عبدالستار سليم يمكن اعتبار « الأ دباتية » من رواد النكتة المصرية التي تعتمد علي قلب الأشياء ، وصرف اللفظ علي غير معناه، مما يحدث المفارقة اللفظية التي تثير الضحك ، وكان الأدباتي رائدا من رواد الأدب الساخر، والكوميديا التي تعتمد علي إبراز المثالب أو تضخيمها ، وقد نجد بقية من أغانيهم مازالت تتردد علي شفاه أبناء الريف - دون أن يعرفوا مصدرها - ولكن وبالرغم من ضياع تراثهم الكوميدي الرائع ، يمكننا أن نحيي فنهم لكن عن طريق مواهب تملأ أرض مصر، ولو كره القائمون علي شئون حفظ التراث الشعبي المصري ( كما يقول محمد عثمان جبريل ) الذين دعا عليهم الأدباتي بقوله : أنا الأديب المتصيّت ها تجمّع بقي ولاّ تعيّط إلهي عقلك يتخيّْط وعليْ كمان لضْم الإبْرة . فالشعوب التي تمتلك عمقا حضارياً ، تنتج فنًّا مبدعاً، حتي في فترات كمونها ، أو أطوار انحطاطها .. ويقول أحمد تيمور مؤلف معجم العامية المصرية العتيد : إن هذه الطائفة الهزلية هي أقرب إلي الشعراء الهزليين الذين نشأوا في قرية « فودفير « - من قري نورمانديا شمالي باريس - وهؤلاء لا أحد يعرف شيئاً عن بداية ظهورهم ، ولم تدوّن مقطوعاتهم ، وهذه حال الفنون الشعبية ، لذا فمن الخطل النظر إلي فن الأدباتية نظرة استخفاف أو ازدراء ، فهم أقرب إلي المصلحين منهم إلي المهرجين ، ربما هذا يفسر أن الكثير من زجالي مصر الكبار قد اكتشفوا مدي اتساع شعبية هؤلاء الفنانين فراحوا يغذّونهم بأزجالهم ، مما ساهم في تعميق وجدّية نقدهم للكثير من الظواهر والعيوب التي يعُجّ بها المجتمع آنذاك .. ويكفي أن الشيخ عبدالله النديم وبيرم التونسي وحسين شفيق المصري ويعقوب صنوع قد مدّوهم بأزجالهم. ومن الطريف أن مناظرة كبيرة تمت بين الشيخ عبدالله النديم - الصحفي والمفكر والمصلح - وشيخ الأدباتية ، وقد حضرها الآلاف من الناس ، وقد كانت الغلبة للشيخ النديم ، وهذه بعض المقاطع الشعرية من هذه المناظرة إذ يقول شيخ الأدباتية : القصد منك يا نديمنا .. تعمل زجل هيلة بيلة إلا انت دلوقتي غريمنا .. قصدي اصرفك بالقلقيلة وان كنت تجهل تغريمنا .. اسأل عنا إوعا تعيب في تكليمنا .. واحذر منا احسن أودّ يك لعظيمنا .. يشيّلك ألفين شيلة يرد عليه الشيخ النديم : انت صغار لسّه نونو .. وفي الزجل ما انتاش مجدع اتْبع نديم تلقي فنونو .. تأتيك عن المعني الأبدع أما عظيمك وضنونو .. تاكل نفسه وان كان يعارض بمجونو.. يطلب عكسه لأن فني وشجونو .. لكل متعنطز يردع ..