هذه الأنثي المتعلمة المثقفة هي الانتصار الحقيقي علي مجتمع الرجل البدائي الجلف، العائش يخرب الخلف بخرافات السلف، (شهرزاد) تعني بالفارسية (ابنة المدينة)،بنت الحضارة ووليدة عصر العلم، تتحدي مسلّمات الرجل الظالمة التي جعلت (خير الشعر أكرمه رجالاً) وأن يكون كاتبي القاضي ذكراً وألا يعلمون النساء الكتابة وأن يستعينوا عليهن بلا، فإن نعم تضريهن في المسألة، وأن التي تتعلم الكتابة هي أفعي تسقي سماً، وأن المرأة تلقن الشر من المرأة! لكن أميرتنا الحسناء ابتكرت طرائق جديدة تدمر بها ثقافة النقل والاتَّباع، فألهمت الكثيرين بأجوائها الساحرة: (روبرت لويس ستيفنسن) في (الليالي العربية الجديدة) والأجواء العثمانية الدسمة في (قناع الموت الأحمر) وقصص أخري لأمير شعراء أمريكا (إدجار آلان بو) الذي بدا بأسلوبه الخاص من الليلة الثانية بعد الألف، وكذلك فاعر الشاعر المرهف جوته، كما استوحاها أديبنا العظيم (نجيب محفوظ) في قصته الخاصة عن مدينة النحاس وفي روايته (ليالي ألف ليلة) حيث بدأها بالليلة الأولي بعد تمام الألف وكان شهريار قد تاب وأصلح لكن علينا أن نواجه فساد المدينة بالكامل نتاج أعوام وأعوام من الظلم والدم والعدوان وصناعة الفتن والمحن. رحلات جاليفر وجزيرة كروزو وحكايات جون فيرن كلها بشكل ما خرجت من رحلات السندباد، وبشكل غير مباشر كان لها الفضل في أكثر من تكنيك أدبي؛ من ذلك حبكة (القصة في القصة) عندما يعيد (هاملت) تمثيل أحداث اغتيال والده الملك، فتتجسد الخواطر وتنطق في مسرحية شكسبير الأشهر، مفارقات لعبة الموت والانتحار في (روميو وجوليت). وعن شهرزاد وحدها كتب طه حسين الأحلام وعن أسرارها كتب باكثير رواية كاملة. ومن عوالمها المعقدة العطرة خرج باليه شهرزاد وأوبريت معروف الإسكافي وباليه ثورة الحريم! لكن الخرافة الأعجب هي حجب النص الصحيح الكامل لليالي الألف عن قارئ العربية بعد عام 2000 في الوقت الذي يستلهم حتي رسامو القصص المصورة في الغرب منها فنهم! فمن قال إذن أن عهد القماقم السليمانية قد ولّي؟ المجتمع الشهرياري إذن لا يختلف إلا في ديكوراته عن عالمنا المعاصر ومن اليسير ملاحظة الأمية الثقافية والأحكام الأصولية والصلف الذكوري واستعمال المرأة كسلعة أو غرض، وبساطة أن يفقد إنسان حياته لأتفه الأسباب في مقابل وزراء وملوك يعانون الملل علي وسائد الحرير وفوق لحم الحريم. والمرأة لا تتعلم الشعر إلا لتسلية سيدها المتخم المخمور الضجر الذي لا يريد منها إلا خدمة واحدة وعليها أن تخرس لسانها تماماً وأن تتحجب وتسدل برقع الحياء علي شفتيها ولامانع من كشف ثدييها، فهي عورة فائدتها الوحيدة إشعال ناره وأن تكون المطفأة، فإذا قضي وطره لعن شياطينها وحبسها لأن كل الرجال مثله يتلصصون في أقرب فرصة علي نساء الآخرين. المرآة في الليالي الألف ذكية متحدية لا يقيدها خوف ولا يقمعها العفريت نفسه. وتقهر طغيان الرجل بلسان الفكر الذي يظن أنه يحتكره تاركاً لها التعثر في في الأثواب والزينة، علي حد قول السلمي: (ماللنساء وللكتابه وللعمالة والخطابة؟ هذا لنا ولهن منا أن يبتنعلي جنابة) وقول (جرير) الجائر: «إذا زقت الدجاجة زقاء الديك فاذبحوها» لكن الديك هو الذي ائتمر بأمر ست الحسن والحكايات وصار منبهها الخاص وميقات فصولها العديدة التي أتقنتها حبكتها وجعلتها بحق تتحدي الملل! فكل فصل جديد يحل تعقيد سابق ويفك عقده لحظة توتر ختمت بها الليلة السابقة، في قصص أمتعت لما فيها من عمق مدروس، وأبدعت لما بها من قص مخلص قلب الموازين بحكمة وهدوء دون ثورات فاشلة دموية، فنصر العبد الذكي علي الوزير المتصلب، وأذاب الطبقات والأديان في قصة واحدة اشترك فيها مسلم ونصراني ويهودي ومجوسي في جريمة الإنسان في حق الإنسان علي مدي الدهر، كل هذا دون كلام كثير ودون تبرير ديني مكرر ودون شعارات جوفاء ودون فجوات شاعرية، جعلت الساحر يقهر السلطان، والمهرج يتلاعب بالممالك، والعبد الأسود يفوز بجسد الأميرة!.