تعرفت علي حسني نصار في مناقشة لمجموعة قصصية لصاحب مصنع بلاط بعنوان " شباب يائس "، كان يناقشها مع محمد حافظ رجب وعلي المغربي، وكنا صغارا وقتها، نجلس في قاعة قصر ثقافة الحرية المزدحمة بأقارب صاحب مصنع البلاط وعماله. عرض علينا حسني نصار أن نجتمع في جمعية الشبان المسلمين، ليحاضر في فن القصة، ونقرأ أعمالنا أمامه، وذلك مساء كل يوم أحد، فكنت أذهب سيرا علي القدمين من بيتي في حي راغب باشا إلي هناك، ونلتقي أحيانا قبل حضوره، فلا يسمح لنا أمين المكتبة الشاعر حسن شهاب بالدخول إلا إذا جاء حسني نصار. كنا نجلس في ردهة جمعية الشبان المسلمين بمقاعدها المريحة التي مازلت أذكرها، ونشرب الكاكاو ونتحدث، وعندما يقترب حسني نصار منا نهب واقفين مرحبين به، وندخل المكتبة فنصطف حوله، كنت أنا ومصطفي بلوزة والسيد الهبيان وسعيد بدر ومحمد جمعه وسلوي المحلاوي، وفتاة جميلة اسمها أنتصار رجب كانت تأتي بملابس الرياضة ومعها مضرب كرة التنس. حسني نصار كنت أذهب إلي الندوة بقصة جديدة، وأريد أن أطمئن عليها، لكن يا للأسف - الندوة هذه الليلة مخصصة للحديث عن فن القصة، وأصيح " معي قصة أريد أن أقرأها "، لكن حسني نصار كان منظما وملتزما بالبرنامج الذي أعلن عنه من قبل، فاضطر أن أجلس في قهوة مع زملائي لكي أقرأ عليهم قصتي الجديدة. عرض علينا أن نصدر كتاباً يضم عشرة كتَّاب، يدفع كل منا ثلاثة جنيهات، ويدفع الناشر السيد خليفة صاحب مطبعة لوران بشارع صلاح الدين؛ الباقي، ونقتسم النسخ بيننا وبينه، واشترطتُ أن تكون القصص جيدة، وأن نوافق عليها جميعا، واقترح حسني نصار أن يكون اسم الكتاب " شباب القصة "، ثم تعدل إلي " طريق الشوك " علي أن طريق الكتابة هو طريق الشوك. واختلفتُ معه فقد لاحظت أنه يكمل بعض القصص لكتَّاب دون المستوي، ويصر علي أن يشتركوا في الكتاب، وطالبته باستبعادهم وصممت علي رأيي فأعطاني المبلغ الذي سبق أن دفعته، وقال لي في غضب: أنت بتكتب كويس، لكن فيه من يكتب أفضل منك. فقلت له: هذا أمر طبيعي. وصدر كتاب "طريق الشوك" يضم قصصا لعشرة من الشباب علي رأسهم إبراهيم عبد المجيد، والباقي لم يكملوا المشوار وتساقطوا واحدا علي إثر الآخر. ظلت علاقتي به كما هي رغم ما حدث، وأحسست بأنه لم ينس لي هذا الموقف، وكان يلومني كثيرا لذلك، وعندما شكوت له من عدم قدرتي علي نشر قصصي، قال لي: لو سمعت كلامي ما كان هذا حدث. وكنت أشترك كل عام في مسابقة يقيمها قصر ثقافة الحرية في القصة القصيرة ومسرحية الفصل الواحد وأحصل علي المركز الثاني دائما في القصة بعد سعيد بكر الذي يحصل علي المركز الأول في كل مرة. ومرة اشترك حسني نصار في التحكيم، وكنت أقرب إليه من كل المشتركين في المسابقة، لكنني حصلت لأول مرة علي المركز الثالث بسببه، وقال لي: أعطيتك درجة أقل لأنني أعرفك جيدا، خشيت أن تؤثر علاقتي بك علي النتيجة. وبسبب ذلك امتنعت بعدها عن الاشتراك في مسابقات قصر ثقافة الحرية. ولد حسني نصار في 25 سبتمبر 1917 بحي "امبروزو" في الإسكندرية، لأب يعمل في الصيدلة، يحتم عمله عليه الانتقال من مدينة إلي أخري، فانتقلت الأسرة بعد ولادته بعامين إلي مدينة طنطا، ثم بني سويف، فاضطرت أن ترسله إلي القاهرة ليعيش مع خاله حتي يتم دراسته الابتدائية، لكن الأسرة عادت ثانية إلي طنطا؛ فذهب إليها وأكمل تعليمة الابتدائي والثانوي بها. حصل علي شهادة الثقافة سنة 1939 والتوجيهية سنة 1941، ولم يتمكن من الالتحاق بالجامعة في هذا العام، حيث مرت الأسرة بظروف مادية قاسية فعمل في إحدي شركات بنك مصر بالمحلة الكبري ليعين الأسرة علي المعيشة، ثم التحق بكلية الحقوق عام 1944 وحصل علي الليسانس عام 1948 وعلي دبلوم القانون عام 1950، ثم حصل علي دبلومة ثانية في الاقتصاد السياسي عام 1952 وكنت أزوره في بيته كثيرا بحي كليوباترا، فيأتي معي مصطفي بلوزة وبعض الأصدقاء ومنهم ملاك ميخائيل، وهو مصاب بشلل أطفال، فوقف حسني نصار يودعنا علي سلالم بيته، ولاحظ أننا أسرعنا وكدنا نسابق ملاك ميخائيل الذي يعتمد علي عكازيه، فناداني، وأشار إلي من بعيد لكي لا نحرجه، فسرنا خلفه، وانتظرناه حتي يهبط قبلنا. وفي لقاء من هذه اللقاءات قرأتُ عليه مقالة أقول فيها: إن القصة القصيرة يكتبها الآن كل من هب ودب، وإنها فن صعب لم يصنع اسما إلا لعدد قليل جدا من الرواد، وكان معي محمود قاسم، فكتب مقالة أعلن فيها عن موت القصة القصيرة في العالم، وعندما اعترضته وناقشته في ذلك، قال لي: لقد اعتمدت في كتابة مقالتي علي مقالتك التي قرأتها في بيت حسني نصار. وفي لقاء من هذه اللقاءات في بيته أعلن لي حسني نصار بأنه كتب كتاب" تجربتي" لعثمان أحمد عثمان، فقد أختاره الناشر أحمد يحيي صاحب المكتب المصري الحديث لكي يفرغ شرائط الكاسيت التي سجلها عثمان أحمد عثمان بصوته، وقام حسني نصار بصياغتها وتوضيبها وتحويلها إلي كتاب، ولكي نصدق قوله أخرج لنا من درج مكتبه الورق الذي كتب فيها الكتاب، وكان مكتوبا بالقلم الرصاص علي ورق مسطر. نشر حسني نصار أول كتبه عام 1948 بعنوان " الوطن الجديد" وتنبأ فيه بقيام الثورة، وبالإصلاح الزراعي وقوانين يوليو الاشتراكية. ونشر كتاب "أمل الأشقياء" وهو مجموعة قصصية، يقول عنها "كان الهدف منها أن أقول إن من الممكن الاستفادة بطاقات قطاع من الناس في حياتهم واضطرهم الظلم إلي أن ينحرفوا، ولو وجدوا الخير أمامهم سيتحولون من ناس أشقياء إلي ناس طيبين وصالحين. وقد تأثرت في هذه المجموعة القصصية بقصص الدكتور طه حسين؛ خاصة في "المعذبون في الأرض". ورواية "الضحي والليل" ويقول عنها " أناقش فيها قضية فلسفية هي قضية الذات والبحث عنها، وكيف يمكن للإنسان أن يجمع بين معاناته في علاقته بالله ومعاناته في حقه في الحياة بصفة عامة. ومجموعة قصصية بعنوان " كريمة" يحكي في قصته "حقيبة الهنا " عن محسن الذي ينسي حقيبته وبها مشروعه عن أفضل الوسائل لري الأراضي الصحراوية؛ مع فتاة بالأتوبيس رقم 119 ويفاجأ محسن بأن الفتاة التي كانت تجلس بجواره والتي أعجبته ونسي حقيبته معها؛ما هي إلا سامية ابنة المدير الذي سيقدم إليه المشروع، وتنتهي القصة بقول سامية "إياك أن تترك حقيبتك لفتاة أخري" فيجيبها "ليس بعدك أحد يا سامية أعطيه حقيبتي وحياتي." و" الحمار يعرف الطريق" في الأدب القصصي للرحلات وصدر عن دار الكتاب الليبي. ويتحدث فيه عن رحلاته إلي الصعيد والوادي الجديد قبل أن يرصفوا الطريق الموصل إليها. ورحلة إلي مرسي مطروح وكان له أمل أن يكمل رحلاته إلي القناة ليكمل كل مدن الجمهورية، والكتاب يسجل خواطره عن كل مدن الجمهورية وحوادثه بها في أدب قصصي بديع. وقد بحثت عن اسم حسني نصار في "النت" فوجدت مجموعة كبيرة من الكتب مازال ناشروها يعرضونها بإلحاح منها: "حرب السلام" الصادر عن دار الشرق الأوسط للطباعة والنشر. وكتابه المعجزة الذي ترجمه عن تمثيلية عن حياة هيلين كيلر للمؤلف الأميركي وليم جبسون والذي أصدرته مكتبة الأنجلو المصرية. وكتبه في القانون: "نظام الإيداع في القانون المصري" عن دار المعارف. "حقوق المرأة في التشريع الإسلامي والدولي المقارن" عن دار نشر الثقافة. سلسلة القانون المفسر (شرح القانون المدني) عن دار الكتب الجامعية. سلسلة البحث التجريبي للدراسات القانونية عن المكتب المصري الحديث. "تشريعات حماية الطفولة (حقوق الطفل)" عن منشأة المعارف. وكتابه "القاموس القرآني الميسر في تفسير ألفاظ القرآن الكريم". ونشر مقالات وقصص وأشعارا كثيرة نذكر بعضها: مجلة أمواج السكندرية الأدبية: مقالات: الشعر الفكاهي ونوادر الشعراء بين القديم والحديث، الأدب السياسي، نقولا يوسف.. شيخ القصة بالإسكندرية ومؤرخها الوفي. "شيال الحمولة" قصة قصيرة. مجلة الهلال "أحلام المني" شعر. مجلة الكاتب: قصص " يكلم ربه والدموع في عينيه"، "أسوار الصمت"، "مجلس المدينة"، "غرام بحد السيف". مقالات: " جذور القصة الحديثة في الأدب العربي القديم "، "تقسيم القصة حسب الوعاء القصصي لأحداثها في الزمان والمكان"، " المذاهب الأدبية في القصة ومراحل تطورها "، "أساليب الشكل والصياغة في القصة الحديثة". مجلة عالم القصة: مقالات: " تطوير جديد في القصة". قصص " الأستاذ عبد الحق"، " شبارة "، " تغيير في القاع "، "جلسة من خلال قياس الزوايا".
كنا نلجأ إلي حسني نصار في مشاكلنا الحياتية، وقد تعرض زميلنا السيد الهبيان لأزمة في عمله في شركة الكتان التي كان يعمل بها، فذهبنا إليه في عام 1978 وقد ترك عمله كأمين محكمة الإسكندرية، وعمل محاميا في مكتب المستشار السابق محمد صادق محمود بجوار سينما مترو، فساند الهبيان، وعندما لم يفلح في إعادته إلي عمله، عرض عليه أن يعمل في مكتب محمد صادق محمود، وبذلك تغيرت حياة الهبيان، فعمل في مجال المحامين والقضاة. كان حسني نصار متمسكا بالحياة، يشعر أنه مازال صغيرا رغم اقترابه من السبعين، فيصبغ شعر رأسه، وحدثني عن المرحوم الشاعر حسن شهاب بأنه عجوز بس نعيش قده، وكان يتحرك وكأنه شاب صغير، يعمل في مكتب المحاماة، ويحضر القضايا ويكتب في الأدب . فسافر إلي القاهرة صباح يوم 25 فبراير1983 لحضور القضايا التي يترافع فيها، ويسعي لنشر أعماله ومقابلة الكتاب والصحفين،. وبينما هو يعبر الطريق في شارع رمسيس بالقاهرة الذي أطلق عليه شارع الموت؛ حاملا حقيبته الممتلئة بأوراقه الأدبية والقانونية، صدمته دراجة بخارية طائشة، ونقل إلي المستشفي حيث لفظ أنفاسه الأخيرة، تحت وطأة الصدمة المباغتة والإهمال الشنيع واللامبالاة القاتلة.