة عن تجليات الفكرة الإسلامية النقية.
في(هان الود) يظهر ملمح من ملامح هذا التشوه في تعالي الارتباط بالمال فوق قيم البر بالأب ، صحيح أن المال جزء أصيل في التركيبة الإنسانية ، وصحيح كذلك أن كثيرا من ملامح تشوه البنية الأخلاقية للإنسان ترد من سبيله لكن عطاء هذا الأب(مصطفي) لبناته من جانب وتنامي غربة الإسلام عن ميادين التربية والثقافة والتعليم أسهمت في تنامي روح التشوه في المنظومة الأخلاقية الواردة من مقامات الارتباط بالمال.
إن خطر هذه المسألة ماثل في تمددها وتأثيرها علي البنية الفكرية لشخصيات بعض قصص المجموعة وبخاصة(هان الود) التي تمثل مركز هذه المجموعة وأساسها ، فلقد نطقت بعض شخصياتها بكلام خطير عبر عن الزواج في بعض مقاطع النص بكلمات من معجم التدنيس ّ تقول ناهد إحدي بناته اللائي وقفن معارضات زواج مصطفي بعد وفاة زوجه/أمهن :بوحين سمعت لفظ الزواج كانت قد أعطت الإشارة بإطلاق قذائفها بلا رحمة ناسفة كل الاعتبارات التي يمكن أن تقال في هذا الموضع من الحياة...المفاجأة عقدت لسانه ، تحجرت عيناه من الدهشة شعر في لحظة أنه كائن جمادي بلا شعور ، كانت تتكلم بصوت عال بكلمات مرتبة كأنها قد أعددتها، سهام مسمومة صوبتها نحوه بدقة متناهية، أخذت تطلق حممها في كل اتجاه : احترم سنك الكبير، ماذا سيقول الناس عن العجوز المراهق المتصابي؟ لن تدنس البيت امرأة عاشت فيه أمها.
ومع تأمل نقطة التشوه التي ظهرت في نقطة مهمة من جغرافية الحوار ختاما لفقرة كاملة من رد ناهد ،وبغض النظر عن استعمال ضمير الغائب في ( أمها) الذي كان من الأولي أن يكون (أمي)! يمكننا أن ندرك خطر أثر تمدد المال وإصابته للمنظومات العقلية والفكرية والإيمانية عند الإنسان المسلم المعاصر.
وقضية الحب في قصص عصام عبد الحميد تسعي دائما إلي التجسد المادي في صورة الزواج بما هو الترجمة المنطقية للعلاقات الطاهرة بين الرجل والمرأة في التصور الإسلامي، وهي العلاقة القادرة بشكل حقيقي عن مشاعر الحب بين أي قلبين ينتفضان في رجل وامرأة ، وهو الأمر المستقر المدعوم بما أخبر به المصطفي صلي الله عليه وسلم من قوله: ليس أفضل من الزواج للمتحابين.
هذه القضية التي ظهرت فأراحت مصطفي ومني، وخلصتهما من عذابات القلب ، ورزقتهما السعادة التي كانت غائبة عنهما ،وتحولت العلاقة الزوجية بحياتهما إلي ينبوع يتدفق بالإنسانية والاستقرار والسكينة والرحمة وهي المفردات المركزية التي يلح التصور الإسلامي علي إنزالها مقاصد الزواج.
ويطمح عصام عبدالحميد إلي أن يكون الزواج لقاء بين روحين متناغمين ولقاء بين جسدين ، يخلق متعة وإحساسا جديدا بالحياة، ويخلق نوع كرامة جديدا يستمده كل طرف من طرفي العلاقة من الآخر بما يظهره من كريم العشرة والقدرة علي التواصل والتحاور والتفاهم.
لقد بدا زواج مصطفي ومني مثالا طامحا نحو الزواج بمفهومه المراد ، ومنحهما القدرة علي الإقناع بمقاومة التشوه الذي تركه المال في بعض النفوس.
ولكن الأمر بدا علي خلاف ذلك في قصة(ميرين) حيث ظهر زواج ميرين من الرجل الشرقي وقد لفه الإخفاق من كل جانب ، علي الرغم من اعتراف القصة بتحقق المتعة الجسدية ، لكن الزواج ليس لقاء جسدين فحسب، إن مسألة الزواج بما هي المعبر الحقيقي لجلال الحب عليها أن تتنبه إلي أن الإنسان روح وجسد، وأن اجتزاء الإنسان في أية قضية هو حكم نهائي بالإخفاق فيها.
وتعانقت قضية الحب بما هو أصل اللوحة في القصص الأربعة مع قضية الحرية فظهرت بجوارها داعمة تقرر أن الحب الحقيقي في حاجة إلي ظهير وداعم ذلك أن النفس المحبة تحتاج إلي الحرية لتعينها علي التحليق ، ومقاومة أصنام الأعراف والتقاليد ، وأصنام التشوهات التي أصابت النفس المسلمة المعاصرة فسجنتها في سجون متنوعة.
لقد جاءت خدمة قضتيي الحب والحرية في قصص عصام عبدالحميد في مجموعته (هان الود) وقد ارتدت ثياب التصور الإسلامي الحريص علي الطهر والتعالي الأخلاقي ، وهو ما ظهر في طلب الزواج في هان الود وميرين ، وهو ما ظهر كذلك في الأحكام القيمية التي طالت بطلة قصته(فراشات تائهة) التي دفعت ممارسات الفضائيات ، ووصمتها بكل قبح ، وطالت بطلة قصة الناب الأزرق التي سمحت لنفسها أن ترافق رجلا/ حيوانا.
وطلب الطهر مسألة مركزية في المجموعة القصصية ، وهي غاية نبيلة ومعروفة في برامج غايات الآداب منذ زمان موغل في القدم .
وإن كان لابد من كلمة في اتجاه تقييم الموضوع في (هان الود) فإن ثمة اتفاقا علي أن أي موضوع يصلح قضية للعمل الأدبي ، فليس هناك موضوع ممنوع أو محرم، ومع هذا الإقرار فإن ثمة اتفاقا أيضا يقضي بأنه لابد من تحقيق الاقتناع الفني والجمالي والعقلي والوجداني بهذا الموضوع أو ذاك.
لقد بدت موضوعات القصص الأربعة طبيعية ؛ لأنها في الحقيقة تجليات مختلفة لموضوع واحد.
ومع ذلك فقد بدت درجة الإقناع متفاوتة من قصة لأخري ، فعلي حين بدا الصراع الذي ولده بعد مصطفي عن مني منطقيا لم يزل إلا بعد لقائهما ، وبدت التضحية بالمال في سبيل هذا اللقاء مقنعا وإن بدا لم يؤازره معاناة علي مستوي التقنية القصصية مقنعة بالتخلي عنه ولاسيما أن المال يقع من النفس الإنسانية منزلة غير خافية ، أقول علي حين بدا الأمر مقنعا في (هان الود) تصاغر هذا الاقتناع في (فراشات تائهة) ، وتصاغر بدرجة أعلي في (الناب الأزرق) ؛ لأنه ليس واقعيا أن تقبل أي بنت أن تركب مع أي رجل مجهول بلا مسوغ من الاضطرار .لكن الأمر علي الإجمال جيد، تجعل عصام عبدالحميد واحدا من قصاصين قلائل يفرد جهده في خدمة تطهير العلاقة الإنسانية بين الرجل والمرأة عن وعي معرفي وذاتي بطبيعة هذه العلاقة وبقيمة هذه العلاقة ، وبالمخاطر التي تهدد هذه العلاقة ابتداء واستمرارا ، إن عصام عبدالحميد حاول أن يقرر أن نجاة الإنسان المسلم المعاصر طريقها الحب الطاهر والحرية المسئولة.
تجاوز الانغلاق الفني !
إن أول انطباع نقدي يخرج به قارئ مجموعة عصام عبدالحميد (هان الود ) هو أن أدباء الحركة الإسلامية ولاسيما أدباء الإخوان المسلمين يملكون القدرة علي تجاوز الانغلاق الفني الذي عاشوا فيه زمنا طويلا ، لأسباب كثيرة كان بعضها سبيلا فنيا ممهدة لتوصيل رسائل الأدب ، وسبيلا لفك شفرات النصوص وتيسيرها بين يدي القراء.
ومسألة تجاوز الانغلاق الفني لدي الإسلاميين في هذه المجموعة مدعومة من جانبي بعدد من الأدلة ، أرجو بيانها فيما يلي:
أولا- اتساع آفاق التناص
لقد بدا عصام عبدالحميد بعنوان قصته الأولي والمركزية في المجموعة ، وهي قصة (هان الود) متناصا مع واحدة من عيون الأغنيات الرومانسية المصرية ، صحيح أن ذلك بدا احتمالا لم يحسن أي نوع من توظيف عتبات النصوص ، وهو ملمح موفق في البناء والتقنية ، وأسهم في إنجاح استثماره تأخير الكشف عنه ، حيث ظهر هذا الكشف في المقطع العاشر؛ أي قبل نهاية القصة التي جاءت في اثني عشر مقطعا يقول:س قفزت مني صارخة بهستريا غير مصدقة ما سمعته ، وانطلق صوت عبدالوهاب الفخم يشدو بأغنيته الشجية(قالوا لي هان الود عليه ، ونسيك / وفات قلبك وحداني)
وأنا لا أحب أن ينظر إلي نمط التناص هنا نظرة ساذجة ، تفوت القيمة الحقيقية التي يعكسها ، لقد احتاج أدباء التيار الإسلامي زمنا طويلا لكي يصلوا إلي هذا المستوي الثقافي ، لا في بعده المادي ، وإنما بعده المعنوي الذي يبرهن علي قدر كبير من تجاوز الانغلاق، وقبول التنوع الثقافي الذي يعكس قابلية الانسجام في الجماعة الوطنية المصرية.
ثانيا- اتساع استثمار الإعلام سيميائيا
إن قراءة عدد كبير من منجز المبدعين الإسلاميين في المجال القصصي تلمح تنميطا في استثمار أسماء الأعلام الشخصية والمكانية ، لاعتبارات أيدولوجية وفنية وقرائية تتعلق بإرادة الوصول إلي المتلقين بمضامين العمل الفني .
وهو الأمر الذي نلمسه في النسبة الإحصائية المرتفعة لاستعمال اسم العلم (وفاء) مثلا في أعمال عدد كبير من هؤلاء القصاصين ، وكذلك في استعمال اسم العلم (الأندلس).
وهذان الاسمان تعيينا ظهرا هنا ظهورا مثيرا للانتباه ، في هان الود ، وفي ميرين بما يجعل الملاحظة صحيحة إلي حد بعيد ، وتعكس الوعي بقيمتهما فنيا وجماليا وأيدولوجيا.
وهو ملمح انغلاقي بامتياز فنيا، ولكن فحص بقية قوائم أسماء الأعلام يلمح نوع تطور في الاستثمار والتوظيف ، يمكن ملاحظته فيما يلي: مصطفي( صفصافة) وهو نمط تحول مهم في التعامل مع أسماء أعلام الرجال بعد شعور مزيف لكنه شائع يؤخر رتبة تدليل أسماء الرجال.
ب-ناهد وهو اسم علم وظف هنا توظيفا دلاليا جيدا ، ولاسيما إذا عرفنا أن بعض دلالات الجذر اللغوي( ن/ه/د)يدور حول معاني الارتفاع والإشراف والمكافحة ، حتي صح قديما استعمال المناهدة في الحروف لما يعانيه المحاربون في مواجهة بعضهم بعضا
وتأمل ملامح صورة ناهد ، وتصرفها نحو أبيها في مواجهة إرادته الطالبة للزواج من مني بسمح بالحكم علي اختيار هذا الاسم بالنجاح والتوفيق.
كما جاء استعمال اسم ميرين بطلة القصة التي يحمل اسمها دلالات فنية تحكم لعصام عبدالحميد بامتلاك القدرة علي تجاوز الانغلاق الفني ومبرهناً علي القدرة علي توسيع النموذج الجمالي في العقل المسلم المعاصر الذي يمكنه بعد وقت وجهد إيجابي أن يفهم الآخر ويتعاطي معه ،و يدخل معه في علاقات حميمية ولاسيما إذا عرفنا أن الاسم (ميرين) ينحدر من أصول لاتينية انسرب في لغات أوروبية كثيرة ، يدور معناه حول البحري ، بما يجعلها حورية بحرية!
البناء الفني ، وأدواته
من جانب ثالث بدا عصام عبدالحميد متجاوزا للتقليدي ، أو محاولا إعطاءنا فرصة لقراءته بعيدا عن الأجواء التقليدية التي يتحرك في أروقتها غالبا مبدعو الحالة الإسلامية.
ا-لقد استعمل عصام في تكوين عالمه القصصي أدوات شديدة العصرية بدءا من الهاتف المحمول الذي يظهر منذ أول سطر من سطور مجموعته بأضاءت شاشة المحمول معلنة بموسيقا حالمة عن وصول رسالةا! وظهر الكمبيوتر بتقنيات تواصيلية غاية في التحديث (نت/ كاميرا/ شات)، فضلا عن أدوات عصرية من مثل: السيارات ، ودور المسنين ، وقيمة هذه الأدوات ليس في ذاتها وإنما في القيم الفكرية التي تمنحها للقارئ ، وما تعكسه من إدراك حقيقي يبرهن علي أن المبدع المنتمي منفتح علي المنجز الحضاري المعاصر لا يخاصمه ، ولا يمنعه ، ولا يتخذ موقفا رافضا ، ومحاصرا له ، بما يجعله إنسانا عصريا بامتياز.
ب- كما راوح عصام عبدالحميد في توظيف تقنيات القص حيث بدا وفيا لنمط بناء القصة المستقر الذي يسعي في خطي تدريجية من البدء، ثم التصعيد وصولا إلي نقطة التأزيم وصولا إلي نقطة النهاية أو لحظة التنوير التي امتدت علي ثلاثة مقاطع (10؛11؛12) وهو امتداد خلق نوعا من اللذة المعنوية والمادية المعوضة المقصودة ، لكي يتجاوز عن طريقها فقرات الألم والعذاب التي سبقت لقاء مصطفي بمني مثلا في : هان الود وعلي الرغم من المشكلات الفنية التي تحيط باستعمال النهاية المغلقة، فإن النهاية المغلقة هنا جاءت طبيعية ومنطقية ومحققة لأفق التلقي بسبب من تضاعف مساحة العذاب الذي اجتاح نفس مصطفي ومني مما رشح لقبول النهاية المغلقة بلقائهما وزواجهما ؛ لأن القارئ الذي توحد مع النص أصابه من عذاباتهما وآلامهما الكثير مما تحتم معه ضرورة القضاء علي هذه الآلام والعذابات باستعمال هذه النهاية المحددة.
ثم ترك عصام هذه التقنية وتوجه نحو توظيف النهايات المفتوحة في بقية القصص بدرجات متفاوتة ليخلق حالة من توحد المتلقي مع قضاياها وموضوعاتها.
وقد قامت اللغة بعبء إضافي في هذا السياق لتقنعنا بجدوي النهايات المفتوحة لتغذية شعور المتلقين المتنوع، وضمان كسب أكبر نسبة منهم ، يقول في (فراشات تائهة) :بلم يبق أمام عيني الواهنتين إلا الضوء الصغير في آخر النفق ، أتمني مع كل عجزي أن أصل إليه ، نورا كان أم نارا ، فهل تمدين يدك إلي ؟ا بهذا السؤال غير المجاب عنه تحقق باللغة انفتاح النهاية.
من جانب آخر فقد بدت هوية السارد حاكمة في هذا الميدان حيث حاول أن يقنعنا بقدراته المتنوعة ، فاستثمر تقنيات كثيرة في بناء قصص مجموعته ، فمن الوصف و الحوار في (هان الود) إلي تقنية استعمال الرسائل أو الخطاب ) في ( ميرين ) و( وفراشات تائهة ) بدا عصام عبدالحميد حريصا علي أن يقول هنا إنه يملك حلولا علي مستوي البناء أو المعمار الفني ، وقد حاول القصاص لمرة واحدة تحتاج إلي بعض الوقت لتنضج تقنية الإيهام بالحاشية التي صنعها في آخر قصة (ميرين) بما يجعلها واقعا حقيقيا .
ج- تحقق الرومانسية الفني
ومن جهة أخيرة بدا عصام واعيا بطبيعة الرومانسية الجديدة المنتمية التي يطلق رسائله الفكرية من خلالها.
وما يدهش في الأمر هو استثمار الجغرافيا بشكل فني هادئ ، حيث ظهرت الأماكن التي احتضنت القصص رومانسية بامتياز ، وإن في أسبانيا بكل صورها العالقة في الوجدان المسلم المعاصر ، حنينا تاريخيا ، وجمالا طبيعيا ، وإن في رأس البر ببعض تفصيلاتها الواردة من الخبرة الذاتية.
ووفق عصام إلي حد بعيد في استعمال المعجم الرومانسي ، حتي بدا في كثير من المقاطع كما لو كان شاعرا ، وموسيقيا بامتياز ، وأعطي مثالا جيدا لما يسمي في فلسفة الفن بالقدرات الهائلة للنحو علي أن ينتج الموسيقا.
وإليك بعض هذه المقاطع :» أخيرا غلب النعاس عيون مني ، سنة لذيذة من النوم أخذتها إلي خدر مريح تسلل إلي جسدها المتمدد علي الفراش مستسلمة للفراش الناعم ، علي شفتيها شبه ابتسامة ، كان يوما لا ينسي من عمرها أبدا تحولت فيه هي ومصطفي إلي عصفورين ... يطيران في كل اتجاه يملآن الكون بزقزقة مبهجة ... شعرت بأن الحياة تتوهج بفرح صاخبا.
القلم لا يطاوعني علي الرحيل!
ومن حق أدباء الحركة الإسلامية ألا يكتفي النقاد الذين يتوقفون أمام إبداعاتهم بالتفسير والكشف عن القيم الفنية والجمالية فحسب ، ذلك أن موجات الإقصاء والتهميش التي تعرضوا لها علي امتداد زمني طويل حرمتهم من المتابعة النقدية الأمنية والموجهة وهو ما يفرض علي المتعامل مع أدبهم أن يفحص العناصر المؤسسة لأعمالهم ، ويقومها ، ويرشدها.
صحيح أن هذا النوع من النقد موصوم بالتقليدية ، وربما يسبب قدرا من التوتر لكنه بات أمرا لازما لدعم الحركة الأدبية المنتمية للتيار الإسلامي .
ومن ثم فإن قلم الناقد لا يطاوعه علي الرحيل قبل أن يفتش في هذه المجموعة كاشفا عن بعض ما ينال منها بسبب من التورط في بعض ما يخالف برامج كتابة القصة القصيرة.
وفيما يلي محاولة للتعليق علي بعض هذه الملاحظات:
أولا- اللغة وهوية العمل الأدبي!
لا يمكن لأحد أن ينكر ولا يسعه أن اللغة هي العصب المركزي لأي عمل أدبي ، وهي مادة حياته ، وكينونته ، وماهية وجوده وتشكله ، ومن ثم فكل جهد يوجه نحو تعميقها والوعي بأسرارها ، والتوسع في الإحاطة بفقهها هو أمر في الصميم من تطوير أدوات الأديب أيا ما كان الجنس الأدبي الذي يبدع من خلاله.
ومشكل اللغة في القصص عريق في العصر الحديث تعرض لمقاربات متنوعة بسبب من التخديم علي رسم صور الشخصيات وتحقيق الصدق الفني فيما يتعلق بملامح صورة كل شخصية ، وضرورة أن تكون اللغة جزءا أصيلا من بناء هذه الملامح.
ولكن المتفق عليه أنه لا يصح أن يخطئ الأديب في اللغة التي يروي بها أو يصف بها ، أو تنطق بها شخوص أعماله القصصية أيا ما كان المستوي اللغوي الذي تنطق به هذه الشخوص.
وقد فرط من الصديق العزيز القاص عصام عبدالحميد بعض مما ينال من إشراق لغته من مثل:
ص 13/س5 = الغير محددة والصواب : غير المحددة
ص 13/7= محك قاسي والصواب : محك قاسٍ
ص 17/10= تجد رجل والصواب : تجد رجلا
ص 17/18 = التواجد والصواب : الوجود
ص30/10= لا يعرفوا والصواب : لا يعرفون
ص 31/4 = مجهود مضني والصواب : مجهود مضٍ
ص 32/6-7 = لا يفعل شئ تقريبا ولكنه يرقب بداخله اضطراب وخوف صغير والصواب : لا يفعل شيئا .. اضطرابا وخوفا صغيرا!
ص 45/8 = ولم تهتدي والصواب : ولم يهتد
وهناك أمثلة كثيرة جدا غير هذه وهو أمر يحتاج إلي نوع مراجعة وتنبه لأن اللغة ليست مجرد وعاء حامل بل هي خالقة ومشكلة ومؤسسة للهوية ، وكل تهاون في حقها ضار بالعمل الأدبي ، وربما يوشك أن يهدد بنيانه ، ويشوه معماره.
ثانيا- مزالق فنية
ومن جهة أخري فقد تورطت المجموعة القصصية في بعض المزالق الفنية جاء أغلبها متعلقا بالتشكيل اللغوي، ومقامات استعمال اللغة مما أضر في أحيان ببنية تصوير بعض الشخصيات ، وأثر سلبا في تمثل الرسالة الفكرية والجمالية للمجموعة القصصية(هان الود).
فمن ذلك بدت بعض الأساليب ناتج أثر عجمة من جانب ، نتج عنها ترهل لغوي بسبب من الفائض المجاني، يقول عصام عبدالحميد هان الود(ص8) :بأما هو فقد اكتشف أنه لن يحصل علي الراحة إلا بمواصلة السيرس والواضح أنه يريد ز أما هو فقد اكتشف أن لن يرتاح»وهو ما يعني أن عبارة « لن يحصل علي بما هي أثر من الآثار الترجمة من اللغات الأجنبية علي الأساليب العربية حقق فائضا مجانيا يخاصم الطبيعة المكثفة التي تخض عليها برامج كتابة القصة القصيرة.
ومن ذلك أيضا وقوع بعض الارتباك في حركة الضمائر اللغوية مما كان من شأنه كسر توحد المتلقي مع النص وصناعة قاطع اتصال موهم بعدم الاقتناع النسبي ، ولعل المثال التالي يوضح ذلك ، تقول ناهد في (هان الود) ص 28 في سياق مواجهة رغبة أبيها (مصطفي) الزاوج من محبوبته (مني) بعد وفاة زوجه يقول :ب كانت تتكلم بصوت عال ، بكلمات مرتبة كأنها قد أعدتها ، سهام مسمومة صوبتها نحوه بدقة متناهية ، أخذت تطلق حممها في كل اتجاه ... احترم سنك الكبير ، ماذا سيقول الناس عن العجوز المراهق المتصابي ؛ لن تدنس البيت امرأة عاشت فيه أمهاا.
في هذا المقطع حركة مرتبة للضمير ، سببها فقدان السيطرة علي فارق ما بين الوصف وإنطاق الشخصية ، فحتي جملة بأخذت تطلق حممها في كل اتجاه ب تأسست هوية السرد علي ضمير الغائب اختيار للوصف ، ثم في التفات جيد هدفه محاولة الإقناع بموقف ناهد ، وخلق إحساس صادق لعنفها في مواجهة أبيها ، وهو ما بدا ظاهرا في التحول إلي استعمال ضمير الخطابا احترم (أنت) سنك( الكاف) ، والأصل كان يقضي أن يظهر ضمير التكلم بدلا من ضمير الغياب في (أمها) لتحقيق هذا الإحساس النفسي ، متجسدا ومتحدا بشخصية (ناهد) في موقف التكلم والمواجهة .
من جهة أخري بدت علامات اصطياد بطلة (الناب الأزرق) من قبل الفارس الوهمي هشة وغير مقنعة ، إذ لا يعقل أن تتطور الأحداث لمجرد رسالة هاتف كما تحاول أن تصور هذه القصة.
إن عصام عبدالحميد بما يصنعه من تراكم إبداعي وقصصي يتخذ من المرأة مرتكزا يتقدم بسرعة ظاهرة نحو مكانة متميزة في عالم القصة القصيرة بوعي فكري مائز امتلاك حقيقي لأدواته الفنية و الجمالية وإخلاص لقضايا الرومانسية الجديدة طلبا لطهارة العالم ،ونقائه واستقامته.
إن مجموعة (هان الود) تفتح بابا واسعا لنجاة الإنسانية عن طريق الحب و الحرية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.