عبدالستار سليم الفنون القولية الشعبية - في شتي أنحاء عالمنا العربي - تسمّت بأسماء متباينة، أطلقها عليها مبتدعو هذه الفنون، فهذه التسميات أنتجتها أسباب كثيرة، منها اختلاف اللهجات بين أهالي الأمكنة المختلفة، وكذا الأزمنة المختلفة، وكذلك حسب الهيكل البنائي لهذه الفنون وطرائق تقفيتها، وأحياناً علي حسب المضامين التي تتناولتها هذه الفنون. وكما تعودنا - في مثل هذه القضايا الخاصة بالتسميات في الآداب الشعبية - علي كثرة الأقوال، واتفاقها أو تضاربها، فقد انسحب هذا علي تسمية «المجرودة». قال البعض إن اشتقاق الاسم له علاقة باسم «الجرْد» الليبي، وهوإزار شديد الطول، يلتف به الرجال، ولبسُه يدل علي الغِني والثراء وعلوّ القدر الاجتماعي.. أو قد يعزون الاسم إلي الفعل «جَرَد يجرُ د جرْ داً «بمعني» عَدّ وأحَي «باعتبار أن الشاعر يتناول ذِكْر أشياء كثيرة، تغطيها «المجرودة» فمن أجل ذلك تطول المجرودة، وتتنوع مراميها وتفصيلاتها و«المجرودة» - في ظاهرها - وقوف مجموعة من الرجال علي شكل قوس ، يتقدمهم شاعر يلقي قصيدة بنبْرة مميزة ، وأمام الجميع تقف امرأة تستمع بإنصات لما يقول ذلك الشاعر ، بينما يردد الرجال الواقفون خلفه مقاطع من تلك القصيدة - «المجرودة»- وهم يصفقون تصفيقاً خاصاً .. وغالباً ما يُِلقَي عدد من الشتاوات، ثم يبدأ دور الصف المنافس، وهكذا دواليك، والبعض يقولون إن هذا الفن كان يُغَني - عادة - قبل المعارك .. أما عن سرّ وجود تلك المرأة التي تقف أمام الشاعر دون حراك، فيقولون إنها تمثل الطرف الآخر، أي المرأة التي هي سبب تعاسته هذه، وهوللفت نظرها لموضوعه فقط، وهي تقف أمامه بانتباه، وتنصت لما يقوله جيداً، وبذلك يكون شاعر المجرودة قد عبّر لطرفي المجتمع عن شكواه، ونفس عن آلامه وأحزانه مستخدماً قدراته الأدبية . ومن خلال طرح الشاعر لقضية حبه الضائع بهذا الشكل، يخلق نوعاً من الجو المشوب بالحزن والأسي، وخاصة وهو يضرب الأمثلة بكوارث أخري أكبر من مأساته .. وبما أن المجرودة لا تُلقي إلا في مناسبات الأفراح، فلابد إذاً من الخروج من هذه المناحة إلي جو الفرح والبهجة وبشكل منطقي.. لذلك فعند نهاية المجرودة يقوم الشاعر أو أحد المشاركين بإلقاء شتاوة مثل : (غَلاك نْر يد ه.... حُو ز ة مال) - و«غلاك» أي حبّك - هذه الشتاوة يتناقلها صف المصفقين مناصفة، ويتغير إيقاع التصفيق ، وتقوم المرأة- الواقفة - بالرقص علي ذلك الإيقاع، فيتحول الجو إلي فرحة ورقص وتصفيق .. وهذا مخرج أوجده مصمم نسق هذا الشكل التراثي ، فيتحول - بشكل مقبول- من جوّ إلي آخر عكسه تماماً .. ولو انتهت المجرودة ولم يعقبها هذا الإجراء، لجثم جو الكآبة والحزن علي الجميع فترة من الوقت، وهذا غير معقول، لأن الجميع يحضرون حفلة للفرح والسرور ..!! ومن اللافت للنظر أن المجرودة تختلف عن غيرها من الفنون الشعبية القولية، في أن كل الأشعار يمكن إلقاؤها ملحنة وغير ملحنة، وفي كل المناسبات .. غير أن المجرودة تشذّ عن هذه القاعدة، فهي لا تلقَي إلا ملحنة ، وأمام صف المصفقين، وبحضور المرأة الراقصة، وفي مناسبة فرح، ولا يلقيها إلا رجل، وتلك هي الشروط الواجب توافرها حتي يتم إلقاء المجرودة ..! مرْ حبتين جْميل الصورة ... والجِمة شَعْلَة مضفورة واللي الخد كما بنُّورة ... تضْوي في قُبّة مشهورة يانا اللي ناري مكبُورة ... منك يا سود لْياليّا منك يا حلْو السهْراية .... متردي كاثر مشكاية نحكي والصاحيب حذاية .... ما مخلوق يرد عليّا