د. مصطفى الضبع عابرا مرحلة الثانوية العامة إلي الجامعة ينتقل الطالب المصري صفر اليدين وقد حفظ وصم حد التخمة ، عندها يتطلع للجامعة بوصفها الفرصة الأخيرة للتعلم فإذا ما التحق بالجامعة كان واحدا من اثنين : حاصل علي مجموع كبير حالما بكلية من كليات القمة . حاصل علي مجموع أقل يستعد لمفاجآت النظام الأكثر تكلسا في العالم (نظام التنسيق ) . والفريقان يتجرعان صدمة غير حضارية تتعدد أطرافها : صدمة مكتب التنسيق وقدراته الكارثية في القضاء علي رغبات الطلاب وميولهم ، وتمر السنوات ومكتب التنسيق باق بقاء الأهرامات دون أدني محاولات تطوير آلياته (عبر إحدي القنوات التليفزيونية المصرية منذ ثلاثة أعوام طالعنا أحد القائمين علي أمر المكتب بإعلان الواثق الملهم أنه لابديل لمكتب التنسيق فهو الأفضل عالميا ومحليا !!!!!!!!!!!) صدمة البيئة العلمية التقليدية التي تجعله أحيانا لا يشعر بفارق حضاري بين المدرسة الثانوية والجامعة ، قبل الجامعة كان مطالبا بالحفظ وفق نظام واحد هو نظام وزارة التربية والتعليم ، في الجامعة هو واقع تحت سطوة أنظمة تتعدد بتعدد الأساتذة فهو لا يفكر ولا يبتكر ولا يعمل عقله إذ يكون مطالبا بتحويل مايقرأ إلي معلبات عليه أن ينقلها من مخزن إلي مخزن فقط ، ويجد كثيرا من الأساتذة يطالبونه بأن يكتب في الامتحان كما يجد في الكتاب المقرر (حتي في الكليات النظرية وكليات العلوم الإنسانية ذات الأفق الأوسع للتعليم تتبع النظام نفسه نظام التلقين والحفظ ). افتقاده القدوة عبر نظم من ممارسات غير منطقية عقليا وغير أخلاقية إنسانيا ، عندها يفتقد الطالب القدوة عدة مرات : مرة بما يجده من طغيان الجانب المادي علي الجانب العلمي ، ومرة بممارسات البعض الأخلاقية ممن يسيئون للعمل الجامعي ، ومرة لشعوره بمحدودية تفكير من يعلمه ، ومرة باكتشافه أن سرقة الأبحاث العلمية والسطو علي الأفكار واحدة من أهم سمات العمل الجامعي في مصر خلال العشرين سنة الأخيرة ، وهي الكارثة التي تغاضي الجميع عن مواجهتها بالحزم المطلوب بشكل مريب . افتقاده المجال الأرقي لممارسة تجارب حياتية لها طابعها المعرفي ممثلة في أنشطة طلابية لم يؤهل للقيام بها و مكتبات غير مجهزة لاستقباله ، وعمليات ديمقراطية وهمية سواء في انتخابات الاتحادات الطلابية أو في انتخابات القيادات الجامعية حيث يرتد الجميع إلي تحكيم القبليات والعصبيات والشللية باستثناء حالات قليلة كان للكفاءة فيها الكلمة العليا وهي حالات تمنح بعض الأمل ولكنها لا تمثل ظاهرة إيجابية . خيانة بعض الأساتذة للوائح والأعراف الجامعية ويكفي الإشارة إلي واحدة من الفرائض الغائبة في عمل الأستاذ الجامعي أعني الساعات المكتبية التي يتقاضي عنها الأستاذ بدلا ماليا (ليس ضعف المقابل المادي مبررا لإهمال الساعات المكتبية ) ، فلسفة الساعات المكتبية قائمة علي أن الأستاذ يحدد ساعات معلنة يتواجد فيها بمكتبه لاستقبال طلابه وإقامة حوار في كل ما يخص الطالب من أمور حتي لو كانت تمس حياته الخاصة ، فالأساس أن يتوافر في الأستاذ صفتان تجعله الأكثر صلاحية لإنجاح هذا الحوار البناء : التفكير العلمي ، والموضوعية ، فالأستاذ ليس طرفا في مشكلات الطالب كما أنه الوحيد بما يمتلك من خبرات معرفية لها تحققها التطبيقي في الواقع مما يجعله الوحيد القادر علي تنمية مهارات التفكير العلمي والمنهجي لدي طلابه ( أعرف أساتذة لم يفعلوها طوال حياتهم الجامعية ، وأعرف آخرين يرفعون في وجه الطلاب شعار: ممنوع الاقتراب والتصوير إذ يحولون مكاتبهم لثكنات عسكرية ). إصرار المجلس الأعلي للجامعات علي العمل بلوائح تجاوزها العصر وتخلصت منها متطلبات التطوير الدائم وفي مقدمتها لائحة تكليف المعيدين وهي النقطة الأكثر تأثيرا علي البحث العلمي بالجامعات (ماذا تنتظر من طالب تحول إلي ماكينة إنتاج معلبات جاهزة؟ ) . وللحديث بقايا